عبد المجيد الاولوكانت مدة خلافة السلطان محمود احدى وثلاثين سنة وعشرة شهور ومات عن اربع وخمسين سنة تقريبا وكانت ولادة السلطان عبد المجيد في 14 شعبان سنة 1237 6 مايو سنة 1822 وكان اذ ذاك سنه 17 فتولى الخلافة ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره وكانت الحكومة في غاية الاضطراب بسبب انتصار جيوش محمد علي باشا بنصيبين كما مر واحتلال جيوشه لمدائن عين تاب وقيصرية وملطية .
ومما زاد احوال الدولة ارتباكا وشغل الخواطر باوروبا ان احمد باشا القبودان العام للدونانمة التركية خرج بجميع مراكبه الحربية واتى بها إلى ثغر الاسكندرية وسلمها إلى محمد علي باشا في 2 جماد اول سنة 1255 14 يوليو سنة 1839 وكان فعل احمد باشا القبودان مسببا عن توجيه منصب الصدارة العظمى إلى خسرو باشا الذي كان قد سبق تعيينه واليا على مصر وخرج منها بناء على رغبة الاهالي في تعيين محمد علي باشا واليا عليها وخوفه من الايقاع به بسبب ما كان بينه وبين محمد علي باشا من علائق الارتباط والمحبة .
لما علم قناصل الدول بالاستانة بتسليم الدونامة التركية إلى محمد علي باشا خشوا رحف ابراهيم باشا على القسطنطينية فترسل الروسيا جيوشها لمحاربته بناء على معاهدة خونكار اسكله سي لا سيما وقد فقدت الدولة جميع جيوشها البرية وسفنها الحربية فأرسلوا إلى الباب العالي لائحة اشتراكية بتاريخ 16 جماد اول سنة 1255 28 يوليو سنة 1839 ممضاة من سفراء فرنسا وانكلترا والروسيا والنمسا والبروسيا يطلبون منه ان لا يقر شيئا في امر المسألة المصرية الا باطلاعهم واتحادهم وانهم مستعدون للتوسط بينه وبين محمد علي باشا لحل هذه المسألة المهمة فقبل الباب العالي هذه اللائحة واجتمع السفراء عند الصدر الاعظم في 18 جماد اول 30 من الشهر المذكور وتداولوا فيما يجب اعطاؤه لمحمد علي باشا فأبدى سفيرا انكلترا والنمسا ضرورة ارجاع الشام للدولة العلية وعارضهم في هذا الرأي سفيرا فرنسا والروسيا وطلبا ان يمنح محمد علي باشا ملك مصر وولايات الشام الاربع لكن انحاز سفير البروسيا إلى الرأي الاول فتقرر بالاغلبية ثم طلب المسيو دي مترنيخ اكبر وزراء النمسا ان يعقد مؤتمر دولي في مدينة فيينا او لوندره لاتمام المداولات بشأن المسألة المصرية فلم يقبل منه ذلك عند الكل سيما فرنسا وانكلترا فلم يقبلا ذلك ولم يميلا لهذا الطلب لعدم ثقتهم بالمسيو دي مترنيخ وكذلك الروسيا لم تقبل تخويل مؤتمر دولي حق تحديد علاقاتها مع الباب العالي بل اعلنت انها مصرة على التمسك بنصوص معاهدة خونكار اسكله سى وهي حماية الدولة بعساكرها ومراكبها وبالتالي احتلال معظم املاكها بدون حرب لو تعدى ابراهيم باشا حدود الشام فعند ذلك طلبت كل من فرنسا وانكلترا من الباب العالي التصريح لمراكبها بالمرور من بوغاز الدردنيل لحمايته عند الضرورة من الروسيا ومن العساكر المصرية وجاء الاميرال ستوبفورد بنفسه إلى القسطنطينية للحصول على هذا التصريح ولما علم باقي السفراء بهذا الطلب اضطربوا وخشوا حصول شقاق بين الدول المتوسطة واعلن سفير الروسيا بأنه إذا دخلت المراكب الفرنساوية والانكليزية البوغاز يقطع علاقاته السياسية مع الباب العالي ويسافر في الحال وكانت حكومته ارسلت له مركبا حربيا ليسافر عليه إذا اقتضى الحال ذلك وكتبت النمسا إلى وزارتي لوندره وباريس بأن طلبهما هذا مخل بسلم اوروبا وانهما لو اصرا عليه تخرج من التحالف وتحفظ لنفسها حرية العمل فلما علم الباب العالي بذلك خاف من تفاقم الخطب ورفض طلب حكومتي فرنسا وانكلترا وطلب منهما ابعاد مراكبهما عن مدخل البوغاز فلهذه الاسباب وعدم الاتفاق بين وزراء الدول توقفت المخابرات إلى اوائل شهر رجب سنة 1255 سبتمبر سنة 1839 حتى عرض اللورد بونسونبي سفير انكلترا على الباب العالي ان دولته مستعدة لاكراه محمد علي باشا على رد الدونانمة التركية بشرط ان يكون لها حق ادخال مراكبها في خليج اسلامبول لصد الروسيا عند الضرورة فلما علمت بذلك حكومة فرنسا ارسلت إلى الاميرال لالاند قائد اسطولها في مياه تركيا امرا بتاريخ 18 دسمبر سنة 1839 أنه لا يشترك مع مراكب انكلترا في أي حركة عدوانية ضد حكومة محمد علي باشا فعلم الكل أنه لا بد من حصول خلاف بين فرنسا وانكلترا بخصوص المسألة المصرية واخذت الدول حذرها مما عساه يحصل من الامور التي تنشأ بسبب هذا الخلاف فأعلنت النمسا بأنها لا ترغب التداخل لعدم نجاح طلبها المختص بانعقاد مؤتمر دولي في فيينا او برلين واعلنت بروسيا والروسيا بأنهما يقبلان كل ما تقرره الدول في هذا الشأن بشرط ان يكون موافقا لرغبة