من طرف Admin الأحد يوليو 17 2011, 09:58
الحلول والبدائل
وإذا كانت هذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مكانا للشك أن المغرب العربى يعيش حالة من "القلق المائي" مع بعض الاختلافات الطفيفة، بالقياس إلى معدل قوى فى النمو الديموغرافى والتحسن المتصاعد فى مستوى معيشة المواطنين نسبيا، فإن وضع الجزائر وتونس صعب عما هو عليه الحال فى المغرب، ما لم تتخذ المزيد الإجراءات الوقائية لحماية الثروات المتاحة وتوفير بدائل. إجمالا، يجب مراجعة السياسات الاقتصادية التى لم تدخل فى حساباتها قضية الماء " بخاصة فى الجزائر"، أو تلك التى جعلت من الماء عنصرا فى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، لكن دون الانتباه إلى تداعيات استهلاك قصوى كما حدث فى المغرب من استغلال كبير فى الماء فى فلاحة التصدير "الحوامض..."، أو ما يفرضه متطلبات استهلاك القطاع السياحى المرتفعة. وكلاهما يستهلكان كميات جد كبيرة من مخزون المياه الحلوة.
- أولى الإجراءات تتمثل فى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير المستعجلة، لأنها من حسن الحظ متوفرة وتتطلب فقط إرادة سياسية صلبة تهدف إلى تقليص كميات لا باس بها من التبذير الحاصل " نسبة الضائع من المياه فى القنوات تصل 35 بالمائة فى المغرب و30 بالمائة فى تونس، أما الوضع فى الجزائر فهو جد كارثى للأسف الشديد...".
- ثانيا إعادة توجيه الاقتصاد الوطنى نحو قطاعات مقتصدة فى الماء ـ وأقل تلويثا ـ عما هو عليه الأمر فى قطاعى الفلاحة والسياحة " المغرب وتونس" أو قطاع البيتروكيماويات " الجزائر وليبيا". والواقع أن حالة القلق الهيدرومائية المشتركة تفرض على جميع البلدان المغاربية بدون استثناء، التعاون من أجل توفير تكاليف ومضاعفات مواجهة الخصاص الذى بدا يلوح فى الأفق، ناهيك عن الرفع من الإمكانيات المائية المتوفرة ـ أو على الأقل الحفاظ على المعدلات الحالية فى أفق 2025 – كما تحسين استعماله وترشيده بالنسبة لعموم السكان. وإذا أخذنا بعين الاعتبار العديد من الدراسات الجيولوجية فى مجلات متخصصة ك: "Revue des sciences de l’eau, N°3-4, 2003" و"Horizons maghrébins, N°53,2005" أو "International Water Journal, N°4-2007" ثم "Les Cahiers de l’orient, N°44,1996"، يتضح بأنه إذا أردنا تحقيق كفاية مائية تتناسب مع ارتفاع وتيرة النشاط الفلاحى والصناعى وحاجيات السكان المنزلية فى عموم بلدان المغرب العربي، تفيد أن المغرب وتونس والجزائر وليبيا فى أقصى الحالات، يمكنهم بسهولة تخصيص اعتمادات مالية لا تتجاوز مليار 500 مليون يورو، لكى يتم ضمان توفير ما بين 500-600 متر مكعب سنويا للشخص فى كل من الجزائر وتونس، وما بين 700-800 ملم مكعب فى حالة المغرب، أما فى ليبيا يمكن أن تصل إلى 250-350 ملم مكعب. وهو أمر لا يمكن أن تحلم به بلدان المغرب العربى فى أفق سنة 2025 إذا استمر الوضع كما هو عليه الحال. ومن المفيد القول بأنه من السهل جدا فى حالة المغرب وتونس بعامة، وليبيا والجزائر "بفضل العائدات النفطية" بخاصة، أن يوفروا معا المبلغ الضرورى لكى يتم تلبية حاجيات شعوبها من الماء الصالح للشرب.
