[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الصين القديمة
منذ نحو ألفين وخمسمائة عام تعيش على الأرض أمة صينية تستخدم لغة صينية، وإن هذا لدليل على حضارة طويلة ومستمرة ومنيعة على التأثير الخارجي، لا يجاريها في ذلك إلا حضارة مصر القديمة. ولقد بقيت حكومة الصين لزمن طويل وحدة واحدة بالرغم من فترات الانقسام والاضطراب، وصاغت لها هذه الخبرة هوية تاريخية ثقافية بقدر ما هي سياسية، لأن ثقافة الصين هي التي سهلت توحيد الحكم. ومنذ تاريخ باكر جداً تبلورت فيها مؤسسات ومواقف تناسب ظروفها الخاصة، وسوف تستمر لزمن طويل.
تظهر الأدلة على الزراعة في شمال الصين، في أرض أعلى بقليل من مستوى فيضان النهر الأصفر؛ كانت تلك زراعة من النوع الذي يستنفذ التربة بشكل كامل أو جزئي، وتعود الأدلة عليها لحوالي 5000 ق.م. من هذه المنطقة الهامة انتشرت الزراعة شمالاً إلى منشوريا وجنوباً أيضاً. وسرعان ما ظهرت فيها ثقافات معقدة تستخدم حجر اليشب والخشب للحفر، وتدجن دودة القز، وتصنع الأواني المعدة للاحتفالات بأشكال سوف تصبح تقليدية، بل ربما كان الصينيون يستخدمون العيدان في تناول الطعام منذ ما قبل التاريخ. ويقصد من هذا كله أن الصين كانت منذ الأزمنة النيوليتية تبدي ملامح كثيرة سوف تميزها في المستقبل. ومن هذه العلامات الاستخدام الواسع للدخن، وهو نوع من الحبوب ملائم للزراعة الجافة* التي كانت تمارس أحياناً في الشمال، كما أنه قد ظل المادة الأساسية في طعام الصينيين حتى ألف سنة خلت تقريباً.
تتحدث كتب الصين القديمة وأساطيرها عن شخصية اخترعت الزراعة، ويدل ذلك على أهمية هذا الاختراع. إن الأشياء التي يمكنك استنتاجها بشكل أكيد وواضح عن التنظيم الاجتماعي الباكر هي أشياء قليلة جداً، ولكنهم كانوا يعتبرون أن كل بقعة تحت السماء هي أرض الحاكم، وربما كان هذا انعكاساً لأفكار قديمة تقول إن الأرض برمتها ملك للجماعة ككل. ويمكنك أيضاً أن تنسب إلى الأزمنة الباكرة ظهور بنية العشيرة والطواطم، إذ تكاد القرابة أن تكون أول مؤسسة يمكن تمييزها، وسوف تستمر لتصبح هامة في الأزمنة التاريخية. وتوحي الأدلة التي يقدمها الخزف ببعض التعقيد في الأدوار الاجتماعية، لأن هناك قطعاً رقيقة منه تعود إلى الأزمنة النيوليتية لا يمكن أن تكون قد صنعت لأغراض الاستعمال اليومي، فيبدو إذن أن مجتمعاً متعدد الطبقات كان قد بدأ يبزغ قبل أن نصل إلى الحقبة التاريخية.
