[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
التضخم السكاني كارثة العصر
عصام خوري: الحوار المتمدن - العدد: 571 - 2003 / 8 / 25
تحدث الناس كثيراً عن نظرية مالثوس التي اعتبرت تبريراً للحروب والأوبئة. ونسوها طويلاً بعد ذلك، بل حولها بعضهم، وحولوه هو، إلى رمز للتشاؤم تنقصه إنجازات العلم. لكن كثيرين عادوا الآن إلى التحدث عن نظرية توماس مالثوس عالم الاقتصاد السياسي البريطاني، الذي كتب مقالة في المبدأ السكاني نشرت سنة 1798م وتكهن فيها بمستقبل مظلم للجنس البشري.
قال: إن عدد السكان في العالم سيزداد ويصل إلى أقصى حدود الموارد الغذائية المتاحة، مما يؤدي إلى انتشار الفقر والجوع في العالم. لذلك لقبه الناس نوستراداموس الاقتصاد والاجتماع.
العالم من 2000/ حتى2050م في القرن الجديد:
12/تشرين الأول/1999م أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد سكان العالم تخطى عتبة الستة بلايين نسمة. وتشير توقعات الصندوق المذكور إلى أن عدد سكان العالم سنة 2050 سيكون 8.9بليون نسمة، أي أقل بكثير مما توقعه الصندوق سنة 1996 من أن العدد سيكون 9.4بليون نسمة.
والسبب الرئيسي هو أن الخصوبة في العالم انخفضت أكثر مما كان متوقعاً، بينما شهد العالم تحسنا في العناية الصحية، بما في ذلك الصحة الإنجابية، وفي قيام أسر أصغر حجماً. إلا أن نحو ثلث نسبة الانخفاض تعود إلى ارتفاع معدلات الوفاة في المناطق الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وفي أنحاء من شبه القارة الهندية. ومن أسباب ذلك مرض نقص المناعة المكتسب (إيدز، السيدا) الذي انتشر بصورة مرعبة.
في بداية القرن العشرين كان عدد السكان حوالي 1.5بليون نسمة، وبحلول عام 1960 ارتفع إلى ضعفي ما كان. وفي أواخر 1999 وصل إلى أربعة أضعاف أي إلى ستة بلايين نسمة. ومن المخيف تصور الزيادة كما في فترة العقود الماضية، خصوصا في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة التي ازداد خلالها عدد السكان بليون نسمة. الزيادة السنوية التي شهدها عدد سكان العالم ارتفعت من 47مليون نسمة في الفترة (1950-1955) إلى 86مليوناً في الفترة (1985-1990). وهذا النمو نتيجة صافية لانخفاض عدد الوفيات بشكل أسرع من انخفاض معدل الخصوبة.
ونتيجة لذلك فإن فإن وصول عدد سكان العالم إلي البليون الرابع وحتى السادس تحقق في 14سنةو13سنة و12سنة.
تطور العناية الصحية ظهر منذ أواخر القرن التاسع عشر و خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. فمنذ عام 1950م انخفض معدل الوفيات إلى النصف وفي الوقت ذاته ارتفع متوسط العمر المتوقع للإنسان عالمياً من 46سنة إلى 66سنة. ويتوقع وصوله إلى 76 في عام 2050م.
وارتفع عدد الولادات من 98مليوناً عام 1950م إلى ذروة وهي 134مليوناً في أواخر الثمانينات. ويتوقع أن يبقى 130مليوناً في السنوات العشرين القادمة، بينما ترتفع معدلات الوفاة مع تقدم الناس في العمر.
ووفق التقديرات عن العام 2050م سيكون هنالك 130 بلداً ذا نسب نمو إيجابية، و44 من هذه البلدان تتجاوز النسبة فيها واحداً في المئة سنوياً أي ما يناهز ما كان سائداً في البلدان الأكثر تطوراً عام 1965م.