الباب العالي وان يكون قبوله لهذا القرار صادرا عن كمال الحرية فكأن الدول قبلت ما اتفقت عليه فرنسا وانكلترا بالاتحاد مع الباب العالي ولكن لم يتم الاتفاق بين هاتين الدولتين لسعي انكلترا في ارجاع المصريين إلى حدودهم الاصلية وعدم قبول فرنسا ذلك ورغبتها في مساعدة محمد علي باشا وذلك ان فرنسا كانت تود ان تكون ولايتا مصر والشام له ولذريته واقليما اطنه وطرسوس له مدة حياته واما انكلترا فكانت لا تريد ان يعطى الا ولاية مصر لكن رغبة في ارضاء فرنسا قبلت ان يعطى مدة حياته نصف بلاد الشام الجنوبي بشرط ان لا تكون مدينة عكا من هذا النصف فرفضت فرنسا هذا الاقتراح وقالت كيف نحرمه من كل فتوحاته خصوصا بعد ان قهر الجيوش العثمانية في واقعة نصيبين واننا لو جردناه منها لتركنا له بابا للحرب مرة اخرى وهو امر لا تكون عاقبته حسنة لأنه يوجب تداخل حكومة الروسيا في امر الدولة العلية بمقتضى العهود ولا تكون نتيجة ذلك الا حربا عامة فالاولى منعا لسفك دماء العباد ان تعطى لمحمد علي باشا البلاد التي فتحها لأنه اقوم بادارتها واحق بها لما تكبده في فتحها من المشاق الصعبة والمصاريف الزائدة وبذل الارواح ولما علمت الدول بوقوع الخلاف بين فرنسا وانكلترا اعلنت النمسا وبروسيا رسميا انهما ينحازان إلى احدى الدولتين التي لا تحرم الدولة من املاكها وبعبارة اخرى إلى انكلترا .
واما الروسيا فارادت ان تنتهز فرصة عدم اتحاد الدولتين لتقرير نفوذها في الشرق وحق حمايتها على الدولة العلية دون غيرها وارسلت إلى لوندره البارون دي برونو بصفة سفير فوق العادة فوصلها في اواخر سبتمبر سنة 1839 وعرض على حكومتها بالنيابة عن قيصره ان الروسيا مستعدة لان تترك لانكلترا حرية العمل في مصر وتساعدها على اذلال محمد علي باشا بشرط ان تسمح لها بانزال جيش بالقرب من اسلامبول في مدينة سينوب الواقعة على شاطئ البحر الاسود ببر الاناضول لكي يتيسر لها اسعاف الباب العالي لو اراد ابرهيم باشا الزحف على القسطنطينية فصغى اللورد بالمرستون إلى كلام سفير الروسيا ومال إلى هذا الرأي ميلا شديدا ولولا استقباح الرأي العام له لقبله كل القبول وسلم به كل التسليم لكنه لما رأى عدم موافقة الرأي العام لهذا المشروع اقترح على الروسيا ان تعلن اولا بتنازلها عما تخوله لها معاهدة خونكاراسكله سي من حق حماية الدولة العلية فرفضت الروسيا ذلك واجلت المخابرات بشأن تسوية المسالة المصرية إلى شهر يوليو سنة 1840 لعدم اتفاق الدولة على حالةى مرضية للكل وافية بغرض الجميع لتباينهم في الغايات والمقاصد وفي خلال هذه المدة ارسلت الروسيا المسيو برونو ثانية إلى لوندره ليطلب تعديل المشروع الاول بان يخول لكل من انكلترا وفرنسا الحق في ارسال ثلاث سفن حربية في بحر مرمره للاشتراك مع الجيش الروسي في حماية اسلامبول لو هاجمها ابراهيم باشا فلم تفز الروسيا بمرامها في هذه المرة ايضا .
هذا ولما علم محمد علي باشا بهذه المخابرات وتحقق ان الدول الاوروباوية عموما وانكلترا خصوصا ساعية في ارجاع جيوشه إلى مصر وجبره على رد كل ما فتحه من البلاد وان فرنسا لا يمكنها مساعدته فضلا عن تعصب باقي اوروبا ومضادتها باجمعها له اخذ في الاستعداد لصد القوة بالقوة بحيث لا يسلم شبرا من الارض التي صرف ماله ورجاله في فتحها الا مضطرا وكلف سليمان باشا بتفقد سواحل الشام وتحصينها بقدر الامكان لا سيما مدينتي عكا وبيروت وامر بتعليم كافة الاهالي جميع الحركات العسكرية وحمل السلاح لكي يسهل له حفظ الارض الداخلي بواسطتهم وصد المهاجمين بواسطة الجيش المتدرب على الحرب ولزيادة جيشه استدعى من الاقطار الحجازية والنجدية الجيوش المصرية المحتلة لها واخذ ايضا في توفير الاموال من بعض وجوه مصاريفها واطلق سراح محمد ابن عون شريف مكة الذي كان قد الزمه الاقامة بمصر من مدة وبالجملة تخلى عن بلاد العرب وتركها هملا كما كانت لاحتياجه إلى المال والرجال لانها كانت تكلفه سنويا مبلغا قدره سبعمائة الف جنيه مصري تقريبا بلا فائدة ثم ارسل إلى ولده ابراهيم باشا الاوامر المشددة بان يجتهد في اطفاء كل ثورة جزئية يبديها سكان الجبل من أي طائفة خوفا من اشتداد الخطب في الداخل حين الاحتياج للانتباه لما ياتي من الخارج ثم في اوائل سنة 1840 عاودت النمسا الكرة وطلبت من الدولة اجتماع مؤتمر في مدينة فيينا لتسوية هذه المسألة التي اقلقت بال الجميع فقبلت الدول عقده في مدينة لوندره لا فيينا وطلبت فرنسا ان يكون للباب العالي مندوب خصوصي في هذا المؤتمر مراعاة له لماله من السيادة العظمى على البلاد المتنازع بخصوصها .