لقد بقيت تلك الزراعة التي قامت عليها ثقافة الصين المتقدمة محصورة بشمال البلاد، وإن هناك مناطق كثيرة في هذا البلد الشاسع لم تبدأ بالزراعة إلا بعد زمن طويل، وفي مرحلة متقدمة من الحقبة التاريخية. ولكن العلماء متفقون مع التقاليد التي تقول إن قصة الحضارة تبدأ في هذه المنطقة الشمالية الهامة على عهد حكام ينتمون لشعب يدعى الشانغ، وهو أو اسم في اللائحة التقليدية للسلالات له أدلة مستقلة تؤيد وجوده. وقد بقيت هذه اللائحة أساس تقسيم تاريخ الصين لزمن طويل، وسوف تصبح التواريخ أكثر دقة منذ أواخر القرن الثامن ق.م، ولكن ليس ثمة تقسيم جيد لتاريخ الصين الباكر مثل الذي نعرفه عن مصر. وفي حوالي عام 1700 ق.م مع هامش قرن واحد زيادة أو نقصاناً تمكنت قبيلة اسمها الشانغ، كانت تتميز باستخدام العربة في المعارك الحربية، من فرض نفسها على جيرانها على امتداد رقعة واسعة من النهر الأصفر، وعلى حوالي 40.000 ميل مربع (100.000 كم2) من شمال هونان.
صين الشانغ
كان ملوك الشانغ شخصيات عظيمة عاشوا وماتوا في أبهة، وكان العبيد والضحايا يقدمون قرابين ويدفنون معهم في مدافن عميقة وفخمة. ويبد أن حكومة الشانغ كانت عبارة عن ملاك أراضي محاربين يرأسون سلالات أرستقراطية لها أصول شبه أسطورية، ولكنها تمكنت من توحيد العملة وتشييد تحصينات ومدن على مستوى يحتاج إلى مجهود جماعي واسع. وكان في بلاط الشانغ كتبة وأمناء أرشيف، فقد كانت تلك مملكة تعرف الكتابة، ويبدو أنها كانت تحكم أول ثقافة عرفت الكتابة بحق إلى الشرق من بلاد الرافدين إلا إذا تبين أن الكتابة في وادي الهندوس كان أكثر تطوراً مما يبدو الآن، وكان لحضارة الشانغ أيضاً تأثير يمتد وراء المنطقة التي سيطرت عليها هذه السلالة سياسياً.
صين التشانغ والصين الحالية
في الأزمنة الباكرة كانت القرارات الكبرى والأقل منها أيضاً تتخذ عن طريق قراءة الوحي، فكانوا يحفرون رموزاً على تروس السلاحف أو عظام ترقوة الكتف المأخوذة من حيوانات معينة، ثم يوضع عليها دبوس برونزي محمى بحيث يصنع شقوقاً على الطرف المقابل، وينظر في اتجاه هذه الشقوق وطولها بالنسبة إلى الرموز ويقرأ الوحي بناء على ذلك. ويقدم هذا الأمر دليلاً على فترة تأسيس اللغة الصينية، لأن الرموز المنقوشة على هذه العظام والتي كانت تحفظ كسجلات هي الأشكال الأساسية للغة الصينية الكلاسيكية. كان لدى شانغ نحو 5000 رمز من هذه الرموز، ولكن لا يمكن قراءتها كلها، إلا أننا نعلم أن بنية اللغة منذ ذلك الحين كان مثل بنية اللغة الصينية الحديثة، أي أنها مكونة من صور يمثل كل منها مقطعاً صوتياً واحداً، وهي تعتمد على ترتيب الكلمات وليس على تصريفها من أجل إضفاء المعنى، فقد كان الشانغ إذن يستخدمون شكلاً من أشكال اللغة الصينية. وسوف يتحول قراء الوحي في المستقبل إلى طبقة العلماء النبلاء، وهم خبراء لا غنى عنهم لأنهم يملكون مهارات مقدسة وسرية. وهكذا بقيت اللغة حكراً على نخبة صغيرة نسبياً وجدت أن امتيازاتها متأصلة فيها، وأن من مصلحتها أن تحميها من الفساد والتحريف. وكانت اللغة قوة عظيمة في تأمين الوحدة والثبات، كما صارت الصينية المكتوبة لغة للحكم والثقافة تسمو على تقسيمات اللهجات المحلية والأديان والمناطق، وسوف يبقى فن التخطيط ذا مرتبة عالية بين فنون الصين، وبهذه الوسيلة تمكنت النخبة من ضمن هذا البلد الواسع والمتنوع برباط واحد.
