[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وعـد بلفـور المشـؤوم \ 117 كلمـة انجليزيـة زوّرت تاريـخ وجغرافيـا الشرق الأوسـط !
صدر قبل 91 عاما تصريح بلفور المشؤوم، بنصه الشهير التالي: “عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وأكون ممتناً لكم لو أبلغتم هذا التصريح إلى الاتحاد الفيدرالي الصهيوني. إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح. المخلص آرثر بلفور”.
وهذه الدراسة تعرض وتعالج الحجج القانونية الدامغة التي تثبت بطلان وعدم قانونية تصريح بلفور من وجهة نظر القانون الدولي.
قبيل صدور تصريح بلفور في العام ،1917 كانت الحركة الصهيونية قد عقدت أحد عشر مؤتمرا عاما لها تم فيها حسم الخيارات الصهيونية وتكريس سيطرة جناح الصهيونية السياسية الذي تزعمه منذ البداية تيودور هرتزل، واستند إلى نظرية مفادها أن حل المسألة اليهودية لن يتم بالهجرة والاستيطان فحسب، وإنما أيضا بمساعدة واعتراف دوليين، وهو جوهر منظور هرتزل، الذي عبر عنه بمصطلح “البراءة الدولية” charter)) الذي عبر عنه هرتزل في المؤتمر الصهيوني الثالث 1899 بصيغة رسمية مفادها: “تتجه مساعينا صوب الحصول على براءة من الحكومة التركية بحيث تأتي هذه البراءة في ظل سيادة صاحب الجلالة السلطان العثماني. وحين تصبح هذه البراءة في حوزتنا، شرط أن تشتمل على الضمانات القانونية العامة اللازمة، يمكننا آنذاك الشروع في استعمار عملي واسع النطاق. وسوف نجلب للحكومة التركية منافع كبرى لقاء منحها إيانا هذه البراءة”.
وبعد قيام “إسرائيل” زعم “الإسرائيليون” أن كيانهم السياسي الاستعماري الاستيطاني يتمتع بالشرعية القانونية الدولية، وذلك على اعتبار أن تصريح بلفور وصك الانتداب البريطاني على فلسطين اعترفا بالأمرين التاليين: أولا: الصلة التاريخية بين الشعب اليهودي وفلسطين. وثانيا: حق الشعب اليهودي في إعادة تأسيس وطنه القومي.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947 مشروع التقسيم الذي يدعو إلى إقامة دولة يهودية في “أرض إسرائيل” وناشدت سكان البلد اتخاذ الخطوات الكفيلة بوضع المشروع موضع التنفيذ. فضلا عن أن اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته يؤلف أمرا يتعذر الرجوع عنه أو إلغاؤه.
التصريح وسياقاته التاريخية- السياسية
قدم الوزير البريطاني اليهودي الصهيوني هربرت صاموئيل في سنة 1908 مذكرة اقترح فيها تأسيس دولة يهودية في فلسطين تحت إشراف بريطانيا شارحا الفوائد الاستعمارية التي ستجنيها بريطانيا من قيام هذه الدولة في قلب العالم العربي والقريبة من قناة السويس. وافق العديد من سياسيي بريطانيا على هذه المذكرة ومن بينهم: لويد جورج وآرثر بلفور. وقد صدر تصريح بلفور الذي شكّل محطة رئيسية في تاريخ الاستيطان الصهيوني، وبالتالي القضية الفلسطينية، في سياق الحرب العالمية الأولى، بأسبابها وأهدافها. وعندما بانت نتائجها بالانسجام مع المخططات البريطانية إزاء المنطقة.
فقد جرت خلال سني الحرب العالمية الأولى محادثات سرية بين الحكومة البريطانية وزعماء الصهيونية للوصول إلى اتفاق بشأن منح فلسطين لليهود عقب نهاية الحرب. وحرص الصهيونيون على إظهار محاسن مثل هذا الاتفاق للاستعمار البريطاني، وقد مهّد هايين وايزمان لذلك برسالة نشرها بتاريخ 12/11/1915 في جريدة “المانشستر غارديان” جاء فيها بالحرف “إذا دخلت فلسطين ضمن منطقة النفوذ البريطاني ووافقت الحكومة البريطانية على تشجيع إسكان اليهود فيها فانه يمكن أن يصير لنا فيها خلال عشرين أو ثلاثين عاماً نحو مليون يهودي أو ربما أكثر من ذلك فيشكلون حراسة عملية قوية لقناة السويس”. ووصلت المحادثات البريطانية الصهيونية ذروتها في خريف العام 1917 عندما أخذت وزارة الحرب البريطانية تبحث رسمياً في مسألة تحقيق الأهداف الصهيونية في فلسطين وإصدار وعد بهذا الشأن. وقد بعث وايزمان برسالة إلى وزارة الحرب هذه بتاريخ 1917/10/14 قال فيها “إننا نعلن لكم بصراحة واحترام أننا نترك بين أيديكم مصيرنا الوطني الصهيوني آملين أن تنظروا إلى قضيتنا في ضوء مصالح الإمبراطورية البريطانية”.
