[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
"المدن المترهلة" وتداعيات الانفجار السكاني في المراكز الحضرية
نيكولا ريتزناس : مدير "مركز الدراسات الإسكانية" بجامعة هارفارد
- جريدة الإتحاد الإماراتية - وجهات نظر - آفاق - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" الثلاثاء 06 مارس 2007 :
لقد بلغ العالم حداً مفرطاً من التحول الحضري. ويشير عام 2007 إلى أول بداية لانتقال ما يزيد على نصف البشرية إلى المناطق الحضرية وليس الريفية. ولذلك فقد أصبح عصرنا الحالي عصر المدينة المترهلة، التي يبدأ تعدادها السكاني من 10 ملايين نسمة فما فوق. يذكر أن مدينتي نيويورك وطوكيو، كانتا المدينتان الوحيدتان اللتان بلغ تعدادهما السكاني رقماً مقارباً للعشرة ملايين نسمة في عام 1950. أما اليوم فهناك عشرون مدينة على الأقل بهذه الكثافة السكانية في مختلف أنحاء العالم، منها مدن مكسيكو وكراتشي ومانيلا ودكا ولاغوس وجاكرتا وتشونجنج.
والشاهد أن لهذا الانفجار السكاني الحضري الحالي، شواهد وسوابق تاريخية ، فخلال الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، بلغ التركيز السكاني في المدن الأميركية والأوروبية حداً جعل منه جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الصناعي. غير أن ذلك التقدم التكنولوجي الاقتصادي جاء مصحوباً بثمن كارثي وفادح، وجر معه عقوداً من الخرابات السكنية، ومعدلات مهولة لوفيات الأطفال، ومستويات من الفقر المدقع لا يمكن تصورها في عالم الخيال، إضافة إلى موجات من الأوبئة والأمراض. وفي ذلك الوقت، كانت المدن أكبر بحوالى عشر مرات مما كانت عليه من قبل، بينما كان الطلب على العمالة مشكوكاً فيه. ووسط كل هذا فما أفدح الخسارة! وعلى العموم، فربما يبدو هذا التحول الحضري الهائل، مؤشراً على التحديث في عيون المتفائلين. وعليه فإن المرجح أن ينتقل المزيد من سكان الدول المتقدمة من الريف للعيش والسكن في المناطق الحضرية، بمعدل أكبر بكثير من أقرانهم في الدول النامية. وبلغة الأرقام، يمكن الإشارة إلى هذا الفارق بنسبة 74 إلى 43 في المئة. وكما نعلم فإن المدينة هي محور النشاط الثقافي. أي أنها المكان الذي يمكِّن المبدعين من أن يبدعوا ويمارسوا شتى مواهبهم وهواياتهم. وعادة ما تنتشر في المدن الكبيرة. إلى ذلك فإن المدينة هي وبالقدر ذاته، مركز للنشاط التجاري الصناعي، وعادة ما تسهم بالنصيب الأكبر من الناتج القومي الإجمالي للدول. وفوق ذلك والأهم منه، أن المدينة عموماً تعد مركزاً للفكر والاستنارة.
وكما نعرف فإن اختلاط شتى الأطياف والمشارب الثقافية لسكان المدن وتفاعلهم مع بعضهم بعضاً، عادة ما يدفع الناس إلى الخلق والابتكار، اللذين يشكلان الوقود المحرك لكافة المجتمعات الحية المزدهرة.
غير أن المعروف تاريخياً عن التحول الحضري أنه يتمخض عن طبقات اجتماعية مفقرة معدمة ومسحوقة من العاطلين عن العمل. وبالطبع فإن هذه الطبقات تعيش في حالة من اليأس والإحباط المُطبقين. وتأكيداً لهذه الحقيقة، فما عليك إلا أن تعود بذاكرتك إلى وصف الكاتب الإنجليزي "تشارلس ديكنز" لمدينة لندن في القرن التاسع عشر. أو ما عليك إلا أن تقرأ ما كتبه "كارل ماركس" عما أسماه بـ"البروليتاريا الرثة" التي تعيش حد الفاقة والكفاف. كما يؤكد التاريخ أيضاً تفشي أوبئة الكوليرا والتيفوئيد والأنفلونزا بين سكان المدن والمراكز الحضرية، طوال الفترة الممتدة من أواسط القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين.