الصين القديمة
منذ نحو ألفين وخمسمائة عام تعيش على الأرض أمة صينية تستخدم لغة صينية، وإن هذا لدليل على حضارة طويلة ومستمرة ومنيعة على التأثير الخارجي، لا يجاريها في ذلك إلا حضارة مصر القديمة. ولقد بقيت حكومة الصين لزمن طويل وحدة واحدة بالرغم من فترات الانقسام والاضطراب، وصاغت لها هذه الخبرة هوية تاريخية ثقافية بقدر ما هي سياسية، لأن ثقافة الصين هي التي سهلت توحيد الحكم. ومنذ تاريخ باكر جداً تبلورت فيها مؤسسات ومواقف تناسب ظروفها الخاصة، وسوف تستمر لزمن طويل.
تظهر الأدلة على الزراعة في شمال الصين، في أرض أعلى بقليل من مستوى فيضان النهر الأصفر؛ كانت تلك زراعة من النوع الذي يستنفذ التربة بشكل كامل أو جزئي، وتعود الأدلة عليها لحوالي 5000 ق.م. من هذه المنطقة الهامة انتشرت الزراعة شمالاً إلى منشوريا وجنوباً أيضاً. وسرعان ما ظهرت فيها ثقافات معقدة تستخدم حجر اليشب والخشب للحفر، وتدجن دودة القز، وتصنع الأواني المعدة للاحتفالات بأشكال سوف تصبح تقليدية، بل ربما كان الصينيون يستخدمون العيدان في تناول الطعام منذ ما قبل التاريخ. ويقصد من هذا كله أن الصين كانت منذ الأزمنة النيوليتية تبدي ملامح كثيرة سوف تميزها في المستقبل. ومن هذه العلامات الاستخدام الواسع للدخن، وهو نوع من الحبوب ملائم للزراعة الجافة* التي كانت تمارس أحياناً في الشمال، كما أنه قد ظل المادة الأساسية في طعام الصينيين حتى ألف سنة خلت تقريباً.
تتحدث كتب الصين القديمة وأساطيرها عن شخصية اخترعت الزراعة، ويدل ذلك على أهمية هذا الاختراع. إن الأشياء التي يمكنك استنتاجها بشكل أكيد وواضح عن التنظيم الاجتماعي الباكر هي أشياء قليلة جداً، ولكنهم كانوا يعتبرون أن كل بقعة تحت السماء هي أرض الحاكم، وربما كان هذا انعكاساً لأفكار قديمة تقول إن الأرض برمتها ملك للجماعة ككل. ويمكنك أيضاً أن تنسب إلى الأزمنة الباكرة ظهور بنية العشيرة والطواطم، إذ تكاد القرابة أن تكون أول مؤسسة يمكن تمييزها، وسوف تستمر لتصبح هامة في الأزمنة التاريخية. وتوحي الأدلة التي يقدمها الخزف ببعض التعقيد في الأدوار الاجتماعية، لأن هناك قطعاً رقيقة منه تعود إلى الأزمنة النيوليتية لا يمكن أن تكون قد صنعت لأغراض الاستعمال اليومي، فيبدو إذن أن مجتمعاً متعدد الطبقات كان قد بدأ يبزغ قبل أن نصل إلى الحقبة التاريخية.