- في البلدان النامية كانت نسبة الخصوبة عام 1950 تناهز 6.2 وأصبحت تقل عن 3 عام 1999، ويتوقع انخفاضها إلى أدنى من 2.1 بحلول 2045م.
في هذا الإطار أيضاً، تفيد أحدث الإحصاءات التي أعلنتها شعبة السكان بالأمم المتحدة في نيويورك بأن الإسقاطات الإحصائية ترسم اثنين من السيناريوهات أو التصورات المستقبلية الديمغرافية: .. الأول: سيناريو متفائل بأن ثمة انضباطاً سوف يتبعه نمط الزيادة المفرطة في سكان العالم بما يؤدي إلى حفظ التوازن ولو إلى حد ما بين البشر والموارد. في إطار هذا السيناريو يصل سكان العالم إلى نحو 8.9 مليارات إنسان في عام 2050 وعليك خير.
.. الثاني: سيناريو متشائم يقول بأن الانفلات السكاني سوف يواصل جموحه بما ينجم عنه مزيد من الخلل بين الناس ومواردهم. لذلك فإن كل طرف.. فرداً كان أو بلداً أو مجتمعاً لابد وأن يدبر أمر معايشه ويجري حساب موارده بعيداً عن انفلات السرف ومغبة الهدر وآفة التعامل مع الموارد التي سخرت للبشر فوق كوكب الأرض بمنطق الإنضاب الجامح اللامسئول.
وفق هذا السيناريو القاتم تتوقع الإسقاطات الإحصائية أن يصل عدد سكان كوكبنا إلى نحو 11 مليار إنسان مقابل 6.1 مليارات يعيشون بين ظهراني الكوكب في المرحلة الراهنة.
كيف لا.. وسكان الهند يزيدون في الأسبوع الواحد ـ حسب المعدلات الراهنة ـ بمقدار 350 ألف نسمة.. وهو رقم لعمرنا مهول إذا ما قارناه في لمحة خاطفة بما يحدث مثلاً في دول الاتحاد الأوروبي وعددها 15 دولة وقد حققت في مجموعها نفس الزيادة (نحو ثلث مليون) ولكن في عام بأكمله من عمر الزمان.. هذا فضلاً عما تتمتع به دول الاتحاد الأوروبي من ارتفاع مستويات المعيشة ورقي الخدمات الصحية سواء في مجال الرعاية الأولية أو المتخصصة.
مشكلة العواصم المكدسة وإلى جانب ظاهرة التزايد السكاني المطرد وخاصة في بلدان العالم الثالث النامية (سوف يتركز نصف سكان الدنيا كلها في 6 دول فقط لا غير واحدة في أفريقيا وهي نيجيريا والأخرى في آسيا.. ولا غرور وهي الصين والهند وباكستان وبنجلاديش واندونيسيا). ـ توجد أيضاً ظاهرة التحضّر، المتمثلة في زيادة النزوح من الأرياف والبوادي إلى المدن والمناطق الحضرية. ولا تتجسد مشكلة هذه الهجرات الحضرية، في مزيد من الازدحام التي باتت المدن الكبرى (تسمى المدن المهيمنة في الأدبيات الديمغرافية) تعاني من ظاهرة الازدحام إلى حد التكدس ناهيك عن التلوث والاختناق على نحو ما بتنا نشهده أو نكابده في مدن مثل القاهرة أو المكسيك أو طوكيو أو لاجوس أو دكا.. بل إن مشكلة هذه الظاهرة أنها تزيد الطلب في المدن المرهقة أصلاً على المياه والطاقة وغيرها من الموارد الأساسية اللازمة لمعيشة الإنسان.
ثم تتفاقم نفس المشكلة حين يؤدي تركز (تكدس) البشر في مواقع سكانية محدودة المساحة، أكثرها مواقع عشوائية في الحواضر ـ العواصم الكبرى ـ إلى زيادة المخلفات ـ الفضلات ـ النفايات الناتجة عن هذه الأعداد والمستوطنات البشرية الضخمة.. حيث يتم صرف معظمها في الأنهار أو البحيرات في هذا البلد أو ذاك مما يقلل من كميات المياه النظيفة، النقية والصالحة من ثم للاستخدام الآدمي.
