التمويـلات الإسلاميـة إذا عممت في المغرب ستساهم في الرفع من وتيـرة النمـو وتخفيض نسبة البطالة
أكد معاد بثور قنديل، مهندس تمويل خريج المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، وباحث في التمويل الإسلامي وفي قطاع تدبير الأصول المالية في كبار الأبناك الفرنسية. ويعمل حاليا في بنك Bnp Paribas أنه يمكن للتمويلات الإسلامية إذا عممت في المغرب، أن تساهم في الرفع من وتيرة النمو وتخفيض نسبة البطالة عندما تتجه السيولة التي في الأبناك للاستثمار عن طريق المشاركة أو المضاربة. ويشير قنديل إلى أن تقييم التجربة المغربية تشير إلى أنها تجربة جيدة باستثناء الشق السياسي الذي ينعكس على الشق الجبائي والضريبي للتجربة. وما يجعل التجربة محط انتقاد كبير عند العموم هي غلاء المنتجات الإسلامية مقارنة مع نظيرتها الربوية. وأشار الباحث في التمويل الإسلامي على أن الإطار الضريبي الحالي مجحف في حق المنتجات الإسلامية مما يجعلها غير قادرة على منافسة نظيرتها الربوية.
من جهة ثانية دعا قنديل جميع المؤمنين بالمشروع الإسلامي من جميع التخصصات من خبراء اقتصاد وتمويل ومحاسبة وضرائب وقانون وسياسة واجتماع إلى العمل على إنتاج نظام اقتصادي إسلامي حديث ومقاربته من جميع الزوايا. مضيفا أن هذه التعاملات من شأنها أن تحفز روح المقاولة في الشباب وأن تشجع إحداث نسيج واسع من الشركات الصغرى والمتوسطة التي تخلق الثروة والنمو الاقتصادي. ولكن لا يمكن لهذا النجاح أن يَتَأتَّى فقط بالتمويلات الإسلامية بل سيحتاج أيضا إلى إرادة سياسية لها رؤية واضحة للمستقبل، تواكب الجانب الاقتصادي والمالي بالرفع من جودة التعليم والصحة والوعي السياسي والمجتمعي. وإليكم نص الحوار:
❍ بداية كيف تقيم تجربة البنوك والتمويلات الإسلامية على المستوى العالمي؟
● اسمح لي أن أبدأ بنبذة تاريخية لكي يدرك القراء أن أول بنك إسلامي بشكله الحديث رأى النور في السبعينيات من القرن الماضي في دبي. بالضبط عام 1975، ويتعلق الأمر ببنك دبي الإسلامي. ومنذ ذلك الوقت والقطاع يعرف نموا كبيرا، خاصة في السنوات الأخيرة. كما شهد القطاع انتشارا واسعا في الدول العربية والإسلامية وحتى بعض الدول الغربية كفرنسا وانجلترا. ولكن لا يجب أن ننسى أن الحجم الإجمالي للأبناك والتمويلات الإسلامية يبقى ضئيلا جدا بالمقارنة مع نظيرتها التقليدية (لكي لا ننعتها بالربوية). فحجم أصول التمويلات الإسلامية اجتاز بالكاد عتبة 1000 مليار دولار نهاية سنة 2010 حسب التقرير الشامل للتمويلات الإسلامية لسنة 2010.
للمقارنة فهذا الرقم لا يفوق حجم أصول رابع بنك فرنسي. فمجموع أصول التمويلات الإسلامية في العالم يناهز بالكاد حجم أصول بنك فرنسي واحد. رغم ذلك فإن التمويلات الإسلامية عرفت خلال السنوات الخمسة الأخيرة نسب نمو تفوق 10% سنويا. وتتوقع دراسة لشركة أرنست أند يونغ (Ernst & Young) نُشرت مؤخرا، أن ينمو قطاع التمويلات الإسلامية بنسبة تناهز 33 بالمائة بين 2010 و 2012. هذه النسبة المرتفعة تعزوها الدراسة إلى حيثيات الربيع العربي الذي سيلعب دورا هاما للنهوض بهذا القطاع، نظرا لأن شعوب هذه الدول تتطلع إلى تمويلات تتناسب مع مقتضيات عقيدتها ودينها الإسلامي.
