[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مصر صدفة جيولوجية
رشدى سعيد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
العالم الجيولوجى الدكتور رشدى سعيد (88 عاما) يحفظ تضاريس مصر عن ظهر قلب، يستخدم هذه المعرفة كحكيم فرعونى، يقدم لك تفسيرا لعبقرية المكان، وتصورا لكيفية الاستفادة من المواد بما يلاءم الواقع، لكنه كصوت صارخ فى البرية، لا يسمع له أحد فى زمن الفوضى.
خلال زيارته لمصر حل الدكتور سعيد ضيفا على جريدة «الشروق». اللقاء الذى استمر لقرابة 3 ساعات وتحدث فيه سعيد عن ملايين السنين من عمر أرض مصر مر سريعا. فكعادته كان لديه دائما ما يدهش الحاضرين.
إذا كانت مصر من وجهة نظر هيردوت هى «هبة النيل» فهى من وجهة نظر سعيد «صدفة جيولوجية» فلولا الصدفة ما كان لمصر وجود، فنهر النيل كان يفترض أن ينتهى فى شمال السودان، لولا أنه وجد له مجرى حفر بواسطة المياه الغزيرة التى هطلت على جبال البحر الأحمر.
كرر سعيد طرح تصوره بتعمير الصحراء من خلال نقل الكتلة السكانية إلى الساحل الشمالى وتخفيف العبء عن الوادى، وانتقد كالعادة مشروع توشكى وقال: إن فيه إهدارا للموارد المائية، ولا تستفيد منه مصر حيث حصل بضعة مستثمرين أجانب على الأرض، أصبحوا يستهلكون 10% من مياه مصر وفى المقابل لا تستفيد مصر لأنهم يعتمدون فى الزراعة على الميكنة فلا يشغلون عمالة كثيفة.
< ماذا سيحدث لو ضربت إسرائيل السد العالى بقنبلة نووية خاصة أن وزير الخارجية الإسرائيلى الحالى صرح عن هذه النية منذ فترة؟
ــ هذا ضرب من الجنون ولا يمكن أن تقدم أى دولة على فعل ذلك لأسباب متعددة، أهمها أن استخدام القنابل الذرية فى الحروب ليس مقبولا عالميا، خصوصا أن ضرب السد العالى يؤدى إلى قتل الأخضر واليابس فى مصر، ولا يمكن أن يكون هدف أى دولة حتى لو كانت إسرائيل قتل كل شىء فى مصر.
< هل غرق مدن جنوب أوروبا يمنع إسرائيل من الإقدام على ضرب السد العالى؟
ــ ضرب السد العالى لا يؤدى إلى غرق مدن جنوب أوروبا، وإسرائيل تستطيع الإضرار بنا بطرق آخرى غير ضرب السد العالى، فالحال المتدهور الذى تعانى منه مصر الآن مستمر برضاء إسرائيل، فهى راضية عن واقع مصر الحالى ولا ترغب فى تحسين أوضاع مصر. ولكن هناك مسألة أخرى تتعلق بموقف مصر كدولة طاردة للسكان، وهذا ليس فى صالح أوروبا لأن هذا معناه أن زيادة الهجرة إلى أوروبا بما فيها الهجرة غير الشرعية، مما يتسبب فى نقل بشر غير مستعدين للدخول فى الحضارة الأوروبية، والسؤال هو هل أوروبا ستتقبل هذه الهجرات أم أنها ستلجأ إلى عمل مذبحة؟ لا أحد يعرف الإجابة حتى الآن.
< ما مستقبل السد العالى؟
عندما بدأنا فى بناء السد العالى كنت متخيلا أن الطمى سيملأ الخزان بعد 120 سنة ولكننى اكتشفت عدم صحة توقعاتى لأننى لم أكن ملما وقتها بجميع العوامل المؤثرة، فلم أكن أعرف أن الطمى يتجمع عند وادى حلفا ويتراكم هناك ولا يأتى إلى مصر، كما أن بناء خزان مروى حمى مصر، فالإطماء فى الأراضى السودانية ارتفع إلى20 مترا أما فى مصر فهو أقل كثيرا ولا يمكن التنبؤ فى العلم بأكثر من مائة سنة.