فلما اجتمع هذا المؤتمر طلبت فرنسا ابقاء الشام كلها تحت يد محمد علي باشا فعارضتها الحكومة الانكليزية في ذلك واصرت على ما طلبته اولا وهو انه لا يعطى له الا النصف الجنوبي منها لكنها قبلت اخيرا بناء على الحاح فرنسا ادخال عكا ضمن هذا القسم بشرط ان يكون له مدة حياته فقط ولا ينتقل إلى ورثته بل يعود إلى الدولة العلية وقبلت الروسيا والنمسا والبروسيا ذلك لكن لم تقبله فرنسا بحجة ان حرمان ورثة محمد علي باشا من بلاد صرف السنين الطوال في فتحها ليتركها لهم بعد موته مما يزيد في حنقه على دول اوروبا وربما لم يقبل هذا القرار المجحف فتلتزم الدول باكراهه وسفك دماء العباد ظلما الامر الذي لم تجر هذه المخابرات الا لمنعه فشددت انكلترا وخصوصا اللورد بالمرستون وزيرها الاول وابت الا رجوع ما يعطى لمحمد علي باشا من البلاد الشامية إلى الدولة العلية بعد موته فمن عدم الاتفاق وتشتت الآراء وبعد الوفاق لم ينجح هذا المؤتمر وبقيت الحالة على ماهي عليه ثم لما تولى المسيو تيرس رئاسة الوزارة الفرنساوية في اول مارس سنة 1840 لم يتبع خطة اسلافه في انهاء المسألة المصرية بالاتحاد مع انكلترا بل اراد ان يضع لها حدا باتفاقه راسا مع الباب العالي ومحمد علي باشا بان يلزم الباب العالي ان يترك لمحمد علي باشا ولايات مصر والشام له ولذريته ويهدده بمساعدة فرنسا لوالي مصر ان لم يذعن الباب العالي لهذه المطالب .
فأرسل لمحمد علي باشا يخبره بأن لا يقبل مطالب انكلترا بل يقوي مركزه في الشام ويتأهب للكفاح وان فرنسا مستعدة لنجدته لو عارضته انكلترا معاهدة 15 يوليو سنة 1840 فلما علم اللورد بالمرستون بهذه المخابرات حنق على الحكومة الفرنساوية وبذل جهده في الاتفاق مع الروسيا وبروسيا والنمسا لارجاع محمد عي باشا إلى حدود مصر والزامه بالقوة ان لم يطع ولقد نجح بالمرستون في مسعاه وامضى بتاريخ 15 يوليو سنة 1840 مع من ذكر من الدول معاهدة صدق عليها مندوب الدولة العلية مقتضاها .
اولا :
ان يلزم محمد علي باشا بارجاع ما فتحه للدولة العلية ويحفظ لنفسه الجزء الجنوبي من الشام مع عدم دخول مدينة عكا في هذا القسم ثانيا : ان يكون لانكلترا الحق بالاتفاق مع النمسا في محاصرة فرض الشام ومساعدة كل من اراد من سكان بلاد الشام خلع طاعة المصريين والرجوع إلى الدولة العلية وبعبارة اخرى تحريضهم على العصيان لانشغال الجيوش المصرية في الداخل كي لا تقوى على مقاومة المراكب النمساوية والانكليزية .
ثالثا :
ان يكون لمراكب الروسيا والنمسا وانكلترا معا حق الدخول في البوسفور لوقاية القسطنطينية لو تقدمت الجيوش المصرية نحوها. رابعا : ان لا يكون لاحد الحق في الدخول في مياه البوسفور ما دامت القسطنطينية غير مهددة . خامسا : يجب على الدول الموقع مندوبوها على هذا الاتفاق ان تصدق عليه في مدة لا تزيد عن شهرين بحيث يكون التصديق في مدينة لوندره وشفعت هذه المعاهدة بملحق مصدق عليه من مندوب الدولة العلية مبين فيه الحقوق والامتيازات التي يمكن منحها لمحمد علي باشا وقبل امضاء هذه المعاهدة ابتدأت انكلترا في تحريض سكان لبنان من دروز ومارونية ونصيرية على شق عصا الطاعة وارسل اللورد بونسوبني سفيرها لدى الباب العالي ترجمانه المستر وود إلى الشام لهذه الغاية واعلم بذلك اللورد بالمرستون برسالة تاريخها 29 ربيع الثاني سنة 1256 30 يونيو سنة 1840 محفوظة في سجلات المملكة وبمجرد وصول المستر وود إلى محل مأموريته اخذ في نشر ذلك بين الاهالي ولقد نجح في مأموريته واشهر الجبليون العصيان وتجمعوا متسلحين وامتنعوا عن تأدية الخراج والمؤن العسكرية لكن لم تتسع هذه الثورة الابتدائية لتداركها في اولها فأرسل المدد من مصر واهتم كل من ابراهيم باشا وسليمان باشا الفرنساوي وعباس باشا الاول في اخمادها فاطفئت قبل ان يتعاظم امرها وعادت السكينة في كافة الانحاء ومن ثم اخذ سليمان باشا الفرنساوي في تحصين مدينة بيروت لعلمه انها اول ميناء معرضة لمراكب الانكليز وكذلك بنى القلاع لحماية كل الثغور ووضع بها المدافع الضخمة ولكن لسوء الحظ لم تجد هذه الاستحكامات نفعا امام مراكب الانكليز والنمسا كما سيجيء ولما علمت الحكومة الانكليزية ان المرحوم محمد علي باشا مهتم في ارسال العساكر والذخائر من طريق البحر إلى الشام ارادت ان تعارضه وتعاكسه اما باخذ دونانمته او تشتيتها وتفريقها ليتعذر ارسال المدد برا لوجود الصحراء الرملية الفاصلة بين مصر والشام من طريق العريش فأرسلت اوامرها في اوائل شهر يوليو سنة 1840 إلى الكومودور نابير بأن يتوجه بمراكبه إلى مياه الشام ومصر لاستخلاص الدونانمة التركية لو خرجت من ميناء الاسكندرية واسر او احراق الدونانمة المصرية لو قابلها فلما علمت فرنسا بهذا الخبر أرسلت إحدى بوارجها البخارية إلى بيروت لتبليغ قائد الجيوش المصرية هذا الخبر المشؤوم فرجعت في الحال المراكب المصرية إلى الاسكندرية حتى إذا وصل الكومودور نابير لم يجدها فاغتاظ لذلك ويقال انه قبل ان يبارح مياه بيروت ارسل إلى سليمان باشا كتابا بتاريخ 24 يوليو يظهر له فيه تكدره من اجراءآت القواد المصريين في الشام ومعاملتهم الثائرين بالقسوة وانهم ان لم يكفوا عن اعمالهم البربرية على زعمه اضطر للتدخل وانزال عساكره إلى بيروت فاجابه سليمان باشا بانه لا يقبل ملحوظاته ويعلمه بانه لا يخاطبه من الآن فصاعدا و إذا كان عنده ملحوظات مثل هذه فليبدها لمحمد علي باشا .