وكانت بريطانيا وحلفاؤها قد بذلت وعوداً عديدة بقصد الاعتراف باستقلال العرب والعمل على تحقيقه. وكان من جملة هذه الوعود والتأكيدات: المراسلات التي جرت في عام 1919-1915 بين الملك حسين ملك الحجاز، وكان يومئذ شريف مكة وهنري مكماهون المندوب البريطاني في مصر. وكتاب هوجارت الذي وجهته الحكومة البريطانية إلى شريف مكة في كانون الثاني/يناير 1918 رغبة في تبديد مخاوف العرب من ناحية تصريح بلفور. وتصريح السبعة، وهو الصادر في 16/6/1918 والذي أكد لسكان الأقاليم التي تحتلها قوات الحلفاء بان حكم هذه الأقاليم في المستقبل سيستند إلى رضا المحكومين وموافقتهم. والتصريح الإنجليزي الفرنسي الصادر في 7/11/1918 وقد جاء فيه، أن الغاية التي تتوخاها فرنسا وبريطانيا العظمى من خوض غمار الحرب إنما هي التحرير الكامل النهائي للشعوب التي طال زمن استعباد الترك لها، وإقامة حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطاتها من الممارسة الحرة لحقوق الشعوب المحلية واختيارها. وقد نثرت آلاف النسخ من هذا التصريح بمنشورات ألقتها الطائرات فوق فلسطين.
مسودات التصريح
على ضوء اتضاح المسار العام لنتائج الحرب العالمية الأولى لصالح بريطانيا وفرنسا، بدأت المباحثات البريطانية- الصهيونية في شباط 1917 تم خلالها صياغة ست مسودات لتصريح بلفور هي التالية:
المسودة التمهيدية لوزارة الخارجية البريطانية المعدة في يونيو/ حزيران أو يوليو/ تموز 1917 كانت الألفاظ الرئيسية عندما أعدت هذه المسودة هي: اللجوء والملجأ. والتصور أن تعلن الحكومة البريطانية تحبيذها لكي ينشأ في فلسطين “ملاذ لضحايا الاضطهاد من اليهود”. واحتج على هذه الصيغة ناحوم سوكولوف عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية بقوله: “لن تلبي حاجات القضية إطلاقا”.
المسودة التمهيدية الصهيونية في 12/7/1917: نصت على أن الحكومة البريطانية “تقبل بمبدأ الاعتراف بفلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي وحق الشعب اليهودي في بناء صرح حياته القومية بفلسطين تحت ظل حماية تجري إقامتها عند إبرام الصلح وعقب انتهاء الحرب إلى النجاح (....) منح الاستقلال الداخلي للقومية اليهودية بفلسطين، (و) حرية الهجرة لليهود”. لم يجر تقديم هذه المذكرة رسميا، ولذلك صرح سوكولوف في رسالة تفسيرية إلى اللورد روتشيلد بوجوب النص على مبدأين أساسيين هما: الاعتراف بفلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي، والاعتراف بالمنظمة الصهيونية.
المسودة الصهيونية في 18/7/1917: نصت على ما يلي: 1- إن حكومة جلالة الملك تقبل المبدأ القائل بأنه يجب تحويل فلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي. 2- سوف تبذل حكومة جلالته أفضل مساعيها لضمان تحقيق هذا الهدف، وسوف تبحث في الطرق والوسائل اللازمة مع المنظمة الصهيونية.
مسودة بلفور المقدمة في شهر اغسطس/ آب 1917: نصت على ما يلي: إن حكومة جلالته تقبل المبدأ القائل بإعادة تكوين فلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي. وهي سوف تستخدم أفضل مساعيها لضمان تحقيق هذه الغاية، كما أنها على استعداد للنظر في أية مقترحات حول الموضوع قد ترغب المنظمة الصهيونية في عرضها عليها.
