[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القمح والسياسة
القمح كان ولا يزال من أكثر المحاصيل الاستراتيجيّة الغذائيّة انتشاراً في العالم , فهو يشكل مادة غذائية لقرابة نصف سكان العالم
إن العجز الغذائي في عالمنا اليوم يعني التبعيّة الغذائيّة أي الخضوع لمزاج الدول المصدّرة أو ( المانحة ) وضغوطها وأهمها الولايات المتحدة الأمريكيّة ثم الاتحاد الأوربي , الأمر الذي يؤدي غالباً إلى تهديد أو ابتزاز أو تقييد القرار السياسي العربي بدرجة أو أخرى لقوى أجنبية أي يؤدي في المحصلة إلى التبعيّة السياسيّة من منطلق من لا يملك قوته لا يملك إرادته الحرة أو استقلاله أو غده .
إنّ العلاقة بين الغذاء والثمن السياسي تنطبق على عدد من الدول العربية وفي مقدمتها جمهوريّة مصر العربيّة , التي تقترض لكي تأكل قروضاً تجارية بفوائد ضخمة أو ميسرة ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية تتفضل وتمنحها فرصة الاستفادة من برنامج فائض الحاصلات الزراعيّة وفي مقدمتها القمح . فالقمح يعتبر من مواد الغذاء التي لايمكن الاستغناء عنه , ويمكن أن يتحول من مجرد سلعة تباع وتشترى إلى سلعة استراتيجيّة , شأنها شأن المعدات العسكريّة , أو السلاح , بمعنى أنها تباع وتشترى بأثمانٍ سياسيّة , ففي هذه الحالة يضطر العاجزون عن توفير الغذاء لأنفسهم بإنتاجه محلياً , أن يدفعوا الثمن الذي يفرضه الآخرون والنتيجة تعميق التبعيّة الغذائيّة التي تفضي إلى التبعيّة السياسيّة
لقد أصبح الغذاء في عالمنا سلاحاً سياسياً مستخدماً ببراعة وبلا ضمير في تذويب مقاومة الشعوب الفقيرة وإخضاعها لسياسة الدول التي تمسك بمفاتيح مخازن الغلال في العالم , وقد جاء في تعليق لجيرالد فورد عندما كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكيّة "من الآن فصاعداً لم يعد هناك حاجة للولايات المتحدة الأمريكيّة للتهديد بحاملات الطائرات وبرجال البحرية من أجل تهدئة عالم ثالث كثير الحركة فالترسانة الأمريكيّة تضم سلاحاً صعباً ورهيباً وذا فاعلية ولاسيما الغذاء
أن الدول العربية تمثل منطقة عجز بالنسبة لمحصول القمح يتم تغطيته عن طريق الواردات من خارج الدول العربية , كما أنّ حدة هذا العجز تتزايد على مر السنين . ومما يزيد في خطورة المشكلة تزايد الاعتماد على الخارج في توفير الواردات من الحبوب هو أنّ الدول المصدّرة للحبوب ولاسيما القمح قليلة العدد , فضلاً عن كونها متقدمة اقتصادياً بما يمكنها من ممارسة سياسات اقتصاديّة إذا اقتضت مصالحها ذلك ومن هنا أصبح لزاماً على الدول العربيّة أن تعمل على تعبئة الجهود للتخلص من هذا الوضع وبدون شك يوثر هذا على قرارها السياسي ، والقمح سلاح سياسي استخدم وسيستخدم مستقبلاً ضد الدول العربية ولعل قول هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق عندما وجه كلامه للدول العربية في حرب تشرين التحريرية عام 1973م , لتحرير الأراضي العربية , وعندما استخدم النفط كسلاح عربي قوله " لقاء كل قطرة بترول سنعطيهم حبة قمح " وهذا دليل على استخدام سلاح الغذاء الذي مورس ويمارس على الوطن العربي وقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكيّة حظراً اقتصادياً عاماً بما فيه تصدير الغذاء إلى ليبيا في أوائل عام 1986م. وقد استخدمت سلاح التجويع منذ أوائل التسعينات ضد الشعب العراقي بهدف إضعافه استراتيجياً وإخضاعه سياسياً , وتصفية مشروعه التنموي وإبعاده عن أمته العربيّة وقد نجحت في ذلك ولم يقتصر استخدام سلاح القمح ضد الدول العربية فقط بل استخدم ضد الدول النامية والدول المتقدمة على حدٍ سواء , فقد اُستخدم ضد فرنسا زمن ديغول , وضد بعض الدول في أمريكا اللاتينية , وضد بعض الدول الإفريقيّة والآسيويّة. وقد منعت الولايات المتحدة الأمريكية تصدير السلع الغذائية إلى