مصر صدفة جيولوجية:
والحقيقة أن نهر النيل كان الأصول أن ينتهى عند وادى حلفا لولا ظروف جيولوجية معينة أتت بنهر النيل إلى مصر، لذلك أحب أن أسمى مصر «صدفة جيولوجية» من 6 ملايين سنة ارتفع مضيق جبل طارق فانفصل البحر الأبيض المتوسط عن المحيط العالمى، وتجمعت حوله مناطق جافة، فتبخرت مياه البحر حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط صحراء من الملح، والدليل أن الآبار التى حفرت فى البحر الأبيض المتوسط كان سمك الواحد منها 2000 متر من الملح فى إطار دراسة ممولة من مؤسسة العلوم الوطنية فى أمريكا فى سبعينيات القرن الماضى، وبعدما تبخرت المياه اتجهت إلى جبال البحر الأحمر التى كان ارتفاعها أكثر من 1500 متر أى أعلى كثيرا مما هى عليه الآن، فنزلت أمطار انحدرت من جبال البحر الأحمر وشقت مجرى النهر حتى وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط، وتسببت فى وجود وديان، فكل الوديان الجافة فى مصر مثل الوادى الأسيوطى حفرت فى ذلك الوقت، هذه المياه حفرت خانقا عظيما جدا وصل عمقه فى شمال الدلتا 2.5 كيلو متر، وعندما جاءت مياه النهر من الجنوب وجدت هذا الخانق فتدفقت حتى وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط وكان ذلك هو ما أطلق عليه «فجر النيل»، وعادت المياه مرة أخرى للبحر الأبيض المتوسط بسبب انكسار فى مضيق جبل طارق فانطلقت فى الخانق وكونت خليجا بحريا وصل حتى أسوان، وظل النهر يصد فى الخليج ويردم الرواسب فيه ويردمه حتى الشمال، وكان ذلك أكبر ردم فى العصر القديم، فقصة نهر النيل طويلة وجميلة جدا، فعمر نهر النيل 12 ألف سنة فقط، فى العصر المطير قبل 7000 سنة كان نهر النيل يحمل 200 مليار متر مكعب، الآن أصبح يحمل 84 مليار متر مكعب فقط.
< هل يمكن زيادة حصة مصر من المياه دون أن يتعرض جسم السد العالى للخطر؟
ــ القدرة التخزينية للسد العالى 15 مليار متر مكعب، لذلك أى مياه زائدة نلقيها فى المفيض ولا يمكن تخزينها، والمفترض أن تسخدمها مصر وفقا لاتفاقية 1959 التى تتضمن بندا يسمح لمصر باستخدام ما زاد على المتوسط من المياه لأنه فى هذه الحالة يعتبر ملكا لها، فالتصميم الأصلى للسد العالى كان فيه مفيضا من جنوب أسوان إلى شمال أسوان، حتى ترجع المياه الزائدة إلى مصر لكن الواقع أثبت أنه من الصعب إدخال المياه لمصر بعد بناء السد العالى، لأن السد جعل كمية المياه التى تدخل مصر محدودة بحوالى 275 مليون متر مكعب مياه، وإذا زادت المياه على هذه الكمية تكون خطرا لأنها غير محملة بالطمى، وبالتالى طاقتها عالية يمكن أن تحطم الكبارى والقناطر وتنحت الأرض، لذلك لا يمكن إدخال كميات أكبر من المياه إلى نهر النيل. وبعد بناء سد مروى 12 مليار متر مكعب من مياه مصر ذهبت للسودان وفقا للاتفاقية المبرمة بين مصر والسودان، وبالتالى لا يمكن أن نزيد فى المياه ولكن المهم أن نحافظ على الكمية التى تصلنا. جميع دول حوض النيل غير موافقة على اتفاقية مصر والسودان لأنها ترى أن مصر تأخذ أكثر من حقها من المياه.