لذلك علينا القلق الشديد حول الأوضاع الغذائية في العالم أجمع بسبب الشحة في مصادر الغذاء وبسبب تناقصه بالقياس إلى التزايد المستمر لعدد سكان الكرة الأرضية فعلى الرغم من تزايد الشعور بالمسؤولية تجاه مسألة الأمن الغذائي العالمي فإن هناك قصوراً مستمراً في التنمية الشاملة وبوجه خاص في مجال التنمية الزراعية والريفية. وأوضحت أن التقديرات الدولية مقابل التزايد البشري الكبير, الأمر الذي سيتفاقم من حدة النقص الفعلي في نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة ويضاعف من مستوى الطلب على الموارد الطبيعية المحدودة وبخاصة الموارد المائية المتناقصة, كما تشير التقديرات إلى أن نحو مليار هكتار من الأراضي يتعرض إلى التآكل بفعل الرياح وإلى الانجراف بفعل المياه وأن حوالي 200 مليون هكتار من الأراضي يتعرض إلى التدهور المتواتر لأسباب كيميائية وطبيعية مختلفة. ويلاحظ انه وفقا لتقارير دولية فإن مخزون العالم من الثروة السمكية فد استنفذت بشدة حيث أن 18% من مصائد الأسماك في العالم بلغت حدود الإنتاج القصوى أو تجاوزتها ناهيك عن تعرض الموارد الوراثية الحيوانية والنباتية ذات الأهمية القصوى إلى خطر الاندثار بسبب الاستغلال الجائر وسوء الاستخدام.
إن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) تقدر عدد الذين يعانون من نقص التغذية المزمن قد يناهز 730 مليون نسمة بحلول عام 2010 منهم ما يفوق على 300 مليون نسمة في البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى علماً بأن أكثر من 800 مليون شخص يواجهون حالياً في البلدان النامية وحدها نقص التغذية المزمن ونحو 200 مليون طفل دون سن الخامسة مصابون بنقص البروتين والطاقة. وأضافت أنه على الصعيد القطري صنفت منظمة الأغذية والزراعة 82 بلداً ضمن فئة بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض منها 41 بلداً في إفريقيا و19 في آسيا والمحيط الهادي و9 من أوروبا ورابطة الدول المستقلة و 7 من أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و 6 من الشرق الأدنى وشمال إفريقيا. وأشارت إلى أن التقارير الدولية تتوقع أن إمدادات العالم من الحبوب قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ أزمة الغذاء في أوائل السبعينات إذ ارتفعت أسعار الحبوب بنسب تتراوح بين 30% إلى 50% مقارنة بأسعار 1995 ونتيجة لذلك اضطرت بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض أن تتحمل دفع 3.4 مليارات دولار إضافية لاستيراد احتياجاتها من الأغذية لعام 1996 أي بزيادة نحو 24% مقارنة بالعام الذي سبقه, علاوة على ذلك تواجه 26 بلداً نقصاً في الإمدادات الغذائية بصورة استثنائية ولغرض المحافظة على المستويات الحالية للإمدادات الغذائية سريعة في الإنتاج من أجل رفع الإمدادات بأكثر من 75% دون تعرض الموارد الطبيعية للضرر. على الرغم من حدوث انتعاش في مستوى إنتاج العالم من الحبوب مؤخراً خلال عام 1997 فإن الوضع ما بين الطلب والعرض سيظل حرجاً, فالتوقعات تشير إلى أن الأوضاع ستتفاقم في البلدان وأمنها الغذائي رغم ما تضمنته اتفاقية الجات من إجراءات للحد من الآثار السلبية على اقتصاديات البلدان النامية.