مسودة ميلنر المقدمة في شهر آب 1917: نصت على ما يلي: إن حكومة جلالته تقبل المبدأ القائل بإتاحة كل فرصة ممكنة لإقامة وطن بفلسطين للشعب اليهودي، وسوف تستخدم أفضل مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، كما تكون مستعدة للنظر في أية مقترحات حول الموضوع قد ترغب المنظمة الصهيونية في عرضها عليها.
مسودة ميلنر-آمري في 4/10/1917: نصت على ما يلي: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي في فلسطين للجنس اليهودي، وسوف تبذل أقصى مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا بأنه لن يؤتى بعمل من شأنه إلحاق الأذى بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة بفلسطين، أو الحقوق والمكانة السياسية التي يتمتع بها في البلدان الأخرى أولئك اليهود الذين يشعرون بقناعة تامة إزاء جنسيتهم ومواطنيتهم الراهنة.
ومما لا بد ذكره أن اللورد كرزون كان وحده بين المسؤولين البريطانيين آنئذ، وهو نائب الملك في الهند سابقاً والوزير البارز في وزارة الحرب، الذي توقف بعض الوقت عند المضامين والمغازي التي ينطوي عليها وعد بلفور، مبيناً أثناء جلسة مناقشته في الوزارة البريطانية أن إعطاء هذا الوعد افتئاتاً على حقوق مصالح إسلامية وعربية أساسية، فقد قال حسبما ورد في سجل وقائع الاجتماع الذي جرى في 4/10/1917: “كيف يعقل أن يقترح التخلص من أغلبية السكان الحاليين المسلمين وإحلال يهود محلهم؟”. وهو يرى أن تأمين حقوق مدنية ودينية متساوية لليهود المقيمين في فلسطين سياسة أفضل من العمل على إعادة اليهود إلى فلسطين على نطاق واسع، وهو “أمر يعتبره من مظاهر المثالية العاطفية التي ينبغي ألا يكون لحكومة صاحب الجلالة شأن بها من قريب أو بعيد”. وقد بلور كرزون وجهة نظره في مذكرة قدمها إلى الوزارة مؤرخة في 26/10/،1917 أوضح فيها بجلاء المكانة التي تحتلها مدينة القدس في دنيا الإسلام والمسيحية، ويشير إلى المشكلة الإنسانية التي ينطوي عليها وعد بلفور إذ يقول: “يوجد هناك ما يزيد على نصف مليون من العرب السوريين، وقد استوطنوا هم وأجدادهم البلاد منذ قرابة 1500 عام، وهم أصحاب الأرض التي يتقاسم ملكيتها الملاك والمجتمعات القروية، ولن يرضى هؤلاء بمصادرة أراضيهم وانتزاعها منهم لتسليمها للمهاجرين اليهود أو أن يكونوا مجرد حطابين وسقائين لهم”.
ولإيضاح درجة خطورة هذا التصريح قال الكاتب والصحافي البريطاني دايفيد هيرست في كتابه الشهير “البندقية وغصن الزيتون”: كان وعد بلفور إحدى وثيقتين رئيسيتين شكلتا التاريخ الحديث في الشرق الأوسط. أما الوثيقة الثانية فهي اتفاقية سايكس-بيكو (...) ولقد جاء وعد بلفور نتيجة لاتفاقية سايكس-بيكو إلا أن أهميته تفوق أهمية هذه الاتفاقية كثيرا. بل من الصعب جدا اعتبار أن أي وثيقة غيرت مجرى التاريخ تغييرا عشوائيا مثلما فعلت هذه الوثيقة. فالصراع العربي-الصهيوني هو في العالم المعاصر المشكلة الأولى التي يحتمل أن تفجر يوم القيامة النووي. وإذا حصل ذلك فإن من يبقى على قيد الحياة من المؤرخين لاشك سيسجل أن المشكلة كلها ابتدأت برسالة مختصرة، بريئة المظهر لا تزيد على 117 كلمة بالإنجليزية وجهها آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني إلى اللورد روتشيلد في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917. فيما لم يجد المؤرخ الكبير ارنولد توينبي مناصاً من إدانة بلاده على تقديم وعد بلفور للحركة الصهيونية، معلناً انه كإنجليزي يشعر بالخجل والندم الشديدين على ازدواجية المعايير الأخلاقية التي حكمت سلوك حكومة بلاده في الإقدام على هذه الفعلة المنكرة.