❍ وماذا عن تجربة المغرب التي أدت في السنة الماضية إلى السماح بإنشاء دار الصفاء، لكن دون السماح بوجود أبناك إسلامية مستقلة؟
● فعلا التجربة المغربية أدت فقط إلى إنشاء نوافذ إسلامية هي دار الصفاء وأخرى للبنك الشعبي، ولم تؤدي إلى إنشاء بنك إسلامي مستقل. رغم أن بعض الأنباء تشير إلى رفض ملفات بعض البنوك الإسلامية التي أرادت أن تستثمر في المغرب. التدرج مطلوب في هذا الصدد. فالتجربة المغربية تجربة رأت النورحديثاً، فيسهل في سياق كهذا لبنك متواجد في الميدان وملم بحيثيات السوق المغربية أن يكون سباقا لتجربة المنتجات الإسلامية عن طريق إحداث نافذة إسلامية. فيما يصعب على مستثمر جديد محلي أو أجنبي أن يخاطر بالاستثمار في مشروع لإنشاء بنك من الصفر في إطار قانوني حديث لم يُجَرَّب بعد، وفي سوق يجهلها ولا يلم بخباياها. فحتى قطر التي لها باع طويل في هذا المجال والتي جاءت إلى المغرب مؤخرا بمشروع إنشاء بنك إسلامي، تبحث لها عن شريك محلي تكون نسبة مشاركته 51 بالمائة في ما تقتصر هي على 49 بالمائة. فالدخول إلى السوق البنكية في بلد لا تعرفه ليس بالمشروع السهل، بل هو مشروع استثماري ضخم غير مضمون وكثير المخاطر.
بالنسبة لتقييمي للتجربة المغربية، فقد أفاجئك إذا قلت لك أنني أقيِّمها كتجربة جيدة جدا باستثناء الشق السياسي الذي ينعكس على الشق الجبائي والضريبي للتجربة. فمن الناحية التقنية أظن أن المقاربة التي انتهجها بنك المغرب كانت مقاربة سليمة للغاية في نظري المتواضع، ويمكن أن تكون مثالا يُحتدى به في الدول العربة والإسلامية التي لا تمتلك بنوكا إسلامية إلى اليوم. ما يجعل التجربة محط انتقاد كبير عند العموم هي غلاء المنتجات الإسلامية مقارنة مع نظيرتها الربوية. فالقسط الشهري بالنسبة لتمويل المرابحة مرتفع بنسبة 14 بالمائة تقريبا على قسط القرض الربوي بالإضافة إلى رسوم مرتفعة بأكثر من 7 مرات. هذا الفرق يمكن تفسيره بغياب التنافسية في القطاع، ولكن السبب الرئيسي في نظري سياسيٌ : فالإطار الضريبي الحالي مجحف في حق المنتجات الإسلامية مما يجعلها غير قادرة على منافسة نظيرتها الربوية. لذلك فرغم تقييمي الإيجابي للتجربة المغربية من الناحية التقنية فإنجاحها من الناحية العملية يتطلب إرادة سياسية مساندة لهذه المنتجات. وهذا ما أتمنى أن تساهم فيه بقوة الحكومة التي سيقودها حزب العدالة والتنمية.
❍ يرى البعض بان تأخر المغرب عن تبني البنوك الإسلامية يؤخر التنمية ببلادنا ويجعل الاقتصاد الوطني لا يستفيد من فائض الأموال الخليجية، هل تتفقون مع هذا الرأي؟
● لا أتفق تماماً مع هذا الرأي فالمشكل في بلادنا مشكل حكامة وفساد وليس مشكل تصنيف البنوك، ربوية أم إسلامية. فالمستثمرون يحتاجون بالأساس إلى بيئة اقتصادية يثقون فيها. فلا يمكن أن نتصور مستثمرا يستثمر الملايين أو الملايير من الدولارات في بيئة لا يثق فيها ولا يئتمنها على ماله وممتلكاته.
مؤشرات الثقة التي يأخذها المستثمرون بعين الاعتبار هي الشفافية، وحجم الفساد، والمنافسة النزيهة في السوق، بالإضافة إلى نزاهة القضاء. هذه المؤشرات تبقى ضعيفة في بلادنا التي يستشري فيها الفساد ولا توفر قدرا عاليا من الشفافية. لكي أوضح لك فكرتي سأضرب لك مثالين : في عهد تونس بن علي كانت قطر تعتزم إنشاء محطة لتكرير البترول في تونس فطلب منها أحد المقربين من السلطة المخلوعة رشوة بـ 700 مليون دولار فتخلى المستثمر عن هذا المشروع الذي كان سينشئ 1200 منصب شغل مباشر. في المقابل نجد أن البنوك التقليدية في فرنسا وإن كانت ربوية لا تتوانى في توفير تمويلات تناسب المستثمرين الكبار الخليجيين الذين يستثمرون في فرنسا إذا هم طلبوا ذلك. فهذه البنوك لها حس براغماتي، وما يهمها بالدرجة الأولى هو الربح المادي وليس طبيعة التمويل، إسلامي كان أو غير إسلامي. ففرنسا تجلب رؤوس الأموال بمناخها الاقتصادي الشفاف وليس بطبيعة بنوكها.
❍ في نظركم ما هي الفلسفة التي تقوم عليها البنوك والتمويلات الإسلامية؟