"المدن المترهلة" وتداعيات الانفجار السكاني في المراكز الحضرية
نيكولا ريتزناس : مدير "مركز الدراسات الإسكانية" بجامعة هارفارد
- جريدة الإتحاد الإماراتية - وجهات نظر - آفاق - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" الثلاثاء 06 مارس 2007 :
لقد بلغ العالم حداً مفرطاً من التحول الحضري. ويشير عام 2007 إلى أول بداية لانتقال ما يزيد على نصف البشرية إلى المناطق الحضرية وليس الريفية. ولذلك فقد أصبح عصرنا الحالي عصر المدينة المترهلة، التي يبدأ تعدادها السكاني من 10 ملايين نسمة فما فوق. يذكر أن مدينتي نيويورك وطوكيو، كانتا المدينتان الوحيدتان اللتان بلغ تعدادهما السكاني رقماً مقارباً للعشرة ملايين نسمة في عام 1950. أما اليوم فهناك عشرون مدينة على الأقل بهذه الكثافة السكانية في مختلف أنحاء العالم، منها مدن مكسيكو وكراتشي ومانيلا ودكا ولاغوس وجاكرتا وتشونجنج.
والشاهد أن لهذا الانفجار السكاني الحضري الحالي، شواهد وسوابق تاريخية ، فخلال الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، بلغ التركيز السكاني في المدن الأميركية والأوروبية حداً جعل منه جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الصناعي. غير أن ذلك التقدم التكنولوجي الاقتصادي جاء مصحوباً بثمن كارثي وفادح، وجر معه عقوداً من الخرابات السكنية، ومعدلات مهولة لوفيات الأطفال، ومستويات من الفقر المدقع لا يمكن تصورها في عالم الخيال، إضافة إلى موجات من الأوبئة والأمراض. وفي ذلك الوقت، كانت المدن أكبر بحوالى عشر مرات مما كانت عليه من قبل، بينما كان الطلب على العمالة مشكوكاً فيه. ووسط كل هذا فما أفدح الخسارة! وعلى العموم، فربما يبدو هذا التحول الحضري الهائل، مؤشراً على التحديث في عيون المتفائلين. وعليه فإن المرجح أن ينتقل المزيد من سكان الدول المتقدمة من الريف للعيش والسكن في المناطق الحضرية، بمعدل أكبر بكثير من أقرانهم في الدول النامية. وبلغة الأرقام، يمكن الإشارة إلى هذا الفارق بنسبة 74 إلى 43 في المئة. وكما نعلم فإن المدينة هي محور النشاط الثقافي. أي أنها المكان الذي يمكِّن المبدعين من أن يبدعوا ويمارسوا شتى مواهبهم وهواياتهم. وعادة ما تنتشر في المدن الكبيرة. إلى ذلك فإن المدينة هي وبالقدر ذاته، مركز للنشاط التجاري الصناعي، وعادة ما تسهم بالنصيب الأكبر من الناتج القومي الإجمالي للدول. وفوق ذلك والأهم منه، أن المدينة عموماً تعد مركزاً للفكر والاستنارة.
وكما نعرف فإن اختلاط شتى الأطياف والمشارب الثقافية لسكان المدن وتفاعلهم مع بعضهم بعضاً، عادة ما يدفع الناس إلى الخلق والابتكار، اللذين يشكلان الوقود المحرك لكافة المجتمعات الحية المزدهرة.
غير أن المعروف تاريخياً عن التحول الحضري أنه يتمخض عن طبقات اجتماعية مفقرة معدمة ومسحوقة من العاطلين عن العمل. وبالطبع فإن هذه الطبقات تعيش في حالة من اليأس والإحباط المُطبقين. وتأكيداً لهذه الحقيقة، فما عليك إلا أن تعود بذاكرتك إلى وصف الكاتب الإنجليزي "تشارلس ديكنز" لمدينة لندن في القرن التاسع عشر. أو ما عليك إلا أن تقرأ ما كتبه "كارل ماركس" عما أسماه بـ"البروليتاريا الرثة" التي تعيش حد الفاقة والكفاف. كما يؤكد التاريخ أيضاً تفشي أوبئة الكوليرا والتيفوئيد والأنفلونزا بين سكان المدن والمراكز الحضرية، طوال الفترة الممتدة من أواسط القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين.