مصر القديمة وبداية نشأة العمران عليها
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق
مسمى مصر وسبب التسمية :
أُطلق على مصر قديما أسماء عدة ، وهذه الأسماء كانت تسمى حسب وصفها ، أو حسب اللهجات المختلفة للجنسيات التي حلت بها ، وربما سميت في بعض العصور باسم أحد أقطارها الذي عمت شهرته في ذلكم العصر ، على أساس أن باقي الأقطار كانت خاضعة له ، فقيل : إنها سميت ( كمت ) وتعني ( الأرض السوداء ) إشارة إلى خصوبة أرض مصر , و ( دشرت ) أي ( الحمراء ) إشارة إلى الصحراء التي تمثل الجزء الأكبر من أرض مصر ، و( تامري ) التي ربما تعني الأرض ( المفلوحة أو المزروعة ) و( تاوى ) أي ( الأرضين ) إشارة إلى الوجهين القبلي والبحري , و ( إيدبوي ) أي (الشاطئين أو الضفتين ) إشارة إلى ضفتي النيل اللتين تركزت عليهما مظاهر العمران منذ عصور ما قبل التاريخ .
ومنذ القرن التاسع قبل الميلاد أصبحت مصر تعرف باسم آخر وهو إيجوبتس ، وهو لفظ يوناني ، ومنه اشتقت اللغات الأوربية الحديثة الأسماء الدالة علي مصر مثل Egypt, Agypten.ومنه كذلك جاء إيقوبطي وقبطي أي "المواطن المصري "الذي يعيش في مصر ..
أما الكتب العبرانية وما نقل عنها من العربية فيرجعون لفظة قبطي إلى ملك من ملوك مصر القدامى يسمى قبطيم ، وهذا الاسم ذُكر لأول مرة في الأوديسا , إحدى ملحمتي الشاعر اليوناني ( هوميروس ) .
أما عن اسم مصر الذي تعرف به الآن فقد ذُكر لأول مرة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد , وذلك في رسالة وجهها أمير كنعاني إلى ملك مصر ، أشار فيها إلى ( مصري ) أي مصر ، وظل اسم (مصر ) يذكر بين الحين والآخر في العصور التالية في نصوص أشورية وبابلية وفارسية ، وبه كانت تعرف قبل الفتح الإسلامي ، وتكرر ذكره في القرآن الكريم ، وجاء في التوراة باسم ( مصرايم ).
وهذا اللفظ يتأرجح بين نسبته لرجل يسمى مصريم كما جاء في كتب العهد القديم ونقله الجغرافيون والمؤرخون العرب ، وبين نسبته لوصفها ، حيث تطلق كلمة مصر في اللغة العربية على البلد الزراعي ، وانفردت بها مصر دون غيرها ، لأنها كانت البلد الوحيد قديما الجدير بوصفه بالبلد الزراعي دون سواه ، حيث كانت تنتج ما يكفيها ويكفي ما حولها ، بل ذهب بعض العلماء القدامى إلى الزعم أنها كفيلة بإطعام العالم أجمع إذا عُمرت كلها ، ولعل الأمصار الأخرى قد سميت بذلك الاسم تيمنا بها البلد الطيب ..
وقيل : إن الكلمة مشتقة من الكلمة المصرية القديمة ( مجر ) أو ( مشر ) التي تعني ( المحصن ) , ( المحمي ) و ( الكنون ) إشارة إلى حدود مصر الطبيعية التي حمتها وحصنتها إلى حد كبير من هجمات المعتدين ، وعليه فإن مصر تعني ( المحمية ) من كل كيد أو ( المكنونة ) فهي كنانة الله في أرضه .
وأيما كانت علة أو سبب التسمية فإن كل ما ذُكر ينطبق على مصر ، ويصدق عليها كل ما قيل من أوصاف ..