يتبع....وعـد بلفـور المشـؤوم \ 117 كلمـة انجليزيـة زوّرت تاريـخ وجغرافيـا الشرق الأوسـط !
صدر قبل 91 عاما تصريح بلفور المشؤوم، بنصه الشهير التالي: “عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وأكون ممتناً لكم لو أبلغتم هذا التصريح إلى الاتحاد الفيدرالي الصهيوني. إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح. المخلص آرثر بلفور”.
وهذه الدراسة تعرض وتعالج الحجج القانونية الدامغة التي تثبت بطلان وعدم قانونية تصريح بلفور من وجهة نظر القانون الدولي.
قبيل صدور تصريح بلفور في العام ،1917 كانت الحركة الصهيونية قد عقدت أحد عشر مؤتمرا عاما لها تم فيها حسم الخيارات الصهيونية وتكريس سيطرة جناح الصهيونية السياسية الذي تزعمه منذ البداية تيودور هرتزل، واستند إلى نظرية مفادها أن حل المسألة اليهودية لن يتم بالهجرة والاستيطان فحسب، وإنما أيضا بمساعدة واعتراف دوليين، وهو جوهر منظور هرتزل، الذي عبر عنه بمصطلح “البراءة الدولية” charter)) الذي عبر عنه هرتزل في المؤتمر الصهيوني الثالث 1899 بصيغة رسمية مفادها: “تتجه مساعينا صوب الحصول على براءة من الحكومة التركية بحيث تأتي هذه البراءة في ظل سيادة صاحب الجلالة السلطان العثماني. وحين تصبح هذه البراءة في حوزتنا، شرط أن تشتمل على الضمانات القانونية العامة اللازمة، يمكننا آنذاك الشروع في استعمار عملي واسع النطاق. وسوف نجلب للحكومة التركية منافع كبرى لقاء منحها إيانا هذه البراءة”.
وبعد قيام “إسرائيل” زعم “الإسرائيليون” أن كيانهم السياسي الاستعماري الاستيطاني يتمتع بالشرعية القانونية الدولية، وذلك على اعتبار أن تصريح بلفور وصك الانتداب البريطاني على فلسطين اعترفا بالأمرين التاليين: أولا: الصلة التاريخية بين الشعب اليهودي وفلسطين. وثانيا: حق الشعب اليهودي في إعادة تأسيس وطنه القومي.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947 مشروع التقسيم الذي يدعو إلى إقامة دولة يهودية في “أرض إسرائيل” وناشدت سكان البلد اتخاذ الخطوات الكفيلة بوضع المشروع موضع التنفيذ. فضلا عن أن اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته يؤلف أمرا يتعذر الرجوع عنه أو إلغاؤه.
التصريح وسياقاته التاريخية- السياسية
قدم الوزير البريطاني اليهودي الصهيوني هربرت صاموئيل في سنة 1908 مذكرة اقترح فيها تأسيس دولة يهودية في فلسطين تحت إشراف بريطانيا شارحا الفوائد الاستعمارية التي ستجنيها بريطانيا من قيام هذه الدولة في قلب العالم العربي والقريبة من قناة السويس. وافق العديد من سياسيي بريطانيا على هذه المذكرة ومن بينهم: لويد جورج وآرثر بلفور. وقد صدر تصريح بلفور الذي شكّل محطة رئيسية في تاريخ الاستيطان الصهيوني، وبالتالي القضية الفلسطينية، في سياق الحرب العالمية الأولى، بأسبابها وأهدافها. وعندما بانت نتائجها بالانسجام مع المخططات البريطانية إزاء المنطقة.
فقد جرت خلال سني الحرب العالمية الأولى محادثات سرية بين الحكومة البريطانية وزعماء الصهيونية للوصول إلى اتفاق بشأن منح فلسطين لليهود عقب نهاية الحرب. وحرص الصهيونيون على إظهار محاسن مثل هذا الاتفاق للاستعمار البريطاني، وقد مهّد هايين وايزمان لذلك برسالة نشرها بتاريخ 12/11/1915 في جريدة “المانشستر غارديان” جاء فيها بالحرف “إذا دخلت فلسطين ضمن منطقة النفوذ البريطاني ووافقت الحكومة البريطانية على تشجيع إسكان اليهود فيها فانه يمكن أن يصير لنا فيها خلال عشرين أو ثلاثين عاماً نحو مليون يهودي أو ربما أكثر من ذلك فيشكلون حراسة عملية قوية لقناة السويس”. ووصلت المحادثات البريطانية الصهيونية ذروتها في خريف العام 1917 عندما أخذت وزارة الحرب البريطانية تبحث رسمياً في مسألة تحقيق الأهداف الصهيونية في فلسطين وإصدار وعد بهذا الشأن. وقد بعث وايزمان برسالة إلى وزارة الحرب هذه بتاريخ 1917/10/14 قال فيها “إننا نعلن لكم بصراحة واحترام أننا نترك بين أيديكم مصيرنا الوطني الصهيوني آملين أن تنظروا إلى قضيتنا في ضوء مصالح الإمبراطورية البريطانية”.