التضخم السكاني كارثة العصر
عصام خوري: الحوار المتمدن - العدد: 571 - 2003 / 8 / 25
تحدث الناس كثيراً عن نظرية مالثوس التي اعتبرت تبريراً للحروب والأوبئة. ونسوها طويلاً بعد ذلك، بل حولها بعضهم، وحولوه هو، إلى رمز للتشاؤم تنقصه إنجازات العلم. لكن كثيرين عادوا الآن إلى التحدث عن نظرية توماس مالثوس عالم الاقتصاد السياسي البريطاني، الذي كتب مقالة في المبدأ السكاني نشرت سنة 1798م وتكهن فيها بمستقبل مظلم للجنس البشري.
قال: إن عدد السكان في العالم سيزداد ويصل إلى أقصى حدود الموارد الغذائية المتاحة، مما يؤدي إلى انتشار الفقر والجوع في العالم. لذلك لقبه الناس نوستراداموس الاقتصاد والاجتماع.
العالم من 2000/ حتى2050م في القرن الجديد:
12/تشرين الأول/1999م أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد سكان العالم تخطى عتبة الستة بلايين نسمة. وتشير توقعات الصندوق المذكور إلى أن عدد سكان العالم سنة 2050 سيكون 8.9بليون نسمة، أي أقل بكثير مما توقعه الصندوق سنة 1996 من أن العدد سيكون 9.4بليون نسمة.
والسبب الرئيسي هو أن الخصوبة في العالم انخفضت أكثر مما كان متوقعاً، بينما شهد العالم تحسنا في العناية الصحية، بما في ذلك الصحة الإنجابية، وفي قيام أسر أصغر حجماً. إلا أن نحو ثلث نسبة الانخفاض تعود إلى ارتفاع معدلات الوفاة في المناطق الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وفي أنحاء من شبه القارة الهندية. ومن أسباب ذلك مرض نقص المناعة المكتسب (إيدز، السيدا) الذي انتشر بصورة مرعبة.
في بداية القرن العشرين كان عدد السكان حوالي 1.5بليون نسمة، وبحلول عام 1960 ارتفع إلى ضعفي ما كان. وفي أواخر 1999 وصل إلى أربعة أضعاف أي إلى ستة بلايين نسمة. ومن المخيف تصور الزيادة كما في فترة العقود الماضية، خصوصا في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة التي ازداد خلالها عدد السكان بليون نسمة. الزيادة السنوية التي شهدها عدد سكان العالم ارتفعت من 47مليون نسمة في الفترة (1950-1955) إلى 86مليوناً في الفترة (1985-1990). وهذا النمو نتيجة صافية لانخفاض عدد الوفيات بشكل أسرع من انخفاض معدل الخصوبة.
ونتيجة لذلك فإن فإن وصول عدد سكان العالم إلي البليون الرابع وحتى السادس تحقق في 14سنةو13سنة و12سنة.
تطور العناية الصحية ظهر منذ أواخر القرن التاسع عشر و خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. فمنذ عام 1950م انخفض معدل الوفيات إلى النصف وفي الوقت ذاته ارتفع متوسط العمر المتوقع للإنسان عالمياً من 46سنة إلى 66سنة. ويتوقع وصوله إلى 76 في عام 2050م.
وارتفع عدد الولادات من 98مليوناً عام 1950م إلى ذروة وهي 134مليوناً في أواخر الثمانينات. ويتوقع أن يبقى 130مليوناً في السنوات العشرين القادمة، بينما ترتفع معدلات الوفاة مع تقدم الناس في العمر.
ووفق التقديرات عن العام 2050م سيكون هنالك 130 بلداً ذا نسب نمو إيجابية، و44 من هذه البلدان تتجاوز النسبة فيها واحداً في المئة سنوياً أي ما يناهز ما كان سائداً في البلدان الأكثر تطوراً عام 1965م.