< لماذا ترفض إثيوبيا وأوغندا التوقيع على الاتفاقية الجديدة( مبادرة حوض النيل)؟
ــ ترفض أثيوبيا وأوغندا الاتفاقية القديمة المتعلقة بنهر النيل رفضا كليا، بريطانيا كانت تنظم هذه المسألة مع دول حوض النيل، فلم يكن من حق أى دولة أفريقية المساس بمياه النيل إلا بعد استئذان مصر، لكن هذه الدولة أعلنت فى الساعة الأولى من استقلالها رفضها التام لهذه الاتفاقية. مع أن الاتحاد الأفريقى كان موافقا على استمرارية الاتفاقيات التى قام بها المستعمر، لأنه كان يدرك أهمية هذه الاتفاقيات خاصة تلك التى تتعلق بتحديد حدود الدول الأفريقية، ومع ذلك أعلنت كينيا وتنزانيا وأوغندا أنها غير ملتزمة بهذه الاتفاقيات وأعلنت أن لها الحق فى استخدام مواردها الطبيعية لكن وقتها لم تفعل أى شىء لأنها لا تملك الأموال اللازمة لاستثمار مواردها.
< كيف يمكن أن تحافظ مصر على حصتها من مياه نهر النيل؟
ــ مصر بلد به كثافة سكانية عالية وليس لديه مصادر أخرى للمياه، فلا توجد أمطار ولا أنهار أخرى ولا آبار جوفية، ووزارة الرى فى مصر لديها قسم مختص ببحث ودراسة المصادر المائية الأخرى لدول حوض النيل، فأثيوبيا مثلا لها مصادر مياه أخرى، ولكن لأن نهر النيل ينبع من عندها وصل الأمر إلى أن وزير الخارجية الأثيوبى صرح تصريحا ظريفا جدا هو أن «مصر هبة أثيوبيا» رافضا العبارة الخالدة لهيرودوت «مصر هبة النيل»، إلا أن قيام أثيوبيا بمشروعات ضخمة تؤثر على حصة مصر من المياه أمر يكاد يكون مستحيلا نظرا لطبيعة الهضبة الأثيوبية كما أن المشروعات مكلفة ماديا وزراعة الأراضى الأثيوبية لن تعوض هذه الاستثمارات ولكن يمكن أن تقوم أثيوبيا بإقامة خزانات فى البحيرة، أما منطقة النيل الأزرق فأثيوبيا نفسها ليس لها سيطرة عليها، فلا تزال بعض القبائل والأحراش مسيطرة عليها.
< العالم الآن يتحدث عن التغيرات المناخية واحتمالات غرق الدلتا، فهل ترى أننا فى مصر اتخذنا اللازم لتقليل الخسائر؟
ــ الإنسان يكون مغرورا جدا لو تخيل أنه يستطيع تغيير موازين الكون، كل ما استطاع الإنسان فعله هو إفساد البيئة، ففى تاريخ الأرض حدثت تغيرات مناخية عدة مرات، ما بين عام 1000 و2000 قبل الميلاد حدثت حادثتان هما الأشهر فيما يتعلق بالتغيرات المناخية، الحادثة الأولى هى أن الأرض شهدت فترة دفء وذاب الجليد وارتفع منسوب المياه وغرقت بحيرة المنزلة، فهذه البحيرة عمرها 900 سنة فقط، قبل ذلك كانت منطقة عامرة، ومقر تجارة الشام وتركيا ودول البحر الأبيض المتوسط، أما الحادثة الثانية كانت عام 1850 حيث شهدت الأرض عصر الجليد الصغير لمدة مائة عام، حيث تجمعت المياه وزحفت على الوديان ووصلت إلى سويسرا وانخفض منسوب البحر وكبرت مساحة مصر حيث اكتسبت جزءا من الأرض حتى إن الطوابى التى بناها الأتراك فى ذلك الوقت أصبحت الآن داخل مياه البحر.
