[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مآثر العرب والمسلمين في ميدان الفلاحة والري وحرث الأرض ومكافحة الآفات
د. بركات محمد مراد
من المسلَّم به أن الحضارة دائمة التنقل، وهي مشاع بين الناس لا يحتفظ بها إلا الأقوى والأجدر، فإذا ما أصابه الوهن أو انتابه الضعف ولت سراعًا، ومن هنا كان للعرب والمسلمين الأوائل جهدهم وفضلهم في الدفع بعجلة الحضارة إلى الأمام، وقد شهد المنصفون من الغربيين لعلماء العرب والمسلمين بما قدموه من إنجازات أسهمت في رقي المدنية وتقدم الحضارة بعد أن كان الأوروبيون أو كثير منهم ينسبون اكتشافات العرب والمسلمين أو يدعونها لأنفسهم كذبًا وزورًا، غير أن الحقيقة كالشمس لا يمكن حجبها أو إخفاؤها، فعرف الحق لذويه وعاد الفضل لأهله، وحديث اليوم عن فضل العرب ومآثرهم في مجال الزراعة وحرث الأرض ومكافحة الآفات، ودورهم في رقي الحضارة الإنسانية التي قامت في البداية على أكتاف الزراعة والمزارعين قبل أن تقوم على أكتاف الصناعة والصانعين.
العرب هم أمة أقدم من اسمها الذي تعرف به اليوم؛ لأنها على أرجح الأقوال أرومة الجنس السامي التي تفرع منها الكلدانيون والآشوريون والكنعانيون والعراقيون وسائر الأمم السامية التي سكنت بين النهرين وفلسطين وما يحيط بفلسطين من بادية وحاضرة، وقد تتصل بها الأمة الحبشية بصلة النسب القديم مع اختلاط بين السامية والحامية(1).
ويرى الباحثون أن أسلاف العرب كانوا يتمتعون بحضارة أصيلة، ويقطنون الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، ولكن بسبب تزايد عدد السكان وتعرض تلك المنطقة لتغيرات مناخية سيئة اضطر سكان الجنوب إلى الخروج من بلادهم على شكل موجات متعاقبة، فاتجه بعضهم شرقًا إلى بلاد الرافدين، ومنهم من توجه شمالًا، وبقي في وسط الجزيرة قبائل حافظت على كيانها واستقلالها وحرمتها ولغتها(2)..
ومن البدهي أن عرب وسط الجزيرة لم يهتموا بالزراعة ، وكانوا يحصلون على المنتجات الزراعية التي يحتاجونها عن طريق التجارة وتبادل السلع، كما كانت شجرة النخيل أثمن النباتات لديهم لأنها تنمو في الواحات المبعثرة بين كثبان الرمل، فتعطيهم أطيب الثمر بأدنى جهد وأقل ماء، أما القاطنون في أطراف الجزيرة- وخاصة في الحجاز واليمن والعراق وبلاد الشام- فكانوا على جانب كبير من الخبرة في شؤون الزراعة والعناية بالأشجار المثمرة واستخراج المياه، لذلك لم تزل بقاع اليمامة إلى ما بعد الإسلام مشهورة بالمراعي الواسعة، والعيون والأمطار الغزيرة والمروج المعشبة التي تخلفت مما هو أخصب منها وأعمر بالإنسان والحيوان في أقدم الزمان، وقد لاحظ الرحالة الألماني شوينفرت أن القمح والشعير وجدا في حالتهما الآبدة في اليمن وبلاد العرب القديمة قبل أن تستأنس في مصر والعراق(3)، وقد اكتشفت في أرض اليمن كتابات بالخط المسند، تعتبر قوانين صدرت عن الحكومات اليمنية قبل الإسلام نظمت بموجبها العلاقات الزراعية بين المزارعين الذين يعملون في الأرض التي تمتلكها الدولة وتقوم بتأجيرها لمن يريد استثمارها من القبائل والأفراد، كما نظمت حقوق السقي والاستفادة من الماء(4)..
ولما جاء الإسلام حث دستوره (القرآن الكريم) المسلمين على الزراعة وحرث الأرض والتصرف فيما تنبته الأرض من زروع وأشجار وثمار وأزهار قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النمل: 10-11)، {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذلك لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الرعد: 3-4)، {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)} (يس: 33 -34)، فالذين يتفكرون في النباتات وحرثها وزراعتها ويتعمقون في بحثها وفحصها يصلون إلى أسرار وآيات تشهد بعظمة مبدع الكون، والإسلام دين الجهد والجهاد والعقل والتدبر(5)، وقد أفرد القرآن الكريم الكثير من مفردات علم النبات والزراعة ووسائلها، فمثلا أورد حقيقة على جانب كبير من الأهمية العلمية حينما قرر القرآن في سورة الحجر الآية 22 قوله تعالى:{وأرسلنا الرياح لواقح}، وهذا ما اكتشفه علماء النبات بعد ذلك بقرون طويلة عندما قالوا إن الرياح وسيلة من وسائل التلقيح في النباتات(6)..
وفي السنة النبوية الشريفة نجد أن هناك الكثير من الأحاديث التي تحث على الزراعة وفلاحة الأرض منها: عن أنس بن مالك "رضي الله عنه" قال: قال رسول "صلى الله عليه وسلم" : «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»، يقول الإمام الشنقيطي: قال العيني: وفي الحديث أن الغرس والزرع واتخاذ الصنائع مباح وغير قادح في الزهد، وفيه أيضًا الحض للمسلم على عمارة الأرض لنفسه ولمن يأتي بعده، وفي الحديث أيضًا أن الزراعة والغرس من أفضل المكاسب(7)، إذن العمل بالزراعة عبادة إلى جانب أنها كسب شريف.