ولم يبتدئ شهر اغسطس سنة 1840 الا وقد ورد خبر معاهدة 15 يوليو إلى مصر والشام ووردت الاوامر إلى الدونانمة الانكليزية بمحاصرة سواحل الشام واسر المراكب المصرية حربية كانت او تجارية فعاد نابير إلى بيروت بعد ان اخذ في طريقه كل ما قابله من المراكب ووصلها في 15 جمادى الثانية 1256 14 اغسطس 1840 واعلن العساكر المصرية باخلاء بيروت وعكا في اقرب وقت ونشر في انحاء الشام منشورات لاعلام الاهالي بما قررته الدول من بقاء الشام لمصر ما عدا عكا وتحريضهم على العصيان على الحكومة المصرية واظهار ولائهم للدولة العلية العثمانية .
وفي اليوم المذكور 15 جماد الثاني بلغت هذه المعاهدة رسميا إلى محمد علي باشا واتت اليه بعد ذلك قناصل الدول الاربع المتحدة وعرضوا عليه باسم دولهم ان تكون ولاية مصر له ولورثته وولاية عكا له مدة حياته وامهلوه عشرة ايام لاعطاء جوابه فطلب منهم كتابة بذلك فلبوا طلبه ثم في اليوم التالي افهموه ان فرنسا لا يمكنها مساعدته قط وان الدول مصممة على تنفيذ ما اتفقت عليه ولو ادى ذلك إلى حرب اوروبية لكنه اصر على عدم القبول والدفاع عن حقه إلى آخر رمق من حياته وفي يوم 25 جماد الثاني 1256 24 اغيطس 1840 الذي هو غاية الميعاد المعطى له حضر اليه القناصل ومعهم مندوب الدولة واخبروه بانه لا حق له الآن في ولاية عكا وان الدول لا تسمح له إلا بولاية مصر فقط له ولذريته فاحتدم عليهم غضبا وطردهم من عنده قائلا لهم كيف يجوز أن أسمح لكم بالمقام في بلادي وأنتم وكلاء أعدائي في هذه الديار فانصرفوا وأعطوه عشرة أيام أخر لابداء جوابه بحيث إن لم يجاوب تكون الدول غير مسؤولة عما يحصل له من الضرر وبعد انقضاء هذه المدة بدون ان يبدي لهم جوابه كتب القناصل بذلك إلى سفراء الدول باستانبول فاجتمعوا مع الصدر الاعظم وقرروا باتحادهم اخذ مصر والشام من محمد علي باشا .
وفي اثناء هذه المدة كانت فرنسا اتباعا لرأي المسيو تيرس تستعد للقتال مساعدة لمحمد علي باشا ولكن لسوء حظ الامة المصرية كانت هذه الاستعدادات غير كافية ولا تتم الا بعد ستة اشهر لعدم وجود السلاح والذخائر الكافية للحرب لا سيما وان فرنسا تكون في هذه الحالة مقاومة لاكبر دول اوروبا .
ولما تحقق اهالي فرنسا ان حكومتهم لا تقوى على مساعدة محمد علي باشا فعلا بعد ان جرأته على المقاومة ووعدته بالمساعدة هاج الرأي العام على المسيو تيرس المعضد لهذه السياسة التي عادت على مصر بالضرر العظيم حتى التزم للاستعفاء في يوم 3 رمضان سنة 1256 29 اكتوبر سنة 1840 لكن لم يجد استعفاؤه لمصر نفعا لوقوفها بمفردها امام اربع دول من اعظم الدول شأنا واعلاها مكانة واكثرها قوة اذ ارسلت فرنسا اوامرها لدونانمتها اولا بالانسحاب إلى مياه اليونان ثم بالعودة إلى فرنسا وترك مصر والشام لمراكب انكلترا تحرق موانئها بمقذوفاتها الجهنمية وكان رجوع الدونانمة الفرنساوية في 9 اكتوبر سنة 1840 أي قبل استعفاء المسيو تيرس بعشرين يوما هذا ولم تشترك الدول الاربع في محاربة محمد علي باشا بل قامت انكلترا وحدها بهذا العمل وساعدتها النمسا والدولة ببعض مراكبها وعساكرها البرية للنزول إلى البر إذا اقتضى الحال ذلك .
