محمد بن تومرت
كانت دولة المرابطين تتَّجه بقوَّة نحو هاوية سحيقة وكارثة محقَّقة، وكان لا بُدَّ أن تتحقَّق سُنَّة الله تعالى بتغيير هؤلاء واستبدالهم بغيرهم، وهذا ما تمَّ بالفعل؛ إذ قام سنة (512هـ= 1118م) رجل من قبائل مصمودة الأمازيغية يُدعى محمد بن تومرت بثورة على المرابطين، وكان محمد بن تومرت صاحب منهج في التغيير والإصلاح مختلف بالكلية عن منهج الشيخ عبد الله بن ياسين -رحمه الله.
وقد وُلِدَ محمد بن تومرت هذا سنة (473 هـ= 1080 م) ، ونشأ في بيت متدين في قبيلة مصمودة، وقد نسب هو نفسه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، لكن غالبَ الأمر أنه من قبائل الأمازيغ (البربر) في هذه المنطقة، وقد ظلَّ محمد بن تومرت في هذا البيت إلى سنة (500هـ= 1107م)، وكان قد بلغ من العمر آنذاك 27 سنة، وكان شغوفًا بالعلم، وكانت عادة الطلاب في ذلك الزمن أن يتجوَّلوا في سائر البلاد الإسلامية؛ ليتعلموا من علماء المسلمين في مختلف الأقطار؛ ولهذا فقد سافر محمد بن تومرت في سنة (500هـ= 1107م) إلى قرطبة وتلقَّى العلم هناك، ولم يكتفِ بذلك بل عاد وسافر إلى بلاد المشرق، فذهب إلى الإسكندرية ثم إلى مكة، حيث أدَّى فريضة الحج، وهناك تتلمذ على أيدي علماء مكة فترة من الزمان، ثم رحل إلى بغداد وقضى فيها عشر سنوات كاملة؛ يتلقَّى العلم على أيدي علماء بغداد جميعهم، وكانت بغداد تموج آنذاك بتيارات مختلفة من علماء السُّنَّة والشيعة والمعتزلة.. وغيرهم الكثير ممن أخذ وتلقَّى على أيديهم العلم.
وذهب محمد بن تومرت بعد ذلك إلى المشرق، وتَذْكُر بعض المصادر أنه تلقَّى العلم على الإمام أبي حامد الغزالي -رحمه الله- إلا أن هذا غير صحيح بيقين- وعاد بعدها إلى الإسكندرية ثم إلى بلاد المغرب العربي، ويصف ابنُ خلدون محمد بن تومرت بعد عودته تلك في سنة (512 هـ= 1118م) وكان قد بلغ من العمر 39 سنة، فيقول: أصبح محمد بن تومرت «بحرًا متفجرًا من العلم، وشهابًا واريًا من الدين». يعني أنه جمع علومًا كثيرة وأفكارًا جمَّة من تيارات إسلامية مختلفة.