من طرف Admin الإثنين يونيو 20 2011, 10:04
النهضة الأوروبية :
خلال عصر النهضة قام عدد كبير من العلماء والفنانين الأوروبيين ـ في إيطاليا خاصة ـ بدراسة علوم بلاد اليونان وروما القديمة وفنونهما حيث أراد هؤلاء بعث روح الثقافتين الإغريقية والرومانية في أعمالهم الفنية والأدبية والفلسفية. وكانت هاتين الثقافتين تعرفان غالبًا بالتراث الكلاسيكي. وكان أول من اهتم بها العرب، خاصة في مجال العلوم، كما كانت مثل هذه المعارف قد أصبحت مفقودة في أوروبا؛ لذلك كان الإسهام العربي الكبير في نقل أغلب إنجازات الإغريق والرومان وما أضافوه من المخترعات والعلوم هو الأساس الذي فجر النهضة في أوروبا، وكان عصر النهضة بعثًا لهذه الثقافات، ولذلك يعرف أيضًا بأنه إحياء للتراث القديمة أو إحياء المعرفة.
ومن بين أهم مظاهر هذه النهضة نجد :
1- حركة إحياء التراث:
وهي محاولة العودة إلى التراث اليوناني والروماني لدراسته والتعرف على ما فيه من علم ومعرفة ظهرت في, وتعتبر هذه الحركة من أبرز وربما من أول المظاهر عصر الانبعاث. وقد القرنين الأخيرين من القرون الوسطى 1300م – 1500م عندما أخد المثقفون في المدن يهتمون بالبحث عن المخطوطات اليونانية واللاتينية وجمعها ودراستها وساهم بعض النبلاء ورجال المال و أساتذة الجامعات ورجال الدين في تشجيع هذه الحركة. وهاجر الكثير من الايطاليين إلى القسطنطينية للبحث عن تلك المخطوطات ولدراسة اللغة اليونانية والتعمق في فنونها وقواعدها. وكان أشهر هؤلاء الايطالي فيليلفو
(1398م– 1481م) الذي أصبح من أبرز علماء اليونانية في عصره. كما نشطت حركة الترجمة, فترجمت الكثير من مؤلفات أفلاطون وأرسطو وسقراط.
2- الحركة الإنسية:
ارتبطت الحركة الإنسانية بإحياء التراث وقد أطلق اسم الإنسانيين على هذه الحركة لأن المعنيين بها كانوا يهتمون بدراسة الإنسان نفسه وهو أمر جديد, ذلك أن العصور الوسطى تناست إنسانية الإنسان واهتمت بروحه فقط وبعلاقته بالخالق واليوم الأخر. ولقد ظهرت حركة الإنسانيين لأول مرة في إيطاليا ومنها انتشرت إلى المدن الأوروبية الأخرى خاصة المدن الفرنسية والألمانية والهولندية.
ويعتبر فرانسيسكو بترارك من أوائل إنسانيي عصر النهضة. حيث كشف في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي النقاب عن عدد كبير من المخطوطات القديمة المهمة التي كانت مهملة منذ زمن بعيد. فقد اكتشف أعظم هذه الأعمال تأثيرًا، ألا وهي رسائل إلى آتيكوس. وهي مجموعة من الرسائل حول الحياة السياسية الرومانية كتبها السياسي والخطيب ماركوس توليوس شيشرون.
كما يعتبر الهولندي إيرازم كذلك من أشهر من مثل الفكر الإنسي حيث استطاع التوفيق بين الفلسفة القديمة والأخلاق المسيحية, وقضى حياته متنقلا بين الدول الأوروبية يدرس ويناقش, وفي سنة 1511م نشر كتابه "مدح الجنون" ينتقد فيه المجتمع الإقطاعي وينادي بالإصلاح ولقد ترجمته إلى اللاتينية ولقي تحقيقه لكتاب العهد الجديد قبولا كبيرا، ورغم تنديد ايرازم لتجاوزات رجال الكنيسة ظل وفيا للبابوية.
3- النهضة الفنية :
انعكست حركة إحياء التراث بشكل واضح في النهضة الفنية التي تجلت من خلالها معاني الفنون الجميلة، حيث أن الحركة الفنية كانت موجودة في أوربا منذ مطلع القرن الثاني عشر للميلاد، إلا أن الذي يميز النهضة الفنية هو أن فن العمارة والنحت والرسم بالذات بدأ يأخذ 4اتجاهات جديدة بحكم تأثير موجة إحياء التراث، يضاف إلى هذا أن النهضة الفنية أكدت على الإنسان من خلال النحث والرسم.
ولعبت المدن الايطالية دورا هاما في تقدم الفنون لأنها كانت مراكز الحياة الفنية، وكانت روما بطبيعتها على رأس المدن الايطالية التي احتضنت الفن والفنانين، وقد ساعد بعض الباباوات على ازدهار النهضة الفنية بروما وشيدت بها في هذه الفترة مجموعة من الكنائس كنيسة القديس بطرس التي تعاقب على تزيينها وزخرفتها كبار المعماريين والرسامين والنحاتين.
