نقص الأرض من أطرافها
من الدلالات العلمية لإنقاص الأرض من أطرافها
ترد لفظة الأرض في القرآن الكريم بمعني الكوكب ككل, كما ترد بمعني اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحرية والمحيطية, وإن كانت ترد أيضا بمعني التربة التي تغطي صخور اليابسة. ولإنقاص الأرض من أطرافها في إطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلمية التي نحصي منها ما يلي:
أولا: في إطار دلالة لفظة الأرض علي الكوكب ككل في هذا الإطار نجد ثلاثة معان علمية بارزة يمكن إيجازها فيما يلي:
(أ) إنقاص الأرض من أطرافها بمعني انكماشها علي ذاتها وتناقص حجمها باستمرار:
يقدر متوسط قطر الأرض الحالية بحوالي12742 كم, ويقدر متوسط محيطها بنحو40042 كم, ويقدر حجمها بأكثر من مليون مليون كم3. وتفيد الدراسات أن أرضنا مرت بمراحل متعددة من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابة الدخان الكوني التي نتجت عن عملية الانفجار العظيم إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسية, وبذلك خلقت الأرض الابتدائية التي لم تكن سوي كومة ضخمة من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائة ضعف حجمها الحالي علي الأقل, ومكونة من عدد من العناصر الخفيفة. ثم ما لبثت تلك الكومة الابتدائية أن رجمت بوابل من النيازك الحديدية, والحديدية الصخرية, والصخرية, كتلك التي تصل الأرض في زماننا( والتي تتراوح كمياتها بين الألف والعشرة آلاف طن سنويا من مادة الشهب والنيازك).
وبحكم كثافتها العالية نسبياً اندفعت النيازك الحديدية إلى مركز تلك الكومة الابتدائية حيث استقرت, مولدة حرارة عالية أدت إلى صهر كومة الرماد التي شكلت الأرض الابتدائية وإلى تمايزها إلى سبع أرضين علي النحو التالي:
1ـ لب صلب داخلي: عبارة عن نواة صلبة من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفة مثل الكربون والفسفور, والكبريت والسليكون والأوكسجين(1%) وهو قريب من تركيب النيازك الحديدية مع زيادة واضحة في نسبة الحديد, ويبلغ قطر هذه النواة حاليا ما يقدر بحوالي2402 كم, وتقدر كثافتها بحوالي10 إلي13.5 جرام/سم3.
2ـ نطاق لب الأرض السائل( الخارجي): وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حالة انصهار, ويقدر سمكه بحوالي2275 كم, ويفصله عن اللب الصلب منطقة انتقالية شبه منصهرة يبلغ سمكها450 كم تعتبر الجزء الأسفل من هذا النطاق, ويكون كل من لب الأرض الصلب والسائل حوالي31% من كتلتها.
3ـ النطاق الأسفل من وشاح الأرض( الوشاح السفلي): وهو نطاق صلب يحيط بلب الأرض السائل, ويبلغ سمكه نحو2215 كم( من عمق670 كم إلى عمق2885 كم) ويفصله عن الوشاح الأوسط( الذي يعلوه) مستوي انقطاع للموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل.
4ـ النطاق الأوسط من وشاح الأرض( الوشاح الأوسط): وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو270 كم, ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية يقع أحدهما علي عمق670 كم ويفصله عن الوشاح الأسفل, ويقع الآخر علي عمق400 كم ويفصله عن الوشاح الأعلى.
5ـ النطاق الأعلى من وشاح الأرض( الوشاح العلوي): وهو نطاق لدن, شبه منصهر, عالي الكثافة واللزوجة( نسبة الانصهار فيه في حدود1%) يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي ويمتد بين عمق65 ـ120 كم وعمق400 كم ويتراوح سمكه بين335 كم و380 كم, ويعتقد بأن وشاح الأرض كان كله منصهرا في بدء خلق الأرض ثم أخذ في التصلب بالتدريج نتيجة لفقد جزء هائل من حرارة الأرض.