ناهيك أن وضع الجزائر تتميز خطورته أكثر من غيره "بالقياس إلى مجهود ليبيا فى النهر الصناعى العظيم ، وبالقياس إلى تخصيص المغرب مبلغ 100 مليون يورو من ميزانيته العامة من أجل ضمان 750 متر مكعب سنويا لأى مواطن فى أفق سنة 2020، كما محاولة بحثه عن 200 مليون يورو أخرى سنويا وإلى غاية 2020" من أجل تلبية حاجياته الضرورية فى قطاع الماء. والواقع أنه من الغريب أن تتوفر عائدات تعدت 80 مليار دولار فى احتياطى الصرف فى الجزائر، بينما ما يزال يعانى 29 بالمائة من السكان النشطين من البطالة، كما وجود نسبة تعدت 30 بالمائة من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. بخلاف أن النفقات العسكرية الجزائرية ما لبثت أن ارتفعت كثيرا فى الآونة الأخيرة بدون مبرر؟
ومن منا لا يذكر فى هذه الحالة، كيف يمكن أن نتصور عدم وصول الماء إلى البيوت فى كثير من المدن الجزائرية، ناهيك أنه إذا وصل فلا يتعدى صبيبه ساعتين أو ثلاثة كل ثلاثة أو خمسة أيام، بخاصة فى العاصمة ذاتها.
وهو أمر متوارد ذكره باستمرار فى جميع الصحف الجزائرية دون استثناء ولا حاجة للإطالة فيه، فمع كل فيضان يحدث فى العاصمة أو تصاعد فى درجات الحرارة، يترتب عنه كثير من الاحتقان فى قنوات الماء، بفعل تقادم مجارى وقنوات صرف المياه، كما انعدام وجود كاف فى محطات التقاط التساقطات المطرية، بحيث لن نصادر على المطلوب إذا قلنا أن أغلبها عتيق ومتآكل، يرجع تاريخه إلى الاستعمار الفرنسي. غير أن المشكلة كما يقر الجميع، لا تكمن فى توفير الاعتمادات المالية فهى متوفرة. لكن المشكلة الكبيرة تكمن فى غياب الإرادة السياسية لدى العديد من أجهزة الدولة وضعف التنسيق بينها، مما دفع محافظ البنك المركزى الأسبق " صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 08 فبراير 2002" إلى القول: "بأن الجزائريون على وشك الموت عطشا، بينما سد تقسبت "Taksbet" يوجد على بعد 130 كلم من العاصمة ومملوء عن آخره بالماء. ذلك أن المشكلة تكمن فى غياب قنوات تنقل وتستغل هذا الماء.
لماذا؟ منذ أربعة سنوات ونحن لم نفصل بعد فى منهجية آليات منح عروض السوق! ناهيك، أن غياب إدارة اقتصادية ونقص الخبراء وعدم الكفاءة واقتصاد الريع فى الأمد القصير، يجعل كل هذه العوامل مجتمعة تؤدى إلى نظام تدمير ذاتى للقيم تتواصل إلى ما لانهاية فى الجزائر". وبالقياس إلى وضع المغرب وتونس المتقاربين فى إمكانيات التوفير المالية، فإنه فى تونس يمتاز دخل المواطن فيها بضعف دخل المواطن المغربى "أكثر من 2000 دولار فى تونس، بينما فى المغرب 1180 دولار سنة 2003". لذلك لا يتطلب الأمر توفير المبالغ المالية المطلوبة من أحل الإبقاء على نسب الماء المتوفرة للمواطن حاليا فحسب، بل مراجعة الأولويات فى السياسات الاقتصادية الحالية، نخص بالذكر منها تشجيع التقنيات والممارسات التى تقلل من "تبذير " الماء بقصد أو بغير قصد.
وحتى لا نبقى فى إطار التوصيف الموضوعى للمشاكل، نجازف بطرح العديد من الحلول التى تمكن تونس والمغرب من تلافى حدوث أى نقص فى المياه وتلبية حاجيات المواطن بنجاح فى أفق 2025. ومن ثم يمكن فى حالة المغرب اعتماد ثلاثة إصلاحات تمكن خزينة الدولة من الحصول على 10 ملايير درهم ـ مليار يورو ـ "يخصص منها النصف إلى الصندوق الوطنى للماء"، بينما فى تونس يمكن الحصول عبر مصدرين مختلفين على 500 مليون يورو.
وبالتالى ما السبيل إلى ذلك:
أ- دون أن نخوض فى حيثيات ومكونات إصلاح ضريبى شامل "توسيع أداء الضريبة ليشمل أنشطة قليلة لا يؤدى عنها ضرائب أو ضرائبها قليلة، كما إحداث ضريبة حول الثروات الكبرى، وضريبة على الإرث العيني، كما إصلاح الضريبة العامة حول الدخل فى إطار الرفع من معدلاتها بالنسبة للأجور العليا ومكافحة التهرب الضريبى والغش" فى المغرب العربي، يكون أكثر عدالة ويستجيب لضرورات التنمية الوطنية فى المغرب وتونس، نقترح ما يلي:
ب- إعادة سن الضريبة حول عائدات المنتوجات الفلاحية، مما يمكن من الإضافة إلى الميزانية العامة للدولة ما بين 1 إلى %1،5 بالمائة من الدخل الوطني، أى حوالى 600 مليون يورو. هذا مع العلم أن المعفيين من الضرائب هم فى غالب الأحيان من كبار مالكى الضيعات الزراعية، ويشتغلون أيضا فى قطاع موظفى الدولة. مرد هذا الاختيار أن الأنشطة الزراعية التى يتعاطونها تصديرية وتستهلك كميات كبيرة عن الماء المتوفر.