ولم تقتصر رعاية الفنون على روما بل انتشرت في جميع المدن الأوربية، ويمكن اعتبار فن العمارة والنحت والرسم الأساس الذي ارتكزت عليه النهضة الفنية في أوروبا:
أ- فن العمارة :
يعتبر برونلسكي من أبرز معماري عصر النهضة في ايطاليا، فقد درس فنون العمارة الرومانية القديمة وخصوصا عمارة المسارح والمعابد، وحاول أن يوظفها في بعض الأبنية،وقد حقق دلك في كاتدرائية المدينة التي بنيت آنذاك وأصبح لهذا المعماري مدرسة انتمى إليها العديد من معماري عصره، فتهافتوا على دراسة مخلفات الرومان العمرانية وأساليب عمارتها, إلا أن هؤلاء المعماريين لم يأخذوا من التراث كما هو ولم يقلدوه بشكل جامد بل جعلوا العمارة الجديدة معبره عن روح العصر والبيئة.
ب- فن النحت:
اتخذ فن النحت في تطوره منهجا في الرغبة الجامحة بالتزود من تراث القدماء من رومان ويونان، وكان من أبرز النحاتين دونا تلو الذي أوجد مدرسة خاصة جديدة اعتمدها في أعمال النحت عرفت بالمدرسة الطبيعية.واعتبرت مصدرا أساسيا من مصادر الإلهام لديه. وقد أبرز في أعماله جمال الطبيعة وتناسق الأجساد وتعبير الوجه وسعى دوما لجعل تماثيله طبيعية عادية بعيدة عن التكلف.
ومن أبرز النحاتين كذلك نجد مايكل أنجلو الذي تأثر بالمدرسة الطبيعية و تأثر في الوقت نفسه بالمدارس الإغريقية والفلسفة اليونانية ونظرتها إلى الإنسان, فحاول دائما أن يبرز في أعماله القوة والعظمة التي يمتلكها الإنسان.
و من أهم أعماله نحت المجموعة الرخامية الشهيرة التي تمثل العذراء والطفل وكذلك نحت ورسم سقف كنيسة سيستين في الفاتيكان.
ج- فن الرسم :
كان فن الرسم قد بلغ مرحلة لا بأس بها في أواخر العصور الوسطى إلى أنه كان حبيس اتجاهات الكنيسة في خدمة أغراضها، وكان الرسم يتم على جدران الكنائس أو القصور أو على الخشب. أما في عصر النهضة فقد تعلم الرسامون فن الرسم الزيتي وأساليب تحضي الأصباغ ومزجها بالزيت وأصبحوا يعالجون مواضيع بعيدة عن الروح الدينية مستمدين أفكارهم من الطبيعة والحياة والإنسان والجسد, ويعبرون في رسومهم عن العواطف والمشاعر والغرائز والأحاسيس.
وكان أبرز رسامي عصر النهضة هو ليوناردو دافينتشي (1452م- 1519م) الذي بلغ قمة الإبداع في رسمه لوحة العشاء الأخير الشهيرة ولوحة لموناليزا الشهيرة
4- الميدان الأدبي والعلمي:
- الميدان الأدبي:
ظهرت الكتابة باللغات الوطنية حيث برز في فرنسا عدد من الشعراء والمفكرين كتبوا باللغة المتداولة ووضعوا أسس وقواعد الكتابة باللغة الفرنسية، فكتب الشاعر دوبلي دفاعا عن اللغة الفرنسية بين فيه قدرتها على التعبير عن خلجات الفكر والشعور.
وفي ايطاليا كتب مكيافيلي كتابه "الأمير" باللغة الايطالية بين فيه ضرورة فصل الدين عن السياسة، وفي اسبانيا ألف سيرفان تيس قصة "دون كيشوت"، وكان للترجمة التي وضعها لوتر" للإنجيل" أثر كبير على تطور اللغة الألمانية، وفي إنجلترا وضع الروائي شكسبير كل مسرحياته باللغة الإنجليزية. فكان للحركة الإنسية أثر عميق في الأدب الأوربي وبذلك أسهمت الكتابة باللغات الوطنية في تعزيز الشعور القومي لدى الشعوب الأوربية.
- الميدان العلمي:
وضع الإنسيون قواعد الفكر العلمي الحديث والذي ساهم في تحرير عقل الإنسان الأوربي حيث نهجوا أسلوبا في البحث يعتمد على المنطق والتجربة في التحليل واستنباط الاستنتاجات، واعتبروا بذلك مؤسسي العلوم التجريبية في أوربا
وظهرت نظريات لتفسير الكون، فقد أعلن العالم البولوني كوبونيك نظريته التي فند بها اعتقاد الكنيسة في أن الأرض ثابتة وتشكل مركز الكون، وأكد الايطالي غاليلي نظرية كوبونيك واثبت وجود كواكب أخرى إلى جانب المجموعة الشمسية، وتصدت الكنيسة لهذه النظرية.
وعرف الطب تقدما فتح الطريق أمام اكتشاف جسم الإنسان وبدأ الأطباء يمارسون التشريح رغم معارضة الكنيسة فتمكن البلجيكي اندري فيزار اعتمادا على التشريح من وضع وصف لأعضاء جسم الإنسان، واكتشف الإسباني ميكل سيرفت الدورة الدموية الصغرى وطور الفرنسي أنبرواز باري العمليات الجراحية لإيقاف النزيف الدموي.
لقد روجت النهضة بمظاهرها الفكرية و العلمية و الفنية أفكارا جديدة كان لها اثر كبير في تشكيل ذوق وفكر الإنسان الأوربي الذي شمل جميع الميادين حتى الميدان الديني منها.