لكن الحديث عن المتغيرات المناخية الآن ليس معناه أن كل التنبؤات ستتحقق لأن العلماء ليس لديهم جميع العوامل المؤثرة فى المناخ، وهذه التنبؤات قابلة للتغيير كلما توافرت معلومات أكثر، ولكن كل ما نعرفه الآن أن منسوب البحر يرتفع، ومن قراءة تاريخ الأرض يمكن توقع حدوث تغيرات مناخية فعلا، لذلك كان أجدادنا لا يشيدون مبانى على شواطئ البحر لأنهم كانوا يدركون أن البحر متقلب فيما عدا الإسكندرية لأنها موجودة على تبة عالية عن البحر، والصيادون كانوا يبنون بيوتهم من البوص على البحر حتى يمكن نقلها. والحقيقة أنه إذا ارتفع منسوب سطح البحر 10 سم فهذا يعنى أن جزءا صغيرا من الدلتا سيغرق، ولو ارتفع المنسوب مترا فهذا يعنى أن 40% من الدلتا سيغرق، ولكن أنا مطمئن على الإسكندرية فهى لن تغرق. والحل هو التوائم مع هذه المتغيرات لأننا لن نستطيع تغيرها لأننا لن نستطيع سد مضيق جبل طارق حتى نمنع غرق الدلتا.
< ما رأيك فى قرار وزير الرى ببيع المياه للمخالفين فى زراعة الأرز؟
ــ الزراعة المصرية فى أزمة، واللجوء إلى تسعير المياه معناه قتل الزراعة فى مصر، وأول المتضررين هم صغار الفلاحين الذين يبيعون منتجاتهم بأسعار زهيدة. الحكومة تتحجج بأن استهلاك المياه فى مصر غير رشيد ولابد من تسعير المياه وهذا ليس كلام الحكومة إنما كلام البنك الدولى وبورصة المياه العالمية التى تنادى بخصخصة مياه الأنهار، وهذا الكلام ضد الثقافة والاقتصاد والتاريخ المصرى، يكفى الفلاح المصرى ما يتحمله من أعباء مادية للحصول على التقاوى والأسمدة والطاقة وارتفاع أجور العمالة وإيجارات الأراضى بالإضافة إلى مشكلات التسويق التى يعانى منها الفلاح المصرى، الزراعات الكبيرة مثل دينا هى التى يحصل أصحابها مكاسب كبيرة لأنها تصنع وتنتج وتسوق.
مصر صدفة جيولوجية
رشدى سعيد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
العالم الجيولوجى الدكتور رشدى سعيد (88 عاما) يحفظ تضاريس مصر عن ظهر قلب، يستخدم هذه المعرفة كحكيم فرعونى، يقدم لك تفسيرا لعبقرية المكان، وتصورا لكيفية الاستفادة من المواد بما يلاءم الواقع، لكنه كصوت صارخ فى البرية، لا يسمع له أحد فى زمن الفوضى.
خلال زيارته لمصر حل الدكتور سعيد ضيفا على جريدة «الشروق». اللقاء الذى استمر لقرابة 3 ساعات وتحدث فيه سعيد عن ملايين السنين من عمر أرض مصر مر سريعا. فكعادته كان لديه دائما ما يدهش الحاضرين.
إذا كانت مصر من وجهة نظر هيردوت هى «هبة النيل» فهى من وجهة نظر سعيد «صدفة جيولوجية» فلولا الصدفة ما كان لمصر وجود، فنهر النيل كان يفترض أن ينتهى فى شمال السودان، لولا أنه وجد له مجرى حفر بواسطة المياه الغزيرة التى هطلت على جبال البحر الأحمر.
كرر سعيد طرح تصوره بتعمير الصحراء من خلال نقل الكتلة السكانية إلى الساحل الشمالى وتخفيف العبء عن الوادى، وانتقد كالعادة مشروع توشكى وقال: إن فيه إهدارا للموارد المائية، ولا تستفيد منه مصر حيث حصل بضعة مستثمرين أجانب على الأرض، أصبحوا يستهلكون 10% من مياه مصر وفى المقابل لا تستفيد مصر لأنهم يعتمدون فى الزراعة على الميكنة فلا يشغلون عمالة كثيفة.