ت- تعتبر السياحة فى المغرب وتونس قطاعا مهما بالنسبة لاقتصادياتهما، لكن كما نعلم أن قطاع السياحة يستهلك كميات كبيرة من المياه، بحيث تشير التقارير بأن منسوب المياه الجوفية حول مدينة أغادير المغربية " أحد أكبر المدن السياحية فى المملكة" قد انخفض كثيرا، لذا نرى من اللازم سن ضريبة سياحية حول الماء يمكن اقتطاعها من أثمان تذاكر الطائرات أو عن حجوزات المبيت فى الفنادق "يقترح بعض الاقتصاديين استخلاص 5 يورو عن كل تذكرة و2 يورو عن المبيت الفندقي"، بحيث من السهل جمع مبالغ مهمة بالقياس إلى حجم السياح الذين تستقبلهم تونس "4،5 مليون سائح" والمغرب فى شهر الصيف "3 مليون سائح". وهنا لن نفعل أكثر من إعادة التوازن بيننا والجارى به العمل فى الاتحاد الأوروبى أو الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، بخاصة أننا نؤدى وفق نظام الفيزا المعتمد حاليا، حوالى 50 يورو فى المعدل، مما يعنى أن التونسى والمغربى والجزائرى والليبى والموريتانى يؤدى فى الواقع ضريبة عن دخوله للمجال الترابى الخاص بهذه البلدان الغربية.
ث- مراجعة اتفاقيات الشراكة بين بلدان المغرب العربى والاتحاد الأوروبي، بخاصة أنها فى الوقت الحالى تؤدى إلى مضاعفة سوق البطالة وازدياد معدلات الفقر. فسياسات فتح الأسواق وتحرير الأسعار ستؤدى إلى خسارة %3 بالمائة من دخله الوطنى الخام فى أفق سنة 2012، أى ما يمثل بين 600 مليون-700 مليون يورو من حقوق الجمرك المستخلصة اليوم.
ذلك أن مراجعة اتفاقيات الشراكة غايتها الأساسية حماية النسيج الصناعى المحلى من التداعيات المدمرة على سوق الشغل ودخل المواطن من جراء فتح الأسواق الوطنية على مصراعيها أمام شركات أجنبية، لا تملك صناعتنا وشركاتنا أى فرصة للمنافسة أمامها بتاتا.... وكما يظل الهدف منه أيضا حماية بعض القطاعات الاقتصادية المهددة " النسيج، الزراعة القروية..." وتوفير بعض العائدات العمومية الحالية. وبالتالى إن إعادة تطبيق حقوق الجمرك أو على الأقل وقف التقليص فيها حول بعض المنتوجات، يمكن من توفير ما بين 200-300 مليون يورو فى الخزينة العامة.
والحال أنه يمكن فى وضع تونس عبر تطبيق إجراءات مماثلة أن تستفيد الدولة فى مجال قطاع السياحة من عائدات تبلغ 112 مليون يورو " 25 يورو فى المعدل العام عن كل سائح مضروبة فى مجموع 4،5 مليون سائح"، كما استخلاص ما بين 150 مليون يورو - 200 مليون يورو كنتيجة منطقية من وقف الإعفاء الضريبى حول بعض الواردات التى تمثل خطرا على بعض المنتوجات المحلية "الصناعات النسيجية المحلية".
والواقع أن هذه الخطوط العريضة ستكون أكثر قوة فى حالة تبنيها من قبل دول بلدان المغرب العربى مجتمعة، بخاصة من منظور اقتصادى متكامل إذا رغبت دوله أن تقضى على "البطالة، الأمية والفقر" قبل أن ينضاف إليها خطر ندرة الماء بالنسبة للعديد من المواطنين. فى حين إن مشروع خصخصة الماء الذى ينادى يه البنك العالى منذ 1990، بخاصة تفويض جميع قطاعات خدمات الماء واستغلالها من قبل شركات خواص بالكامل، لا نرى فيه خيرا مطلقا أو شرا مطلقاً.
الفجرنيزو الالكتروني