إيران بعد قيام الثورة الإسلاميّة فيها , وقام رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة السابق جيمي كارتر في عام 1980م بوقف تصدير القمح الأمريكي إلى الاتحاد السوفييتي كرد على تدخل الأخير في أفغانستان. "ويكشف هنري كيسنجر في مذكراته سنوات الفوران (الاضطراب) عن كيفية استخدام سلاح القمح كوسيلة للضغط والمقايضة على بعض القرارات السوفييتية , كما يكشف الرئيس نيكسون عن استخدام صفقات الحبوب في انتخابه وعن كيفية المساومة مع السوفييت وعقد الاتفاقيات آنذاك للربط بين هجرة اليهود السوفييت وعقد الاتفاقيات التجاريّة , وأن يقفز عدد اللذين سُمح لهم بالهجرة من اليهود السوفييت نتيجة للضغط الغذائي والتجاري من ( 400) مهاجر في عام 1968م إلى نحو ( 35 ) ألف في عام 1973م " وحول الموضوع نفسه ذكر بنيامين نتنياهو كيف أدى الضغط الغذائي الأمريكي إلى فتح باب السجن السوفييتي لفترة محدودة أمام هجرة اليهود , حيث تمكن في مطلع السبعينات حوالي ( 200) ألف يهودي سوفييتي من الهجرة إلى إسرائيل. وقد سبق وأن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكيّة سلاح الغذاء كورقة ضغط على الجمهوريّة العربيّة المتحدة عام 1964م , حين تقدم عضو الكونغرس الأمريكي " أوليفير بوتون " باقتراح يمنع بيع فائض المواد الزراعيّة إلى الجمهوريّة العربيّة المتحدة " مصر " لأنها – برأيه – بلد عدواني تهدد أمن إسرائيل وسلامتها واعتبار بلد ما بأنه عدواني يترتب عليه سماح القانون الأمريكي بحجب المساعدات عنه وبطبيعة الحال ستزداد إشكالية الأمن الغذائي كلما ازداد الصراع العربي الصهيوني تعقيداً , لاسيما أن مشكلة الغذاء لم تعد مشكلة اقتصاديّة فحسب بل أضحت في المقام الأول مشكلة سياسيّة , نظراً لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكيّة على سوق القمح الدولية من جهة وتفاقم حاجة الأقطار العربيّة إلى الغذاء من جهة ثانية
القمح والسياسة
القمح كان ولا يزال من أكثر المحاصيل الاستراتيجيّة الغذائيّة انتشاراً في العالم , فهو يشكل مادة غذائية لقرابة نصف سكان العالم
إن العجز الغذائي في عالمنا اليوم يعني التبعيّة الغذائيّة أي الخضوع لمزاج الدول المصدّرة أو ( المانحة ) وضغوطها وأهمها الولايات المتحدة الأمريكيّة ثم الاتحاد الأوربي , الأمر الذي يؤدي غالباً إلى تهديد أو ابتزاز أو تقييد القرار السياسي العربي بدرجة أو أخرى لقوى أجنبية أي يؤدي في المحصلة إلى التبعيّة السياسيّة من منطلق من لا يملك قوته لا يملك إرادته الحرة أو استقلاله أو غده .
إنّ العلاقة بين الغذاء والثمن السياسي تنطبق على عدد من الدول العربية وفي مقدمتها جمهوريّة مصر العربيّة , التي تقترض لكي تأكل قروضاً تجارية بفوائد ضخمة أو ميسرة ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية تتفضل وتمنحها فرصة الاستفادة من برنامج فائض الحاصلات الزراعيّة وفي مقدمتها القمح . فالقمح يعتبر من مواد الغذاء التي لايمكن الاستغناء عنه , ويمكن أن يتحول من مجرد سلعة تباع وتشترى إلى سلعة استراتيجيّة , شأنها شأن المعدات العسكريّة , أو السلاح , بمعنى أنها تباع وتشترى بأثمانٍ سياسيّة , ففي هذه الحالة يضطر العاجزون عن توفير الغذاء لأنفسهم بإنتاجه محلياً , أن يدفعوا الثمن الذي يفرضه الآخرون والنتيجة تعميق التبعيّة الغذائيّة التي تفضي إلى التبعيّة السياسيّة
لقد أصبح الغذاء في عالمنا سلاحاً سياسياً مستخدماً ببراعة وبلا ضمير في تذويب مقاومة الشعوب الفقيرة وإخضاعها لسياسة الدول التي تمسك بمفاتيح مخازن الغلال في العالم , وقد جاء في تعليق لجيرالد فورد عندما كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكيّة "من الآن فصاعداً لم يعد هناك حاجة للولايات المتحدة الأمريكيّة للتهديد بحاملات الطائرات وبرجال البحرية من أجل تهدئة عالم ثالث كثير الحركة فالترسانة الأمريكيّة تضم سلاحاً صعباً ورهيباً وذا فاعلية ولاسيما الغذاء