< ماذا سيحدث لو ضربت إسرائيل السد العالى بقنبلة نووية خاصة أن وزير الخارجية الإسرائيلى الحالى صرح عن هذه النية منذ فترة؟
ــ هذا ضرب من الجنون ولا يمكن أن تقدم أى دولة على فعل ذلك لأسباب متعددة، أهمها أن استخدام القنابل الذرية فى الحروب ليس مقبولا عالميا، خصوصا أن ضرب السد العالى يؤدى إلى قتل الأخضر واليابس فى مصر، ولا يمكن أن يكون هدف أى دولة حتى لو كانت إسرائيل قتل كل شىء فى مصر.
< هل غرق مدن جنوب أوروبا يمنع إسرائيل من الإقدام على ضرب السد العالى؟
ــ ضرب السد العالى لا يؤدى إلى غرق مدن جنوب أوروبا، وإسرائيل تستطيع الإضرار بنا بطرق آخرى غير ضرب السد العالى، فالحال المتدهور الذى تعانى منه مصر الآن مستمر برضاء إسرائيل، فهى راضية عن واقع مصر الحالى ولا ترغب فى تحسين أوضاع مصر. ولكن هناك مسألة أخرى تتعلق بموقف مصر كدولة طاردة للسكان، وهذا ليس فى صالح أوروبا لأن هذا معناه أن زيادة الهجرة إلى أوروبا بما فيها الهجرة غير الشرعية، مما يتسبب فى نقل بشر غير مستعدين للدخول فى الحضارة الأوروبية، والسؤال هو هل أوروبا ستتقبل هذه الهجرات أم أنها ستلجأ إلى عمل مذبحة؟ لا أحد يعرف الإجابة حتى الآن.
< ما مستقبل السد العالى؟
عندما بدأنا فى بناء السد العالى كنت متخيلا أن الطمى سيملأ الخزان بعد 120 سنة ولكننى اكتشفت عدم صحة توقعاتى لأننى لم أكن ملما وقتها بجميع العوامل المؤثرة، فلم أكن أعرف أن الطمى يتجمع عند وادى حلفا ويتراكم هناك ولا يأتى إلى مصر، كما أن بناء خزان مروى حمى مصر، فالإطماء فى الأراضى السودانية ارتفع إلى20 مترا أما فى مصر فهو أقل كثيرا ولا يمكن التنبؤ فى العلم بأكثر من مائة سنة.
مصر صدفة جيولوجية:
والحقيقة أن نهر النيل كان الأصول أن ينتهى عند وادى حلفا لولا ظروف جيولوجية معينة أتت بنهر النيل إلى مصر، لذلك أحب أن أسمى مصر «صدفة جيولوجية» من 6 ملايين سنة ارتفع مضيق جبل طارق فانفصل البحر الأبيض المتوسط عن المحيط العالمى، وتجمعت حوله مناطق جافة، فتبخرت مياه البحر حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط صحراء من الملح، والدليل أن الآبار التى حفرت فى البحر الأبيض المتوسط كان سمك الواحد منها 2000 متر من الملح فى إطار دراسة ممولة من مؤسسة العلوم الوطنية فى أمريكا فى سبعينيات القرن الماضى، وبعدما تبخرت المياه اتجهت إلى جبال البحر الأحمر التى كان ارتفاعها أكثر من 1500 متر أى أعلى كثيرا مما هى عليه الآن، فنزلت أمطار انحدرت من جبال البحر الأحمر وشقت مجرى النهر حتى وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط، وتسببت فى وجود وديان، فكل الوديان الجافة فى مصر مثل الوادى الأسيوطى حفرت فى ذلك الوقت، هذه المياه حفرت خانقا عظيما جدا وصل عمقه فى شمال الدلتا 2.5 كيلو متر، وعندما جاءت مياه النهر من الجنوب وجدت هذا الخانق فتدفقت حتى وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط وكان ذلك هو ما أطلق عليه «فجر النيل»، وعادت المياه مرة أخرى للبحر الأبيض المتوسط بسبب انكسار فى مضيق جبل طارق فانطلقت فى الخانق وكونت خليجا بحريا وصل حتى أسوان، وظل النهر يصد فى الخليج ويردم الرواسب فيه ويردمه حتى الشمال، وكان ذلك أكبر ردم فى العصر القديم، فقصة نهر النيل طويلة وجميلة جدا، فعمر نهر النيل 12 ألف سنة فقط، فى العصر المطير قبل 7000 سنة كان نهر النيل يحمل 200 مليار متر مكعب، الآن أصبح يحمل 84 مليار متر مكعب فقط.
