[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
انتصار القيم الإنسانية في الفتوح الإسلامية
عوني عمر لطفي أوغلو – جريدة حراء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
سطعت شمس الإسلام على الأرض عدلاً وسماحةً ورحمةً لتنقل البشرية نقلة نوعية من مرحلة إلى مرحلة؛ فما كان من "الوجدان الإنساني والمفاهيم العقلية والقيم البشرية" قبل الإسلام وبعده أمران مختلفان! فقد ارتقى النوع الإنساني من حال الانحطاط والتدهور أسفل فأسفل، إلى حال التعالي والتسامي أعلى فأعلى. ولما أشرعت جيوش الإسلام في المشرق والمغرب أسنة رماحها، وأشهرت سيوفها، لم تخرج أشَرًا ولا بطرًا؛ بل ترسيخًا للقيم والمثل، ونشرًا للرحمة والنبل والتسامح؛ فلم تشع السيوف بشهوة المطامع، ولم تقعقع من أجل معارك جوفاء، بل لإعلاء كلمة الله، الذي أنزل علينا كتابًا يأمرنا فيه بإطلاق حرية الضمير، والتعايش مع هذه الحرية، بشرط توقير حرية المسلم ومعتقده.
فلم يزين لنا ديننا سفك الدماء بغريزة الحقد على الباطل، أو حتى الثأر من المعتدي. ومشهورٌ ذاك الخيار (متى لزم القتال) بالإسلام، ليخلّي إرادة الإنسان حين تقبله القلوب بفطرتها؛ أو بالجزية، إقرارًا لتوقير هذا الدين الذي يطلق العدل من عقالاته؛ أو القتال حتى لا تكون فتنة تمسك بتلابيب الضمائر البشرية.
إذن القتال في الإسلام ينبض بنبضات حرية الضمير وانطلاق العدل وضمان المعتقدات على نقيض ما شهدت البشرية في الحروب، وحتى في هذا العصر الموصوف بالتنوير!
ديننا لا ينهانا عن أن نَبَرَّ من لم يقاتلنا -فيكون قد قاتل العقل والحرية والقيم الإنسانية- وإن كان مشركًا. فغاية ما يريده المسلم أن يُوَقَّر هذا الدين، ويُوَقَّر إيمانه، وحريته في الدعوة إليه. هذا هو شرطه ليعايش الملل والنحل. ولا يقلقَنَّ غير المسلم على معتقداته، إذ يضمن المسلم شرط توقير دينه؛ ذلك بأن حقوق غير المسلم مكفولة في دينه بقواعد يتعبد بها المسلم ولا يملك دونه فكاكًا، على خلاف ما عند غيره! وإذ يسعى المؤمن لإعلاء كلمة الله وتوقير دينه، يملأ فراغًا لا يمتلكه غيره. فغيره مضمون بضمان دين المسلم، وليس العكس صحيحًا!
وضمان المسلم لحرية معتقدات الملل الأخرى محكوم بقواعد شرعية مرعية في الحرب والسلم. ومهما كان حكمه عقديًّا في تلك المعتقدات، فهو مأمور بالتعايش معها، والتسامح والوفاء والحسنى في الأخذ والعطاء وإقرار حرية العبادة حتى من موقع التحكم والقوة، وإن كان يرى بطلانها وشططها وزيغها. فالقوة والمكنة لا تبيح له التسلط على الضمائر والإكراه في الدين. والإسلام ضمان لذلك، وليس للمسلم في غير الإسلام ضمان لدينه. فمن هنا يتولد شرط توقير الإسلام، والسعي في ذلك بمختلف الوسائل.
وهذه الوثيقة التي تنشر بالعربية -لأول مرة حسب علمي- واحدة من الشواهد على ما قلتُه آنفًا. فهي عهد من محمد الفاتح لذميي "غَلَطَه". وغلطه حي على الضفة الشمالية لخليج القرن الذهبي في مواجهة أسوار إسطنبول القديمة، على مرمى حجر منها. ويقوم بين ضفتيها جسر في الموقع معروف. وهي التي ذكرت باسم (غلاطية) في رسالة بولص الرسول في العهد الجديد -السفر الرابع- الإصحاح السادس عشر. وكانت حائزة على أهمية تجارية وعسكرية منذ عهد البيزنطيين، فقد سوَّرها قسطنطين الأول (324-337م) بسورٍ. وسماها ثيويودرس الثاني (379-375م) بهذا الاسم نسبة إلى سكانها في أرجح الآراء.
وقد أقام الجَنَوِيّون برجها الشاخص حتى اليوم في عهد تباروس (578-582م). وتناوب الجَنَوِيّون والبنادقة الهيمنة على تجارتها وأسواقها. وكانت بينها وبين العثمانيين اتفاقات لتسهيل شئون التجارة قبل الفتح ومنذ سنة 1387م. وتدل المصادر على أن الجَنَوِيّين أرادوا حماية مصالحهم بلزوم الحياد، وأظهروا هذه الإرادة إبان فتح إسطنبول سنة 857هـ/1453م. ومن أجلها ضمنوا عهد الأمان هذا من السلطان محمد الفاتح.