واما دولة البروسيا فلم يكن لها مراكب اذ ذاك والروسيا لم ترد الابتعاد عن القسطنطينية ولما وصل إلى سليمان باشا بلاغ الكومودور نابير وعلم بمنشوراته للاهالي اعلن في الحال بجعل البلاد تحت الاحكام العسكرية وذلك خوفا من قيام الجبليين اتباعا لمشورة الانكليز وادخل في مدينة بيروت العدد الكافي من الجند وارسل لابراهيم باشا ان يحضر اليه بجيشه الذي كان معسكرا بقرب مدينة بعلبك ليشتركا في المدافعة عن موانئ الشام فوصل ابراهيم باشا إلى بيروت وعسكر في ضواحيها وفي 12 رجب سنة 1256 9 سبتمبر سنة 1840 وصل الاميرال ستو بفورد الذي كان يجول بمراكبه امام الاسكندرية إلى مياه بيروت ليشترك مع الكومودور نابير في اطلاق المدافع على موانئ الشام وفي اليوم التالي وصلهما العساكر البرية وكانت مؤلفة من الف وخمسمائة من المشاة الانكليزية وثمانية آلاف بين اتراك وارنؤود .
وفي يوم 14 رجب 11 سبتمبر انزلت هذه العساكر إلى البر في نقطة تبعد نحو ستة اميال في شمال بيروت ولم يتمكن ابراهيم باشا من منعهم لوجود هذه النقطة تحت حماية المدافع الانكليزية وفي ظهر ذلك اليوم بعد نزول هذه العساكر إلى البر ارسل إلى سليمان باشا بلاغ من الاميرالين الانكليزي والنمساوي بان يخلي مدينة بيروت حالا فطلب منهم مسافة اربع وعشرين ساعة كي يتداول مع ابراهيم باشا في هذا الامر الجلل فلم يقبل طلبه وابتدأ في اطلاق المدافع على المدينة واستمر اطلاقها حتى المساء وابتدئ ايضا في اليوم التالي قبل الفجر ولم تقطع الا بعد هدم او حرق اغلب المدينة واحرقت كذلك كل الثغور الشامية قصد استخلاصها من محمد علي باشا وارجاعها إلى الدولة العلية كما كانت مع ان محمد علي باشا لم يأت بامر يدل على رغبته في الخروج من تحت ظل الراية العثمانية بل لم يزل مؤكدا اخلاصه وولاءه للدولة ولم يطلب الا بقاء هذه الولايات له ولذريته مع تبعيتهم للباب العالي ودفعهم الخراج له اعترافا ببقاء تلك التبعية ولولا تقلب الاحوال بينه وبين السلطان لتم بينهما الاتفاق على احسن وفاق وحقنت دماء العباد ويدل على رغبة الطرفين في ذلك ارسال الباب العالي ساريم بيك اولا وعاكف افندي ثانيا إلى محمد علي باشا لحل هذه المسألة .
ولا يخفى ان محمد علي باشا هو الذي خلص مصر من فئة المماليك الباغية ونشر بجميع جوانبها لواء الامن وتسبب في ازدياد الزراعة ونمو التجارة حتى توفرت لمصر اسباب التمدن وتيسر بهذه الكيفية لقوافل التجارة الاوروباوية المرور بين الاسكندرية والسويس بدون خوف من تعدي احد عليها وله الفضل ايضا في استئصال شافة الوهابيين من بلاد العرب واعادة الامن إلى طريق الحجاج واستخلاص مدينتي مكة والمدينة منهم بعد ان استحال اذلالهم على ايدي العساكر الشاهانية فضلا عن انه هو الذي فتح بلاد الروم ولولا ما حصل لاعادها إلى الدولة العلية بعدما يئست من رجوعها اليها وهو الذي اعاد الامن إلى ربوع الشام بعد احتلاله لها ومنع تعدي البدو على الحضر كما انه ابطل القتال المستمر الذي كان لا ينقطع دائما بين الدروز والمارونية الامر الذي لم يحصل مثله قبل احتلاله ولا بعده وقد انحرف الامير الكبير بشير عن موافقة ابراهيم باشا بعد ان حافظ على ولائه مدة رغبة في ان يعطي له من لدن الباب العالي اسم امير الجبل وينادى له بذلك على رؤوس الاشهاد فانعكس عليه امره وعاد عليه شؤم خيانته فعزل عن امارة الجبل والزم بمفارقة الشام فانتبه من غفلته وندم على ما كان منه حيث لا ينفعه الندم ثم اوصلته احدى السفن الانكليزية إلى بيروت فقابله هناك الاميرال ستوبفورد وبعد ان عنفه على تذبذبه الذي حصل منه ونفاقه الذي اداه إلى ان يتبع الاقوى شوكة وعدم حفظه للعهود امر بارساله وتابعيه مع قليل من عائلته إلى جزيرة مالطة ولم يجبه إلى ما طلبه من ارساله إلى ايطاليا او فرنسا فوصل هذه الجزيرة في 6 رمضان سنة 1256 اول نوفمبر سنة 1840 وكان عمره اذ ذاك خمسا وثمانين سنة ومضى ما بقي من عمره مفكرا في اسباب زوال النعمة وسوء عاقبة التذبذب وان الاحواط للانسان والاجدر به ان يحافظ على عهوده لانه لو مات مع المحافظة عليها لمات بالشرف والمجد ولو عاش مع الخيانة والتلون لعاش مع الفضيحة والعار وتوفي في سنة 1267 سنة 1850 في القسطنطينية ودفن في غلطه اخلاء المصريين لبلاد الشام .
هذا ولنقل بالاختصار ان المراكب الانكليزية والعساكر المختلطة التي انزلت إلى البر في عدة مواضع تمكنت من اخذ جميع المدن الواقعة على البحر واخراج المصريين منها حتى لم ير محمد علي باشا بدا من الاذعان إلى مطالب اوروبا وانه من العبث المحض مقاومة الدول المتحدة فاصدر اوامره إلى ولده ابراهيم باشا بعدم تعريض عساكره للقتال والموت بلا فائدة وباستدعاء الجنود المعسكرة في حدود الشام والانجلاء عنها مع اتخاذ انواع الاحتراس الكلي من العرب وسكان الجبل فبلغ ابراهيم باشا هذه الاوامر إلى القواد جميعهم واخذ الجنود في الرجوع من كل فج وصاروا يتجمعون حول قائدهم الاعظم الذي قادهم غير مرة إلى النصر والظفر وبعد ذلك قسم الجيش عدة فرق كل منها تحت امرة احد ممن اشتهر من القواد بالبسالة والتبصر في عواقب الامور وسار الكل راجعين إلى مصر تاركين البلاد التي سفكوا فيها دماءهم وتركوا فيها قبور اخوانهم .