لقد بقيت تلك الزراعة التي قامت عليها ثقافة الصين المتقدمة محصورة بشمال البلاد، وإن هناك مناطق كثيرة في هذا البلد الشاسع لم تبدأ بالزراعة إلا بعد زمن طويل، وفي مرحلة متقدمة من الحقبة التاريخية. ولكن العلماء متفقون مع التقاليد التي تقول إن قصة الحضارة تبدأ في هذه المنطقة الشمالية الهامة على عهد حكام ينتمون لشعب يدعى الشانغ، وهو أو اسم في اللائحة التقليدية للسلالات له أدلة مستقلة تؤيد وجوده. وقد بقيت هذه اللائحة أساس تقسيم تاريخ الصين لزمن طويل، وسوف تصبح التواريخ أكثر دقة منذ أواخر القرن الثامن ق.م، ولكن ليس ثمة تقسيم جيد لتاريخ الصين الباكر مثل الذي نعرفه عن مصر. وفي حوالي عام 1700 ق.م مع هامش قرن واحد زيادة أو نقصاناً تمكنت قبيلة اسمها الشانغ، كانت تتميز باستخدام العربة في المعارك الحربية، من فرض نفسها على جيرانها على امتداد رقعة واسعة من النهر الأصفر، وعلى حوالي 40.000 ميل مربع (100.000 كم2) من شمال هونان.
صين الشانغ
كان ملوك الشانغ شخصيات عظيمة عاشوا وماتوا في أبهة، وكان العبيد والضحايا يقدمون قرابين ويدفنون معهم في مدافن عميقة وفخمة. ويبد أن حكومة الشانغ كانت عبارة عن ملاك أراضي محاربين يرأسون سلالات أرستقراطية لها أصول شبه أسطورية، ولكنها تمكنت من توحيد العملة وتشييد تحصينات ومدن على مستوى يحتاج إلى مجهود جماعي واسع. وكان في بلاط الشانغ كتبة وأمناء أرشيف، فقد كانت تلك مملكة تعرف الكتابة، ويبدو أنها كانت تحكم أول ثقافة عرفت الكتابة بحق إلى الشرق من بلاد الرافدين إلا إذا تبين أن الكتابة في وادي الهندوس كان أكثر تطوراً مما يبدو الآن، وكان لحضارة الشانغ أيضاً تأثير يمتد وراء المنطقة التي سيطرت عليها هذه السلالة سياسياً.
صين التشانغ والصين الحالية
في الأزمنة الباكرة كانت القرارات الكبرى والأقل منها أيضاً تتخذ عن طريق قراءة الوحي، فكانوا يحفرون رموزاً على تروس السلاحف أو عظام ترقوة الكتف المأخوذة من حيوانات معينة، ثم يوضع عليها دبوس برونزي محمى بحيث يصنع شقوقاً على الطرف المقابل، وينظر في اتجاه هذه الشقوق وطولها بالنسبة إلى الرموز ويقرأ الوحي بناء على ذلك. ويقدم هذا الأمر دليلاً على فترة تأسيس اللغة الصينية، لأن الرموز المنقوشة على هذه العظام والتي كانت تحفظ كسجلات هي الأشكال الأساسية للغة الصينية الكلاسيكية. كان لدى شانغ نحو 5000 رمز من هذه الرموز، ولكن لا يمكن قراءتها كلها، إلا أننا نعلم أن بنية اللغة منذ ذلك الحين كان مثل بنية اللغة الصينية الحديثة، أي أنها مكونة من صور يمثل كل منها مقطعاً صوتياً واحداً، وهي تعتمد على ترتيب الكلمات وليس على تصريفها من أجل إضفاء المعنى، فقد كان الشانغ إذن يستخدمون شكلاً من أشكال اللغة الصينية. وسوف يتحول قراء الوحي في المستقبل إلى طبقة العلماء النبلاء، وهم خبراء لا غنى عنهم لأنهم يملكون مهارات مقدسة وسرية. وهكذا بقيت اللغة حكراً على نخبة صغيرة نسبياً وجدت أن امتيازاتها متأصلة فيها، وأن من مصلحتها أن تحميها من الفساد والتحريف. وكانت اللغة قوة عظيمة في تأمين الوحدة والثبات، كما صارت الصينية المكتوبة لغة للحكم والثقافة تسمو على تقسيمات اللهجات المحلية والأديان والمناطق، وسوف يبقى فن التخطيط ذا مرتبة عالية بين فنون الصين، وبهذه الوسيلة تمكنت النخبة من ضمن هذا البلد الواسع والمتنوع برباط واحد.