وكانت بريطانيا وحلفاؤها قد بذلت وعوداً عديدة بقصد الاعتراف باستقلال العرب والعمل على تحقيقه. وكان من جملة هذه الوعود والتأكيدات: المراسلات التي جرت في عام 1919-1915 بين الملك حسين ملك الحجاز، وكان يومئذ شريف مكة وهنري مكماهون المندوب البريطاني في مصر. وكتاب هوجارت الذي وجهته الحكومة البريطانية إلى شريف مكة في كانون الثاني/يناير 1918 رغبة في تبديد مخاوف العرب من ناحية تصريح بلفور. وتصريح السبعة، وهو الصادر في 16/6/1918 والذي أكد لسكان الأقاليم التي تحتلها قوات الحلفاء بان حكم هذه الأقاليم في المستقبل سيستند إلى رضا المحكومين وموافقتهم. والتصريح الإنجليزي الفرنسي الصادر في 7/11/1918 وقد جاء فيه، أن الغاية التي تتوخاها فرنسا وبريطانيا العظمى من خوض غمار الحرب إنما هي التحرير الكامل النهائي للشعوب التي طال زمن استعباد الترك لها، وإقامة حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطاتها من الممارسة الحرة لحقوق الشعوب المحلية واختيارها. وقد نثرت آلاف النسخ من هذا التصريح بمنشورات ألقتها الطائرات فوق فلسطين.
مسودات التصريح
على ضوء اتضاح المسار العام لنتائج الحرب العالمية الأولى لصالح بريطانيا وفرنسا، بدأت المباحثات البريطانية- الصهيونية في شباط 1917 تم خلالها صياغة ست مسودات لتصريح بلفور هي التالية:
المسودة التمهيدية لوزارة الخارجية البريطانية المعدة في يونيو/ حزيران أو يوليو/ تموز 1917 كانت الألفاظ الرئيسية عندما أعدت هذه المسودة هي: اللجوء والملجأ. والتصور أن تعلن الحكومة البريطانية تحبيذها لكي ينشأ في فلسطين “ملاذ لضحايا الاضطهاد من اليهود”. واحتج على هذه الصيغة ناحوم سوكولوف عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية بقوله: “لن تلبي حاجات القضية إطلاقا”.
المسودة التمهيدية الصهيونية في 12/7/1917: نصت على أن الحكومة البريطانية “تقبل بمبدأ الاعتراف بفلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي وحق الشعب اليهودي في بناء صرح حياته القومية بفلسطين تحت ظل حماية تجري إقامتها عند إبرام الصلح وعقب انتهاء الحرب إلى النجاح (....) منح الاستقلال الداخلي للقومية اليهودية بفلسطين، (و) حرية الهجرة لليهود”. لم يجر تقديم هذه المذكرة رسميا، ولذلك صرح سوكولوف في رسالة تفسيرية إلى اللورد روتشيلد بوجوب النص على مبدأين أساسيين هما: الاعتراف بفلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي، والاعتراف بالمنظمة الصهيونية.
المسودة الصهيونية في 18/7/1917: نصت على ما يلي: 1- إن حكومة جلالة الملك تقبل المبدأ القائل بأنه يجب تحويل فلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي. 2- سوف تبذل حكومة جلالته أفضل مساعيها لضمان تحقيق هذا الهدف، وسوف تبحث في الطرق والوسائل اللازمة مع المنظمة الصهيونية.
مسودة بلفور المقدمة في شهر اغسطس/ آب 1917: نصت على ما يلي: إن حكومة جلالته تقبل المبدأ القائل بإعادة تكوين فلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي. وهي سوف تستخدم أفضل مساعيها لضمان تحقيق هذه الغاية، كما أنها على استعداد للنظر في أية مقترحات حول الموضوع قد ترغب المنظمة الصهيونية في عرضها عليها.