وكان ابتداء الجيش في الرجوع إلى مصر في شوال سنة 1256 اواسط شهر دسمبر سنة 1840 ووصل الكل إلى القاهرة بعد ان ذاقوا مرارة النصب وتحملوا انواع الذل والتعب وقاسوا شديد الوصب مما تكل عن وصفه الاقلام ولا تحيط بنعته الاوهام ويكدر الاذهان فضلا عن موت كثير منهم في الطريق بسبب مناوشات العرب الذين زادت قحتهم وجراءتهم لما تحققوا عدم تمكن المصريين من العودة وراءهم واقتفاء آثارهم ومع ذلك فقد تمكن سليمان باشا من ارجاع مائة وخمسين مدفعا بخيولها إلى مصر وكثير من خيول السواري التي هلك قسم عظيم منها بسبب العطش وشدة التعب .
واما ابراهيم باشا وفرقته فلم يمكنهم العودة إلى القاهرة من طريق صحراء العريش لشدة ما لاقوه اثناء مرورهم في فلسطين من معارضة العرب لهم وسدهم الطريق عليهم واحتلالهم جميع القناطر المبنية على الانهر حتى اضطر لمحاربتهم في كل يوم بل وفي كل ساعة .
واخيرا وصل مدينة غزة بعد ان استشهد في الطريق ثلاثة ارباع من معه وكثير من المستخدمين الملكيين الذين ارادوا الرجوع إلى وطنهم مع عائلاتهم فلما وصل غزة كتب لوالده اشعارا بقدومه وطلب منه ارسال ما يلزم له من المراكب لنقل فرقته إلى الاسكندرية وما يلزم لمؤونتهم وملبسهم وفي اثناء هذه المدة عرض الكومودور نابير على محمد علي باشا ان الحكومة الانكليزية تسعى لدى الباب العالي في اعطاء مصر له ولورثته لو تنازل عن الشام ورد الدونانمة التركية إلى الدولة العلية فامتثل لهذا الامر وقبل هذه الشروط لحفظ مصر لذريته وتم بينهما الاتفاق في 2 شوال سنة 1256 27 نوفمبر سنة 1840 ولم يقبل الباب العالي هذا الاتفاق الا بعد تردد واحجام وتداول عدة مخاطبات بينه وبين وكلاء الدول الاربع المتحدة المجتمعين بمدينة لوندره بصفة مؤتمر وصدر بذلك فرمان همايوني في تاريخ 21 ذي القعدة سنة 1256 14 يناير سنة 1841 هذا نصه نقلا عن قاموس جلاد :
رأينا بسرور ما عرضتموه من البراهين على خضوعكم وتأكيدات امانتكم وصدق عبوديتكم لذاتنا الشاهانية ولمصلحة بابنا العالي فطول اختباركم وما لكم من الدراية باحوال البلاد المسلمة ادارتها لكم من مدة مديدة لا يتركان لنا ريبا بانكم قادرون بما تبدونه من الغيرة والحكمة في ادارة شؤون ولايتكم على الحصول من لدنا الشاهاني على حقوق جديدة في تعطفاتنا الملوكية وثقتنا بكم فتقدرون في الوقت نفسه احساناتنا اليكم قدرها وتجتهدون ببث هذه المزايا التي امتزتم بها في اولادكم وبمناسبة ذلك صممنا على تثبيتكم في الحكومة المصرية المبينة حدودها في الخريطة المرسومة لكم من لدن صدرنا الاعظم ومنحناكم فضلا على ذلك ولاية مصر بطريق التوارث بالشروط الآتي بيانها متى خلا منصب الولاية المصرية تعهد الولاية إلى من تنتخبه سدتنا الملوكية من اولادكم الذكور وتجري هذه الطريقة نفسها بحق اولاده وهلم جرا و إذا انقرضت ذريتكم الذكور لا يكون لاولاد نساء عائلتكم الذكور حق ايا كان في الولاية وارثها ومن وقع عليه من اولادكم الانتخاب لولاية مصر بالارث بعدكم يجب عليه الحضور إلى الاستانة لتقليده الولاية المذكورة على ان حق التوارث الممنوح لوالي مصر لا يمنحه رتبة ولا لقبا اعلى من رتبة سائر الوزراء ولقبهم ولا حقا في التقدم عليهم بل يعامل بذات معاملة زملائه وجميع احكام خطنا الشريف الهمايوني الصادر عن كلخانة وكافة القوانين الادارية الجاري العمل بها او تلك التي سيجرى العمل بموجبها في ممالكنا العثمانية وجميع العهود المعقودة او التي ستعقد في مستقبل الايام بين بابنا العالي والدولة المتحابة يتبع الاجراء على مقتضاها جميعها في ولاية مصر ايضا وكل ما هو مفروض على المصريين من الاموال والضرائب يجرى تحصيله باسمنا الملوكي ولكي لا يكون اهالي مصر وهم من بعض رعايا بابنا العالي معرضين للمضار والاموال والضرائب غير القانونية يجب ان تنظم تلك الاموال والضرائب المذكورة بم يوافق حالة ترتيبها في سائر الممالك العثمانية وربع الايرادات الناتجة من الرسوم الجماركية ومن باقي الضرائب التي تتحصل في الديار المصرية يتحصل بتمامه ولا يخصم منه شيء ويؤدى إلى خزينة بابنا العالي العامرة والثلاث ارباع الباقية تبقى لولايتكم لتقوم بمصاريف التحصيل والادارة المدنية والجهادية وبنفقات الوالي وبأثمان الغلال الملزومة مصر بتقديمها سنويا إلى البلاد المقدسة مكة والمدينة ويبقى هذا الخراج مستمرا دفعه من الحكومة المصرية بطريقة تأديته المشروحة مدة خمس سنوات تبتدئ من عام 1257 أي من يوم 12 فبراير سنة 1841 ومن الممكن ترتيب حالة اخرى بشأنهم في مستقبل الايام تكون اكثر موافقة لحالة مصر المستقبلة ونوع الظروف التي ربما تجد عليها .