أن الدول العربية تمثل منطقة عجز بالنسبة لمحصول القمح يتم تغطيته عن طريق الواردات من خارج الدول العربية , كما أنّ حدة هذا العجز تتزايد على مر السنين . ومما يزيد في خطورة المشكلة تزايد الاعتماد على الخارج في توفير الواردات من الحبوب هو أنّ الدول المصدّرة للحبوب ولاسيما القمح قليلة العدد , فضلاً عن كونها متقدمة اقتصادياً بما يمكنها من ممارسة سياسات اقتصاديّة إذا اقتضت مصالحها ذلك ومن هنا أصبح لزاماً على الدول العربيّة أن تعمل على تعبئة الجهود للتخلص من هذا الوضع وبدون شك يوثر هذا على قرارها السياسي ، والقمح سلاح سياسي استخدم وسيستخدم مستقبلاً ضد الدول العربية ولعل قول هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق عندما وجه كلامه للدول العربية في حرب تشرين التحريرية عام 1973م , لتحرير الأراضي العربية , وعندما استخدم النفط كسلاح عربي قوله " لقاء كل قطرة بترول سنعطيهم حبة قمح " وهذا دليل على استخدام سلاح الغذاء الذي مورس ويمارس على الوطن العربي وقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكيّة حظراً اقتصادياً عاماً بما فيه تصدير الغذاء إلى ليبيا في أوائل عام 1986م. وقد استخدمت سلاح التجويع منذ أوائل التسعينات ضد الشعب العراقي بهدف إضعافه استراتيجياً وإخضاعه سياسياً , وتصفية مشروعه التنموي وإبعاده عن أمته العربيّة وقد نجحت في ذلك ولم يقتصر استخدام سلاح القمح ضد الدول العربية فقط بل استخدم ضد الدول النامية والدول المتقدمة على حدٍ سواء , فقد اُستخدم ضد فرنسا زمن ديغول , وضد بعض الدول في أمريكا اللاتينية , وضد بعض الدول الإفريقيّة والآسيويّة. وقد منعت الولايات المتحدة الأمريكية تصدير السلع الغذائية إلى إيران بعد قيام الثورة الإسلاميّة فيها , وقام رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة السابق جيمي كارتر في عام 1980م بوقف تصدير القمح الأمريكي إلى الاتحاد السوفييتي كرد على تدخل الأخير في أفغانستان. "ويكشف هنري كيسنجر في مذكراته سنوات الفوران (الاضطراب) عن كيفية استخدام سلاح القمح كوسيلة للضغط والمقايضة على بعض القرارات السوفييتية , كما يكشف الرئيس نيكسون عن استخدام صفقات الحبوب في انتخابه وعن كيفية المساومة مع السوفييت وعقد الاتفاقيات آنذاك للربط بين هجرة اليهود السوفييت وعقد الاتفاقيات التجاريّة , وأن يقفز عدد اللذين سُمح لهم بالهجرة من اليهود السوفييت نتيجة للضغط الغذائي والتجاري من ( 400) مهاجر في عام 1968م إلى نحو ( 35 ) ألف في عام 1973م " وحول الموضوع نفسه ذكر بنيامين نتنياهو كيف أدى الضغط الغذائي الأمريكي إلى فتح باب السجن السوفييتي لفترة محدودة أمام هجرة اليهود , حيث تمكن في مطلع السبعينات حوالي ( 200) ألف يهودي سوفييتي من الهجرة إلى إسرائيل. وقد سبق وأن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكيّة سلاح الغذاء كورقة ضغط على الجمهوريّة العربيّة المتحدة عام 1964م , حين تقدم عضو الكونغرس الأمريكي " أوليفير بوتون " باقتراح يمنع بيع فائض المواد الزراعيّة إلى الجمهوريّة العربيّة المتحدة " مصر " لأنها – برأيه – بلد عدواني تهدد أمن إسرائيل وسلامتها واعتبار بلد ما بأنه عدواني يترتب عليه سماح القانون الأمريكي بحجب المساعدات عنه وبطبيعة الحال ستزداد إشكالية الأمن الغذائي كلما ازداد الصراع العربي الصهيوني تعقيداً , لاسيما أن مشكلة الغذاء لم تعد مشكلة اقتصاديّة فحسب بل أضحت في المقام الأول مشكلة سياسيّة , نظراً لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكيّة على سوق القمح الدولية من جهة وتفاقم حاجة الأقطار العربيّة إلى الغذاء من جهة ثانية