6ـ النطاق السفلي من الغلاف الصخري للأرض: ويتراوح سمكه بين40 ـ60 كم( بين أعماق60 ـ80 كم)120 كم ويحده من أسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الأرضي, ومن أعلي خط انقطاع الموجات الاهتزازية المعروف باسم الموهو.
7ـ النطاق العلوي من الغلاف الصخري للأرض( قشرة الأرض):
ويتراوح سمكه بين(5 ـ8) كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين(60 ـ80) كم تحت القارات, ويتكون أساسا من العناصر الخفيفة مثل السليكون, والصوديوم, والبوتاسيوم, والكالسيوم, والألمنيوم, والأوكسجين مع قليل من الحديد(5.6%) وبعض العناصر الأخرى وهو التركيب الغالب للقشرة القارية التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتية, أما قشرة قيعان البحار والمحيطات فتميل إلى تركيب الصخور البازلتية.
وأدي هذا التمايز في التركيب الداخلي للأرض إلى نشوء دورات من تيارات الحمل, تندفع من نطاق الضعف الأرضي( الوشاح الأعلى) غالبا, ومن وشاح الأرض الأوسط أحيانا, لتمزق الغلاف الصخري للأرض إلى عدد من الألواح التي شرعت في حركة دائبة حول نطاق الضعف الأرضي نشأ عنها الثورات البركانية, والهزات الأرضية, والحركات البانية للجبال, كما نشأ عنها دحو الأرض بمعني إخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات.
هذا التاريخ يشير إلى أن حجم الأرض الابتدائية كان علي الأقل يصل إلى مائة ضعف حجم الأرض الحالية والمقدر بأكثر قليلا من مليون مليون وثلاثمائة وخمسين كيلومترا مكعبا وأن هذا الكوكب قد أخذ منذ اللحظة الأولي لخلقه في الانكماش علي ذاته من كافة أطرافه. وكان انكماش الأرض علي ذاتها سنة كونية لازمة للمحافظة علي العلاقة النسبية بين كتلتي الأرض والشمس, هذه العلاقة التي تضبط بعد الأرض عن الشمس, ذلك البعد الذي يحكم كمية الطاقة الواصلة إلينا. ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بنحو مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات, ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلى كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس), اتضحت لنا الحكمة من استمرارية تناقص الأرض وانكماشها علي ذاتها أي تناقصها من أطرافها. ولو زادت الطاقة التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلا لأحرقتنا, وأحرقت كل حي علي الأرض, ولبخرت الماء, وخلخلت الهواء, ولو قلت قليلاً لتجمد كل حي علي الأرض ولقضي علي الحياة الأرضية بالكامل.
ومن الثابت علميا أن الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانية نحو خمسة ملايين من الأطنان علي هيئة طاقة ناتجة من تحول غاز الإيدروجين بالاندماج النووي إلى غاز الهليوم. وللمحافظة علي المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس لابد وأن تفقد الأرض من كتلتها وزنا متناسبا تماما مع ما تفقده الشمس من كتلتها, ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الأرض علي هيئة الغازات والأبخرة وهباءات متناهية الضآلة من المواد الصلبة التي يعود بعضها إلى الأرض, ويتمكن البعض الآخر من الآفلات من جاذبية الأرض والانطلاق إلى صفحة السماء الدنيا, وبذلك الفقدان المستمر من كتلة الأرض فإنها تنكمش علي ذاتها, وتنقص من كافة أطرافها, وتحتفظ بالمسافة الفاصلة بينها وبين الشمس. ولولا ذلك لانطلقت الأرض من عقال جاذبية الشمس لتضيع في صفحة الكون وتهلك ويهلك كل من عليها, أو لانجذبت إلى قلب الشمس حيث الحرارة في حدود15 مليون درجة مئوية فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها.
ومن حكمة الله البالغة أن كمية الشهب والنيازك التي تصل الأرض يوميا تلعب دورا هاما في ضبط العلاقة بين كتلتي الأرض والشمس إذا زادت كمية المادة المنفلتة من عقال جاذبية الأرض.
عدل سابقا من قبل Admin في الأربعاء فبراير 08 2012, 19:51 عدل 1 مرات