ولما كانت واجبات بابنا العالي الوقوف على مقدار الايرادات السنوية والطرق المستعملة في تحصيل العشور وباقي الضرائب وكان الوقوف على هذه الاحوال يستلزم تعيين لجنة مراقبة وملاحظة في تلك الولاية فينظر في ذلك فيما بعد ويجرى ما يوافق ارادتنا السلطانية .
ولما كان من اللزوم ان يعين بابنا العالي ترتيبا لصك النقود لما في ذلك من الاهمية بحيث لا يعود يحدث فيها خلاف لا من جهة العيار ولا من جهة القيمة اقتضت ارادتي السنية ان تكون النقود الذهبية والفضية الجائز لحكومة مصر ضربها باسمنا الشاهاني معادلة للنقود المضروبة في ضربخانتنا العامرة بالاستانة سواء كان من قبيل عيارها او من قبيل هيئتها وطرزها ويكفي ان يكون لمصر في اوقات السلم ثمانية عشر الف نفر من الجند للمحافظة في داخلية مصر ولا يجوز ان تتعدى ولايتكم هذا العدد ولكن حيث ان قوات مصر العسكرية معدة لخدمة الباب العالي كأسوة قوات المملكة العثمانية الباقية فيسوغ ان يزاد هذا العدد في زمن الحرب بما يرى موافقا في ذلك الحين على انه بحسب القاعدة الجديدة المتبعة في كافة ممالكنا بشأن الخدمة العسكرية بعد ان تخدم الجند مدة خمس سنوات يستبدلون بسواهم من العساكر الجديدة فهذه القاعدة يجب اتباعها ايضا في مصر بحيث ينتخب من العساكر الجديدة الموجودة في الخدمة حالا عشرون الف رجل ليبدؤوا الخدمة فيحفظ منها ثمانية عشر الف رجل في مصر وترسل الالفان إلى هنا لاداء مدة خدمتهم وحيث ان خمس العشرين الف رجل واجب استبدالهم سنويا فيؤخذ سنويا من مصر اربعة آلاف رجل حسب القاعدة المقررة من نظام العسكرية حين سحب القرعة بشرط ان تستعمل في ذلك واجبات الانسانية والنزاهة والسرعة اللازمة فيبقى في مصر ثلاثة آلاف وستمائة جندي من الجنود الجديدة والاربعمائة يرسلون إلى هنا ومن اتم خدمته من الجنود المرسلة إلى هذا الطرف ومن الجنود الباقية في مصر يرجعون إلى مساكنهم ولا يسوغ طلبهم للخدمة مرة ثانية ومع كون مناخ مصر ربما يستلزم اقمشة خلاف الاقمشة المستعملة لملبوسات العساكر فلا باس من ذلك فقط يجب ان لا تختلف هيئة الملابس والعلائم التمييزية ورايات الجنود المصرية عن مثلها من ملابس ورايات باقي الجنود العثمانية وكذا ملابس الضباط وعلائم امتيازهم وملابس الملاحين وعساكر البحرية المصرية ورايات سفنها يجب ان تكون مماثلة لملابس ورايات وعلائم رجالنا وسفننا .
وللحكومة المصرية ان تعين ضباطا برية وبحرية حتى رتبة الملازم اما ما كان اعلى من هذه الرتبة فالتعيين اليها راجع لارادتنا الشاهانية ولا يسوغ لوالي مصر ان ينشئ من الآن فصاعدا سفنا حربية الا باذننا الخصوصي وحيث ان الامتياز المعطى بوراثة ولاية مصر خاضع للشروط الموضحة اعلاه فعدم تنفيذ احد هذه الشروط موجب لابطال هذا الامتياز والغائه للحال وبناء على ذلك قد اصدرنا خطنا هذا الشريف الملوكي كي تقدروا انتم واولادكم قدر احساننا الشاهاني فتعتنوا كل الاعتناء باتمام الشروط المقررة فيه وتحموا اهالي مصر من كل فعل اكراهي وتكفلوا امنهم وسعادتهم مع الحذر من مخالفة اوامرنا الملوكية واخبار بابنا العالي عن كل المسائل المهمة المتعلقة بالبلاد المعهودة ولايتها لكم ا ه ولقد منحه الباب العالي ايضا ولايات النوبة ودارفور وكردفان وسنار مدة حياته بدون ان تنتقل إلى ورثته كمصر بمقتضى فرمان شاهاني اصدر في اليوم الذي اصدر فيه الفرمان الاول اعني في 13 فبراير سنة 1841 هذا نصه :
ان سدتنا الملوكية كما توضح في فرماننا السلطاني السابق قد ثبتكم على ولاية مصر بطريق التوارث بشروط معلومة وحدود معينة وقد قلدتكم فضلا على ولاية مصر ولاية مقاطعات النوبة ودارفور وكردفان وسنار وجميع توابعها وملحقاتها الخارجة عن حدود مصر ولكن بغير حق التوارث فبقوة الاختبار والحكمة التي امتزتم بها تقومون بادارة هاته المقاطعات وترتيب شؤونها بما يوافق عدالتنا وتوفير الاسباب الآيلة لسعادة الاهلين وترسلون في كل سنة قائمة إلى بابنا العالي حاوية بيان الايرادات السنوية جميعها وحيث انه يحدث من وقت لآخر ان تهجم الجنود على قرى المقاطعات المذكورة فيأسرون الفتيان من ذكور واناث ويبقونهم في قبضة يدهم لقاء رواتبهم وحيث ان هذه الامور مما تفضي معها الحال ليس فقط لانقراض اهالي تلك البلاد وخرابها بل انها أمور مخالفة للشريعة الحقة المقدسة وكلا هاتين الحالتين ليست اقل فظاعة من امر آخر كثير الوقوع وهو تشويه الرجال ليقوموا بخفر الحريم ذلك مما لا ينطبق على ارادتنا السنية مع مناقضته كل المناقضة لمبادئ العدل والانسانية المنتشرة من يوم جلوسنا المأنوس على عرش السلطنة العلية فعليكم مداركة هذه الامور بما ينبغي من الاعتناء لمنع حدوثها في المستقبل ولا يبرح عن بالكم ان فيما عدا بعض اشخاص توجهوا إلى مصر على اسطولنا الملوكي قد عفوت عن جميع الضباط والعساكر وباقي المأمورين الموجودين في مصر نعم ان بموجب فرماننا السلطاني السابق تسمية الضباط المصرية لما فوق رتبة المعاون يستلزم العرض عنها لاعتابنا الملوكية الا انه لا بأس من ارسال بيان باسم من رقيتم من ضباط جنودكم إلى بابنا العالي كي ترسل لهم الفرمانات المؤذنة بتثبيتهم في رتبهم هذا ما نطقت به ارادتنا السامية فعليكم الاسراع في الاجراء على مقتضاها ا هـ .