- في البلدان النامية كانت نسبة الخصوبة عام 1950 تناهز 6.2 وأصبحت تقل عن 3 عام 1999، ويتوقع انخفاضها إلى أدنى من 2.1 بحلول 2045م.
في هذا الإطار أيضاً، تفيد أحدث الإحصاءات التي أعلنتها شعبة السكان بالأمم المتحدة في نيويورك بأن الإسقاطات الإحصائية ترسم اثنين من السيناريوهات أو التصورات المستقبلية الديمغرافية: .. الأول: سيناريو متفائل بأن ثمة انضباطاً سوف يتبعه نمط الزيادة المفرطة في سكان العالم بما يؤدي إلى حفظ التوازن ولو إلى حد ما بين البشر والموارد. في إطار هذا السيناريو يصل سكان العالم إلى نحو 8.9 مليارات إنسان في عام 2050 وعليك خير.
.. الثاني: سيناريو متشائم يقول بأن الانفلات السكاني سوف يواصل جموحه بما ينجم عنه مزيد من الخلل بين الناس ومواردهم. لذلك فإن كل طرف.. فرداً كان أو بلداً أو مجتمعاً لابد وأن يدبر أمر معايشه ويجري حساب موارده بعيداً عن انفلات السرف ومغبة الهدر وآفة التعامل مع الموارد التي سخرت للبشر فوق كوكب الأرض بمنطق الإنضاب الجامح اللامسئول.
وفق هذا السيناريو القاتم تتوقع الإسقاطات الإحصائية أن يصل عدد سكان كوكبنا إلى نحو 11 مليار إنسان مقابل 6.1 مليارات يعيشون بين ظهراني الكوكب في المرحلة الراهنة.
كيف لا.. وسكان الهند يزيدون في الأسبوع الواحد ـ حسب المعدلات الراهنة ـ بمقدار 350 ألف نسمة.. وهو رقم لعمرنا مهول إذا ما قارناه في لمحة خاطفة بما يحدث مثلاً في دول الاتحاد الأوروبي وعددها 15 دولة وقد حققت في مجموعها نفس الزيادة (نحو ثلث مليون) ولكن في عام بأكمله من عمر الزمان.. هذا فضلاً عما تتمتع به دول الاتحاد الأوروبي من ارتفاع مستويات المعيشة ورقي الخدمات الصحية سواء في مجال الرعاية الأولية أو المتخصصة.
مشكلة العواصم المكدسة وإلى جانب ظاهرة التزايد السكاني المطرد وخاصة في بلدان العالم الثالث النامية (سوف يتركز نصف سكان الدنيا كلها في 6 دول فقط لا غير واحدة في أفريقيا وهي نيجيريا والأخرى في آسيا.. ولا غرور وهي الصين والهند وباكستان وبنجلاديش واندونيسيا). ـ توجد أيضاً ظاهرة التحضّر، المتمثلة في زيادة النزوح من الأرياف والبوادي إلى المدن والمناطق الحضرية. ولا تتجسد مشكلة هذه الهجرات الحضرية، في مزيد من الازدحام التي باتت المدن الكبرى (تسمى المدن المهيمنة في الأدبيات الديمغرافية) تعاني من ظاهرة الازدحام إلى حد التكدس ناهيك عن التلوث والاختناق على نحو ما بتنا نشهده أو نكابده في مدن مثل القاهرة أو المكسيك أو طوكيو أو لاجوس أو دكا.. بل إن مشكلة هذه الظاهرة أنها تزيد الطلب في المدن المرهقة أصلاً على المياه والطاقة وغيرها من الموارد الأساسية اللازمة لمعيشة الإنسان.
ثم تتفاقم نفس المشكلة حين يؤدي تركز (تكدس) البشر في مواقع سكانية محدودة المساحة، أكثرها مواقع عشوائية في الحواضر ـ العواصم الكبرى ـ إلى زيادة المخلفات ـ الفضلات ـ النفايات الناتجة عن هذه الأعداد والمستوطنات البشرية الضخمة.. حيث يتم صرف معظمها في الأنهار أو البحيرات في هذا البلد أو ذاك مما يقلل من كميات المياه النظيفة، النقية والصالحة من ثم للاستخدام الآدمي.