مسودة ميلنر المقدمة في شهر آب 1917: نصت على ما يلي: إن حكومة جلالته تقبل المبدأ القائل بإتاحة كل فرصة ممكنة لإقامة وطن بفلسطين للشعب اليهودي، وسوف تستخدم أفضل مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، كما تكون مستعدة للنظر في أية مقترحات حول الموضوع قد ترغب المنظمة الصهيونية في عرضها عليها.
مسودة ميلنر-آمري في 4/10/1917: نصت على ما يلي: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي في فلسطين للجنس اليهودي، وسوف تبذل أقصى مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا بأنه لن يؤتى بعمل من شأنه إلحاق الأذى بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة بفلسطين، أو الحقوق والمكانة السياسية التي يتمتع بها في البلدان الأخرى أولئك اليهود الذين يشعرون بقناعة تامة إزاء جنسيتهم ومواطنيتهم الراهنة.
ومما لا بد ذكره أن اللورد كرزون كان وحده بين المسؤولين البريطانيين آنئذ، وهو نائب الملك في الهند سابقاً والوزير البارز في وزارة الحرب، الذي توقف بعض الوقت عند المضامين والمغازي التي ينطوي عليها وعد بلفور، مبيناً أثناء جلسة مناقشته في الوزارة البريطانية أن إعطاء هذا الوعد افتئاتاً على حقوق مصالح إسلامية وعربية أساسية، فقد قال حسبما ورد في سجل وقائع الاجتماع الذي جرى في 4/10/1917: “كيف يعقل أن يقترح التخلص من أغلبية السكان الحاليين المسلمين وإحلال يهود محلهم؟”. وهو يرى أن تأمين حقوق مدنية ودينية متساوية لليهود المقيمين في فلسطين سياسة أفضل من العمل على إعادة اليهود إلى فلسطين على نطاق واسع، وهو “أمر يعتبره من مظاهر المثالية العاطفية التي ينبغي ألا يكون لحكومة صاحب الجلالة شأن بها من قريب أو بعيد”. وقد بلور كرزون وجهة نظره في مذكرة قدمها إلى الوزارة مؤرخة في 26/10/،1917 أوضح فيها بجلاء المكانة التي تحتلها مدينة القدس في دنيا الإسلام والمسيحية، ويشير إلى المشكلة الإنسانية التي ينطوي عليها وعد بلفور إذ يقول: “يوجد هناك ما يزيد على نصف مليون من العرب السوريين، وقد استوطنوا هم وأجدادهم البلاد منذ قرابة 1500 عام، وهم أصحاب الأرض التي يتقاسم ملكيتها الملاك والمجتمعات القروية، ولن يرضى هؤلاء بمصادرة أراضيهم وانتزاعها منهم لتسليمها للمهاجرين اليهود أو أن يكونوا مجرد حطابين وسقائين لهم”.
ولإيضاح درجة خطورة هذا التصريح قال الكاتب والصحافي البريطاني دايفيد هيرست في كتابه الشهير “البندقية وغصن الزيتون”: كان وعد بلفور إحدى وثيقتين رئيسيتين شكلتا التاريخ الحديث في الشرق الأوسط. أما الوثيقة الثانية فهي اتفاقية سايكس-بيكو (...) ولقد جاء وعد بلفور نتيجة لاتفاقية سايكس-بيكو إلا أن أهميته تفوق أهمية هذه الاتفاقية كثيرا. بل من الصعب جدا اعتبار أن أي وثيقة غيرت مجرى التاريخ تغييرا عشوائيا مثلما فعلت هذه الوثيقة. فالصراع العربي-الصهيوني هو في العالم المعاصر المشكلة الأولى التي يحتمل أن تفجر يوم القيامة النووي. وإذا حصل ذلك فإن من يبقى على قيد الحياة من المؤرخين لاشك سيسجل أن المشكلة كلها ابتدأت برسالة مختصرة، بريئة المظهر لا تزيد على 117 كلمة بالإنجليزية وجهها آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني إلى اللورد روتشيلد في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917. فيما لم يجد المؤرخ الكبير ارنولد توينبي مناصاً من إدانة بلاده على تقديم وعد بلفور للحركة الصهيونية، معلناً انه كإنجليزي يشعر بالخجل والندم الشديدين على ازدواجية المعايير الأخلاقية التي حكمت سلوك حكومة بلاده في الإقدام على هذه الفعلة المنكرة.