التلوث المائي في مجاري الأنهار والمسطحات المائية
صاحب الربيعي - الباحث والخبير بشؤون المياه في الشرق الأوسط
الحوار المتمدن - العدد: 2733 - 2009 / 8 / 9 - المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر:
تتعرض معظم مصادر المياه للتلوث خاصة منها المسطحات المائية المكشوفة للعوامل الجوية وملوثاتها وكذلك لنشاطات الإنسان اللامسؤولة تجاه الطبيعة، كما أنها تعتبر منافذ لتصريف المياه المبتذلة خاصة في الدول التي ليست لها شواطئ على البحار. تعتبر البحار والمحيطات الحاضنة النهائية لمياه الصرف المتعددة، وبحكم استخدامها كمسارات للبواخر المتعددة الأغراض ( البضائع، ونقل النفط الخام... ) فإنها عرضة للمزيد من التلوث عند تعرض البواخر لحوادث الغرق أو الاصطدام فتحدث الكوارث البيئية التي تؤثر بشكل سلبي على الأحياء المائية. لمزيد في البحث عن مسببات تلوث المصادر المائية في العالم، نطرق المحاور أدناه :
أولاً- تلوث المسطحات المائية :
إن المسطحات المائية خاصة منها مجاري الأنهار والبحيرات أكثر عرضة للتلوث من مصادر المياه الأخرى لأنها على تماس مباشر مع النشاطات المختلفة للإنسان تحديداً منها الزراعية والصناعية، فالقطاع الزراعي يعد من أكثر القطاعات الأخرى استهلاكاً للماء. وبالتالي فإن مياه صرفه ( بالضرورة ) تكون أكبر حيث لا تقتصر ملوثاتها على الأملاح المنحلة من التربة وإنما على ما تحمله من ملوثات ناتجة عن استخدام الأسمدة والمبيدات، ومياه الصرف للقطاع الصناعي تتسرب هي الأخرى إلى مجاري الأنهار.
ونظراً لسميتها العالية فإنها تسبب أمراض خطيرة للإنسان، وتعمل على الإساءة لمواصفات مياه مجاري الأنهار والمسطحات المائية الأخرى. كما تتأثر مياه المسطحات المائية بملوثات الانبعاثات الغازية الناتجة عن المصانع الكبرى التي تستخدم الوقود الاحفوري كأحد مولدات الطاقة لتشغيلها. وتلك الملوثات تساهم ( بشكل غير مباشر ) في التلوث من خلال تفاعلها في الجو مع مياه الأمطار وهطولها بشكل أمطار حامضية تسيء للمواصفات الفيزيائية والكيميائية لمياه المسطحات المائية خاصة منها البحيرات التي نسبة تجدد مياهها ضعيفة مما يخفض من قدرتها على التنقية الذاتية للمياه. ولمناقشة أعمق في دور مياه الصرف الزراعي والأمطار الحامضية في التلوث المائي، نبحث في :
1- مياه الصرف الزراعي :
تشمل مخلفات جميع الأنشطة الزراعية أو المواد الصلبة العالقة في مياه الصرف الزراعي والزائدة عن حاجة النبات، وتقسم من حيث تسربها لعدة أقسام منها ما يتسرب نحو أعماق التربة ليصل إلى الخزانات الجوفية، ويتعلق ذلك بحجم المياه المتسربة وبنوع التربة ( رملية، طينية كتيمة، ومسامية.. ). والقسم الآخر يأخذ طريقه عبر مصارف البزل ويتعلق حجمه بنوع مصارف البزل ( سعتها، ميلها، تصريفها، مبطنة أو غير مبطنة... ) والقسم الأخير من مياه الصرف الزراعي، يأخذ طريقه مباشرة نحو قنوات الري ليتسرب نحو مجاري الأنهار والبحيرات والبحار.
تتعلق نسبة التلوث في مياه الصرف الزراعي بحجم النشاط الزراعي، ومتطلباته وسعة الرقعة الزراعية وفعالية قنوات الري والصرف. وإن طرق الري المتبعة في النشاطات الزراعية تعتبر العنصر الأساس المتحكم بحجم مياه الري المستخدمة، فطريقة الري التقليدي ( بالغمر ) تستهلك نحو 12 ألف م3 / هكتار من المياه تبعاً لنوع النباتات المزروعة.
في حين أن طرق الري الحديثة ( الرش، والتنقيط ) لا يتجاوز استهلاكها المائي عن 7500 م3 / هكتار، وبالتالي فإن حجم المياه الفائضة عن حاجة النبات في كلا الطريقتين متباين. بالإضافة إلى ذلك فإن حجم الرقعة الزراعية ونسبة التكثيف الزراعي ( الإنتاجيين الأفقي والعمودي ) يحدد حجم المياه المستخدمة وحجم المخصبات الزراعية وكذلك حجم المبيدات الحشرية المستخدمة، وبالتالي فإن الكميات الفائضة ( الأسمدة، المبيدات ) عن حاجة النبات أو المتسربة عبر المياه إلى المصارف أو مجاري الأنهار هي التي تتحكم بنسب تلوث مياه الصرف الزراعي.
ويأخذ تسرب مياه الصرف الزراعي ثلاث اتجاهات : التسرب المباشر نحو مجاري الأنهار، والتسرب نحو أعماق التربة إلى الخزانات الجوفية، والتسرب نحو المصارف الزراعية ( المبازل ) لتلقى في مجاري الأنهار أو البحيرات أو البحار والمحيطات. وتختلف تأثيرات التلوث المائي لمياه الصرف الزراعي باختلاف اتجاهات التصريف، فعند صرفها في مجاري الأنهار مباشرة فإنها تسبب تلوثها ويتعلق ذلك بحجم تدفق مياه النهر وطول المجرى ( أو مساحة البحيرة ) وحجم المياه المصروفة فإن كانت متناسبة وفقاً لحسابات التنقية الذاتية حيث أن المجرى المائي قادر على استيعاب تلوث مياه الصرف الزراعي والعمل على تنقيتها من الملوثات ذاتياً دون أن تتأثر نوعية مياه المجرى المائي وعلى خلافه فإن المجرى المائي يصبح ملوثاً.
في حين أن اتجاه التصريف لمياه الصرف الزراعي نحو أعماق الأرض إلى الخزانات الجوفية متعلق بنوع التربة ونفاذيتها وقدرتها على التنقية وحجم الغطاء النباتي وحجم وكمية المياه في الخزان الجوفي وطبيعته الطبوغرافية ومكونات صخوره وقابلية عناصرها على الذوبان في الماء. والاتجاه الأخير للتسرب لمياه الصرف الزراعي نحو البحار والمحيطات فإن تأثيراته الملوثة تبقى الأقل تأثيراً نتيجة قدرة البحار الذاتية على التنقية تعتبر عالية جداً قياساً بحجم مياه الصرف الزراعي المتسرب إليها.
ولكن عند النظر لإجمال مياه الصرف الزراعي المتسربة نحو البحار والمحيطات وما تحمله من ملوثات سامة فإن تأثيراتها السلبية على الأحياء المائية خاصة عند الشواطئ والمياه الضحلة تبدو مقلقة. ويترافق ذلك مع ذلك ما يطلق عليه بالتكامل الاقتصادي في الزراعة ( الإنتاج الزراعي والحيواني ) حيث أن مخلفات الحيوانات المتسرب مع مياه الصرف الزراعي تسبب تلوثاً إضافياً عند تسربها نحو مجاري الأنهار أو البحيرات أو الخزانات الجوفية أو البحار والمحيطات.