لذلك علينا القلق الشديد حول الأوضاع الغذائية في العالم أجمع بسبب الشحة في مصادر الغذاء وبسبب تناقصه بالقياس إلى التزايد المستمر لعدد سكان الكرة الأرضية فعلى الرغم من تزايد الشعور بالمسؤولية تجاه مسألة الأمن الغذائي العالمي فإن هناك قصوراً مستمراً في التنمية الشاملة وبوجه خاص في مجال التنمية الزراعية والريفية. وأوضحت أن التقديرات الدولية مقابل التزايد البشري الكبير, الأمر الذي سيتفاقم من حدة النقص الفعلي في نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة ويضاعف من مستوى الطلب على الموارد الطبيعية المحدودة وبخاصة الموارد المائية المتناقصة, كما تشير التقديرات إلى أن نحو مليار هكتار من الأراضي يتعرض إلى التآكل بفعل الرياح وإلى الانجراف بفعل المياه وأن حوالي 200 مليون هكتار من الأراضي يتعرض إلى التدهور المتواتر لأسباب كيميائية وطبيعية مختلفة. ويلاحظ انه وفقا لتقارير دولية فإن مخزون العالم من الثروة السمكية فد استنفذت بشدة حيث أن 18% من مصائد الأسماك في العالم بلغت حدود الإنتاج القصوى أو تجاوزتها ناهيك عن تعرض الموارد الوراثية الحيوانية والنباتية ذات الأهمية القصوى إلى خطر الاندثار بسبب الاستغلال الجائر وسوء الاستخدام.
إن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) تقدر عدد الذين يعانون من نقص التغذية المزمن قد يناهز 730 مليون نسمة بحلول عام 2010 منهم ما يفوق على 300 مليون نسمة في البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى علماً بأن أكثر من 800 مليون شخص يواجهون حالياً في البلدان النامية وحدها نقص التغذية المزمن ونحو 200 مليون طفل دون سن الخامسة مصابون بنقص البروتين والطاقة. وأضافت أنه على الصعيد القطري صنفت منظمة الأغذية والزراعة 82 بلداً ضمن فئة بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض منها 41 بلداً في إفريقيا و19 في آسيا والمحيط الهادي و9 من أوروبا ورابطة الدول المستقلة و 7 من أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و 6 من الشرق الأدنى وشمال إفريقيا. وأشارت إلى أن التقارير الدولية تتوقع أن إمدادات العالم من الحبوب قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ أزمة الغذاء في أوائل السبعينات إذ ارتفعت أسعار الحبوب بنسب تتراوح بين 30% إلى 50% مقارنة بأسعار 1995 ونتيجة لذلك اضطرت بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض أن تتحمل دفع 3.4 مليارات دولار إضافية لاستيراد احتياجاتها من الأغذية لعام 1996 أي بزيادة نحو 24% مقارنة بالعام الذي سبقه, علاوة على ذلك تواجه 26 بلداً نقصاً في الإمدادات الغذائية بصورة استثنائية ولغرض المحافظة على المستويات الحالية للإمدادات الغذائية سريعة في الإنتاج من أجل رفع الإمدادات بأكثر من 75% دون تعرض الموارد الطبيعية للضرر. على الرغم من حدوث انتعاش في مستوى إنتاج العالم من الحبوب مؤخراً خلال عام 1997 فإن الوضع ما بين الطلب والعرض سيظل حرجاً, فالتوقعات تشير إلى أن الأوضاع ستتفاقم في البلدان وأمنها الغذائي رغم ما تضمنته اتفاقية الجات من إجراءات للحد من الآثار السلبية على اقتصاديات البلدان النامية.