فقبل محمد علي باشا كل هذه الشروط ولو عن غير رضا ثم طلب من الدول ان تساعده في تخفيف بعضها وتغيير البعض الآخر فقبلت ذلك وارسلت إلى الباب العالي لائحة بتاريخ 13 مارس سنة 1841 طلبت منه بها ان يعامله على حسب ما هو مدون بملحق معاهدة 15 يوليو سنة 1840 وبلائحة 30 يناير سنة 1841 فتنازلت الحضرة السلطانية بمقتضى لائحة ارسلت للدول بتاريخ 19 ابريل سنة 1841 بتحوير فرمانها الصادر في 13 فبراير سنة 1841 هذه صورتها :
ان الحضرة السلطانية الفخيمة تلقت ما تعطفت عليها به الدول المتحالفة من النصائح هذه الدفعة ايضا وبمناسبتها قد منحت محمد علي باشا احسانا جديدا هو التكرم منها باعطائه الامتيازات الاتية ولكنها قد اشترطت عليه الانقياد التام إلى جميع الوثائق والمعاهدات المبرمة حالا والتي ستبرم استقبالا فيما بين الباب العالي والدول المتحالفة وعلى ذلك اصبحت ولاية مصر تنتقل بالارث لمحمد علي باشا واولاده واولاد اولاده الذكور بصورة ان يتولى الاكبر فالاكبر فيقلده الباب العالي منصب الولاية كلما خلا هذا المنصب من وال وقد تنازل الباب العالي عن استيلائه على ربع ايرادات مصر وسيعين فيما بعد قيمة الخراج الواجب على ولاية مصر دفعه وترتيب مقداره وطريقة تحصيله بما يناسب حالة ايرادات الولاية اما عما خص التسميات في الرتب المختلفة في العسكرية المصرية فمرخص لمحمد علي باشا ان يمنحها من نفسه حتى رتبة الاميرالاي فقط اما التسمية لما فاق على هذه الرتبة فيجب عليه ان يعرض بشانه إلى الباب العالي .
اما ما كان متعلقا الادارة الداخلية وكان اتباعه واجبا في مصر كاتباعه في سائر الممالك العثمانية فيظهر ان محمد علي باشا لا يرغب التكلم بشأنه بما ينبغي من الصراحة مع كونه قد سبق تقرير ذلك في العقد المفرد التابع لمعاهدة المحالفة ولكن كي لا يدع الباب العالي سبيلا للدول المتحالفة بالتضرر منه بامر من الامور كما لو حدث ان ارتكب محمد علي في المستقبل اعمالا مخالفة لنقطة مهمة مسندة على المعاهدة المحكي عنها قد قرر وزراء الباب العالي والحالة على ماذكر امرا شديد الاهمية هو ان تطلب بادئ ذي بدئ الايضاحات والتقريرات الصريحة بهذا الصدد ولذلك تحرر هذا لسعادتكم رجاء اعطاء الايضاحات والتقريرات المذكورة من قبلكم خطا ا هـ .
ولما اقرت الدول على هذا التحوير بمقتضى لائحة تاريخها 18 ربيع الاول سنة 1257 10 مايو سنة 1841 اصدرت الحضرة الشاهانية فرمانا آخر في 11 ربيع آخر سنة 1257 2 يونيو سنة 1841 مؤيدا لما في الفرمان السابق وفي غرة جمادى الآخر سنة 1257 21 يوليو سنة 1841 صدر فرمان آخر يجعل مقدار ما تدفعه الحكومة المصرية إلى الدولة العلية سنويا ثمانين الف كيسة .
ثم اخذت فرنسا وانكلترا تسعيان في ابطال شروط معاهدة خونكاراسكله سي القاضية بان يكون لمراكب الروسيا حق المرور من بوغازي البوسفور والدردنيل في أي وقت شاءت وبعد مخابرات طويلة اتفقت الدول اجمع بما فيها الروسيا على ان لا يكون لاحداهن هذا الحق مطلقا بل تبقى بوغازات الاستانة مقفلة امام جميع الدول وامضيت بذلك معاهدة بتاريخ 23 جمادى الاولى سنة 1257 13 يوليو سنة 1841 بين الباب العالي والنمسا وفرنسا وبريطانيا العظمى والروسيا والبروسيا دعيت بمعاهدة البوغازات وبذلك تساوت الروسيا بباقي الدول وفقدت كل ما اكتسبه بمساعيها السابقة