< هل يمكن زيادة حصة مصر من المياه دون أن يتعرض جسم السد العالى للخطر؟
ــ القدرة التخزينية للسد العالى 15 مليار متر مكعب، لذلك أى مياه زائدة نلقيها فى المفيض ولا يمكن تخزينها، والمفترض أن تسخدمها مصر وفقا لاتفاقية 1959 التى تتضمن بندا يسمح لمصر باستخدام ما زاد على المتوسط من المياه لأنه فى هذه الحالة يعتبر ملكا لها، فالتصميم الأصلى للسد العالى كان فيه مفيضا من جنوب أسوان إلى شمال أسوان، حتى ترجع المياه الزائدة إلى مصر لكن الواقع أثبت أنه من الصعب إدخال المياه لمصر بعد بناء السد العالى، لأن السد جعل كمية المياه التى تدخل مصر محدودة بحوالى 275 مليون متر مكعب مياه، وإذا زادت المياه على هذه الكمية تكون خطرا لأنها غير محملة بالطمى، وبالتالى طاقتها عالية يمكن أن تحطم الكبارى والقناطر وتنحت الأرض، لذلك لا يمكن إدخال كميات أكبر من المياه إلى نهر النيل. وبعد بناء سد مروى 12 مليار متر مكعب من مياه مصر ذهبت للسودان وفقا للاتفاقية المبرمة بين مصر والسودان، وبالتالى لا يمكن أن نزيد فى المياه ولكن المهم أن نحافظ على الكمية التى تصلنا. جميع دول حوض النيل غير موافقة على اتفاقية مصر والسودان لأنها ترى أن مصر تأخذ أكثر من حقها من المياه.
< لماذا ترفض إثيوبيا وأوغندا التوقيع على الاتفاقية الجديدة( مبادرة حوض النيل)؟
ــ ترفض أثيوبيا وأوغندا الاتفاقية القديمة المتعلقة بنهر النيل رفضا كليا، بريطانيا كانت تنظم هذه المسألة مع دول حوض النيل، فلم يكن من حق أى دولة أفريقية المساس بمياه النيل إلا بعد استئذان مصر، لكن هذه الدولة أعلنت فى الساعة الأولى من استقلالها رفضها التام لهذه الاتفاقية. مع أن الاتحاد الأفريقى كان موافقا على استمرارية الاتفاقيات التى قام بها المستعمر، لأنه كان يدرك أهمية هذه الاتفاقيات خاصة تلك التى تتعلق بتحديد حدود الدول الأفريقية، ومع ذلك أعلنت كينيا وتنزانيا وأوغندا أنها غير ملتزمة بهذه الاتفاقيات وأعلنت أن لها الحق فى استخدام مواردها الطبيعية لكن وقتها لم تفعل أى شىء لأنها لا تملك الأموال اللازمة لاستثمار مواردها.
< كيف يمكن أن تحافظ مصر على حصتها من مياه نهر النيل؟
ــ مصر بلد به كثافة سكانية عالية وليس لديه مصادر أخرى للمياه، فلا توجد أمطار ولا أنهار أخرى ولا آبار جوفية، ووزارة الرى فى مصر لديها قسم مختص ببحث ودراسة المصادر المائية الأخرى لدول حوض النيل، فأثيوبيا مثلا لها مصادر مياه أخرى، ولكن لأن نهر النيل ينبع من عندها وصل الأمر إلى أن وزير الخارجية الأثيوبى صرح تصريحا ظريفا جدا هو أن «مصر هبة أثيوبيا» رافضا العبارة الخالدة لهيرودوت «مصر هبة النيل»، إلا أن قيام أثيوبيا بمشروعات ضخمة تؤثر على حصة مصر من المياه أمر يكاد يكون مستحيلا نظرا لطبيعة الهضبة الأثيوبية كما أن المشروعات مكلفة ماديا وزراعة الأراضى الأثيوبية لن تعوض هذه الاستثمارات ولكن يمكن أن تقوم أثيوبيا بإقامة خزانات فى البحيرة، أما منطقة النيل الأزرق فأثيوبيا نفسها ليس لها سيطرة عليها، فلا تزال بعض القبائل والأحراش مسيطرة عليها.