انتصار القيم الإنسانية في الفتوح الإسلامية
عوني عمر لطفي أوغلو – جريدة حراء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
سطعت شمس الإسلام على الأرض عدلاً وسماحةً ورحمةً لتنقل البشرية نقلة نوعية من مرحلة إلى مرحلة؛ فما كان من "الوجدان الإنساني والمفاهيم العقلية والقيم البشرية" قبل الإسلام وبعده أمران مختلفان! فقد ارتقى النوع الإنساني من حال الانحطاط والتدهور أسفل فأسفل، إلى حال التعالي والتسامي أعلى فأعلى. ولما أشرعت جيوش الإسلام في المشرق والمغرب أسنة رماحها، وأشهرت سيوفها، لم تخرج أشَرًا ولا بطرًا؛ بل ترسيخًا للقيم والمثل، ونشرًا للرحمة والنبل والتسامح؛ فلم تشع السيوف بشهوة المطامع، ولم تقعقع من أجل معارك جوفاء، بل لإعلاء كلمة الله، الذي أنزل علينا كتابًا يأمرنا فيه بإطلاق حرية الضمير، والتعايش مع هذه الحرية، بشرط توقير حرية المسلم ومعتقده.
فلم يزين لنا ديننا سفك الدماء بغريزة الحقد على الباطل، أو حتى الثأر من المعتدي. ومشهورٌ ذاك الخيار (متى لزم القتال) بالإسلام، ليخلّي إرادة الإنسان حين تقبله القلوب بفطرتها؛ أو بالجزية، إقرارًا لتوقير هذا الدين الذي يطلق العدل من عقالاته؛ أو القتال حتى لا تكون فتنة تمسك بتلابيب الضمائر البشرية.
إذن القتال في الإسلام ينبض بنبضات حرية الضمير وانطلاق العدل وضمان المعتقدات على نقيض ما شهدت البشرية في الحروب، وحتى في هذا العصر الموصوف بالتنوير!
ديننا لا ينهانا عن أن نَبَرَّ من لم يقاتلنا -فيكون قد قاتل العقل والحرية والقيم الإنسانية- وإن كان مشركًا. فغاية ما يريده المسلم أن يُوَقَّر هذا الدين، ويُوَقَّر إيمانه، وحريته في الدعوة إليه. هذا هو شرطه ليعايش الملل والنحل. ولا يقلقَنَّ غير المسلم على معتقداته، إذ يضمن المسلم شرط توقير دينه؛ ذلك بأن حقوق غير المسلم مكفولة في دينه بقواعد يتعبد بها المسلم ولا يملك دونه فكاكًا، على خلاف ما عند غيره! وإذ يسعى المؤمن لإعلاء كلمة الله وتوقير دينه، يملأ فراغًا لا يمتلكه غيره. فغيره مضمون بضمان دين المسلم، وليس العكس صحيحًا!
وضمان المسلم لحرية معتقدات الملل الأخرى محكوم بقواعد شرعية مرعية في الحرب والسلم. ومهما كان حكمه عقديًّا في تلك المعتقدات، فهو مأمور بالتعايش معها، والتسامح والوفاء والحسنى في الأخذ والعطاء وإقرار حرية العبادة حتى من موقع التحكم والقوة، وإن كان يرى بطلانها وشططها وزيغها. فالقوة والمكنة لا تبيح له التسلط على الضمائر والإكراه في الدين. والإسلام ضمان لذلك، وليس للمسلم في غير الإسلام ضمان لدينه. فمن هنا يتولد شرط توقير الإسلام، والسعي في ذلك بمختلف الوسائل.
وهذه الوثيقة التي تنشر بالعربية -لأول مرة حسب علمي- واحدة من الشواهد على ما قلتُه آنفًا. فهي عهد من محمد الفاتح لذميي "غَلَطَه". وغلطه حي على الضفة الشمالية لخليج القرن الذهبي في مواجهة أسوار إسطنبول القديمة، على مرمى حجر منها. ويقوم بين ضفتيها جسر في الموقع معروف. وهي التي ذكرت باسم (غلاطية) في رسالة بولص الرسول في العهد الجديد -السفر الرابع- الإصحاح السادس عشر. وكانت حائزة على أهمية تجارية وعسكرية منذ عهد البيزنطيين، فقد سوَّرها قسطنطين الأول (324-337م) بسورٍ. وسماها ثيويودرس الثاني (379-375م) بهذا الاسم نسبة إلى سكانها في أرجح الآراء.
وقد أقام الجَنَوِيّون برجها الشاخص حتى اليوم في عهد تباروس (578-582م). وتناوب الجَنَوِيّون والبنادقة الهيمنة على تجارتها وأسواقها. وكانت بينها وبين العثمانيين اتفاقات لتسهيل شئون التجارة قبل الفتح ومنذ سنة 1387م. وتدل المصادر على أن الجَنَوِيّين أرادوا حماية مصالحهم بلزوم الحياد، وأظهروا هذه الإرادة إبان فتح إسطنبول سنة 857هـ/1453م. ومن أجلها ضمنوا عهد الأمان هذا من السلطان محمد الفاتح.