مآثر العرب والمسلمين في ميدان الفلاحة والري وحرث الأرض ومكافحة الآفات
د. بركات محمد مراد
من المسلَّم به أن الحضارة دائمة التنقل، وهي مشاع بين الناس لا يحتفظ بها إلا الأقوى والأجدر، فإذا ما أصابه الوهن أو انتابه الضعف ولت سراعًا، ومن هنا كان للعرب والمسلمين الأوائل جهدهم وفضلهم في الدفع بعجلة الحضارة إلى الأمام، وقد شهد المنصفون من الغربيين لعلماء العرب والمسلمين بما قدموه من إنجازات أسهمت في رقي المدنية وتقدم الحضارة بعد أن كان الأوروبيون أو كثير منهم ينسبون اكتشافات العرب والمسلمين أو يدعونها لأنفسهم كذبًا وزورًا، غير أن الحقيقة كالشمس لا يمكن حجبها أو إخفاؤها، فعرف الحق لذويه وعاد الفضل لأهله، وحديث اليوم عن فضل العرب ومآثرهم في مجال الزراعة وحرث الأرض ومكافحة الآفات، ودورهم في رقي الحضارة الإنسانية التي قامت في البداية على أكتاف الزراعة والمزارعين قبل أن تقوم على أكتاف الصناعة والصانعين.
العرب هم أمة أقدم من اسمها الذي تعرف به اليوم؛ لأنها على أرجح الأقوال أرومة الجنس السامي التي تفرع منها الكلدانيون والآشوريون والكنعانيون والعراقيون وسائر الأمم السامية التي سكنت بين النهرين وفلسطين وما يحيط بفلسطين من بادية وحاضرة، وقد تتصل بها الأمة الحبشية بصلة النسب القديم مع اختلاط بين السامية والحامية(1).
ويرى الباحثون أن أسلاف العرب كانوا يتمتعون بحضارة أصيلة، ويقطنون الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، ولكن بسبب تزايد عدد السكان وتعرض تلك المنطقة لتغيرات مناخية سيئة اضطر سكان الجنوب إلى الخروج من بلادهم على شكل موجات متعاقبة، فاتجه بعضهم شرقًا إلى بلاد الرافدين، ومنهم من توجه شمالًا، وبقي في وسط الجزيرة قبائل حافظت على كيانها واستقلالها وحرمتها ولغتها(2)..
ومن البدهي أن عرب وسط الجزيرة لم يهتموا بالزراعة ، وكانوا يحصلون على المنتجات الزراعية التي يحتاجونها عن طريق التجارة وتبادل السلع، كما كانت شجرة النخيل أثمن النباتات لديهم لأنها تنمو في الواحات المبعثرة بين كثبان الرمل، فتعطيهم أطيب الثمر بأدنى جهد وأقل ماء، أما القاطنون في أطراف الجزيرة- وخاصة في الحجاز واليمن والعراق وبلاد الشام- فكانوا على جانب كبير من الخبرة في شؤون الزراعة والعناية بالأشجار المثمرة واستخراج المياه، لذلك لم تزل بقاع اليمامة إلى ما بعد الإسلام مشهورة بالمراعي الواسعة، والعيون والأمطار الغزيرة والمروج المعشبة التي تخلفت مما هو أخصب منها وأعمر بالإنسان والحيوان في أقدم الزمان، وقد لاحظ الرحالة الألماني شوينفرت أن القمح والشعير وجدا في حالتهما الآبدة في اليمن وبلاد العرب القديمة قبل أن تستأنس في مصر والعراق(3)، وقد اكتشفت في أرض اليمن كتابات بالخط المسند، تعتبر قوانين صدرت عن الحكومات اليمنية قبل الإسلام نظمت بموجبها العلاقات الزراعية بين المزارعين الذين يعملون في الأرض التي تمتلكها الدولة وتقوم بتأجيرها لمن يريد استثمارها من القبائل والأفراد، كما نظمت حقوق السقي والاستفادة من الماء(4)..
ولما جاء الإسلام حث دستوره (القرآن الكريم) المسلمين على الزراعة وحرث الأرض والتصرف فيما تنبته الأرض من زروع وأشجار وثمار وأزهار قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النمل: 10-11)، {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذلك لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الرعد: 3-4)، {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)} (يس: 33 -34)، فالذين يتفكرون في النباتات وحرثها وزراعتها ويتعمقون في بحثها وفحصها يصلون إلى أسرار وآيات تشهد بعظمة مبدع الكون، والإسلام دين الجهد والجهاد والعقل والتدبر(5)، وقد أفرد القرآن الكريم الكثير من مفردات علم النبات والزراعة ووسائلها، فمثلا أورد حقيقة على جانب كبير من الأهمية العلمية حينما قرر القرآن في سورة الحجر الآية 22 قوله تعالى:{وأرسلنا الرياح لواقح}، وهذا ما اكتشفه علماء النبات بعد ذلك بقرون طويلة عندما قالوا إن الرياح وسيلة من وسائل التلقيح في النباتات(6)..
وفي السنة النبوية الشريفة نجد أن هناك الكثير من الأحاديث التي تحث على الزراعة وفلاحة الأرض منها: عن أنس بن مالك "رضي الله عنه" قال: قال رسول "صلى الله عليه وسلم" : «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»، يقول الإمام الشنقيطي: قال العيني: وفي الحديث أن الغرس والزرع واتخاذ الصنائع مباح وغير قادح في الزهد، وفيه أيضًا الحض للمسلم على عمارة الأرض لنفسه ولمن يأتي بعده، وفي الحديث أيضًا أن الزراعة والغرس من أفضل المكاسب(7)، إذن العمل بالزراعة عبادة إلى جانب أنها كسب شريف.