< العالم الآن يتحدث عن التغيرات المناخية واحتمالات غرق الدلتا، فهل ترى أننا فى مصر اتخذنا اللازم لتقليل الخسائر؟
ــ الإنسان يكون مغرورا جدا لو تخيل أنه يستطيع تغيير موازين الكون، كل ما استطاع الإنسان فعله هو إفساد البيئة، ففى تاريخ الأرض حدثت تغيرات مناخية عدة مرات، ما بين عام 1000 و2000 قبل الميلاد حدثت حادثتان هما الأشهر فيما يتعلق بالتغيرات المناخية، الحادثة الأولى هى أن الأرض شهدت فترة دفء وذاب الجليد وارتفع منسوب المياه وغرقت بحيرة المنزلة، فهذه البحيرة عمرها 900 سنة فقط، قبل ذلك كانت منطقة عامرة، ومقر تجارة الشام وتركيا ودول البحر الأبيض المتوسط، أما الحادثة الثانية كانت عام 1850 حيث شهدت الأرض عصر الجليد الصغير لمدة مائة عام، حيث تجمعت المياه وزحفت على الوديان ووصلت إلى سويسرا وانخفض منسوب البحر وكبرت مساحة مصر حيث اكتسبت جزءا من الأرض حتى إن الطوابى التى بناها الأتراك فى ذلك الوقت أصبحت الآن داخل مياه البحر.
لكن الحديث عن المتغيرات المناخية الآن ليس معناه أن كل التنبؤات ستتحقق لأن العلماء ليس لديهم جميع العوامل المؤثرة فى المناخ، وهذه التنبؤات قابلة للتغيير كلما توافرت معلومات أكثر، ولكن كل ما نعرفه الآن أن منسوب البحر يرتفع، ومن قراءة تاريخ الأرض يمكن توقع حدوث تغيرات مناخية فعلا، لذلك كان أجدادنا لا يشيدون مبانى على شواطئ البحر لأنهم كانوا يدركون أن البحر متقلب فيما عدا الإسكندرية لأنها موجودة على تبة عالية عن البحر، والصيادون كانوا يبنون بيوتهم من البوص على البحر حتى يمكن نقلها. والحقيقة أنه إذا ارتفع منسوب سطح البحر 10 سم فهذا يعنى أن جزءا صغيرا من الدلتا سيغرق، ولو ارتفع المنسوب مترا فهذا يعنى أن 40% من الدلتا سيغرق، ولكن أنا مطمئن على الإسكندرية فهى لن تغرق. والحل هو التوائم مع هذه المتغيرات لأننا لن نستطيع تغيرها لأننا لن نستطيع سد مضيق جبل طارق حتى نمنع غرق الدلتا.
< ما رأيك فى قرار وزير الرى ببيع المياه للمخالفين فى زراعة الأرز؟
ــ الزراعة المصرية فى أزمة، واللجوء إلى تسعير المياه معناه قتل الزراعة فى مصر، وأول المتضررين هم صغار الفلاحين الذين يبيعون منتجاتهم بأسعار زهيدة. الحكومة تتحجج بأن استهلاك المياه فى مصر غير رشيد ولابد من تسعير المياه وهذا ليس كلام الحكومة إنما كلام البنك الدولى وبورصة المياه العالمية التى تنادى بخصخصة مياه الأنهار، وهذا الكلام ضد الثقافة والاقتصاد والتاريخ المصرى، يكفى الفلاح المصرى ما يتحمله من أعباء مادية للحصول على التقاوى والأسمدة والطاقة وارتفاع أجور العمالة وإيجارات الأراضى بالإضافة إلى مشكلات التسويق التى يعانى منها الفلاح المصرى، الزراعات الكبيرة مثل دينا هى التى يحصل أصحابها مكاسب كبيرة لأنها تصنع وتنتج وتسوق.