[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر
الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -1
* * *
*
لا يعرف أهل المغرب المعاصرين ما هي درجة وشرف اسم ( الحاج ) قديما لدى المغاربة، فالحاج يعتبر لدى المغاربة قديما بمثابة المجاهد الذي طرق الوغى وخرج منه منتصرا، ورجع لأهله مظفرا، وقد أدركنا في خمسينات القرن 20 الميلادي بقايا عادات ومظاهر احتفال المجتمع المغربي بعودة الحجاج الميامين في سلامة وعافية وتستمر الاحتفالات كالأعراس مدة أسبوع والحاج في استقبال أهله وذويه وأصحابه، وقد كتب بعض الرحالة المغاربة ما قاساه الحجاج من المخاطر في صحاري سيناء والحجاز، من سلب ونهب من قبل قطاع الطرق، وتزداد المخاطر أكثر في الأراضي المقدسة نفسها وخاصة في الطرق الرابطة بين مكة والمدينة، حيث تهاجمهم قبائل الأعراب هناك، وتسلبهم أمتعتهم وأموالهم، هذا إن أفرجوا عنهم، وأخلوا سبيلهم لمواصلة رحلتهم، ولم يتعرضوا للقتل، أما إذا صادفوا قطاع الطرق الخطرين فمصيرهم التصفية الجسدية، وحتى إذا بلغوا مأمنهم فإنهم يتعرضون أيضا للنهب المنظم من طرف نواب رؤساء مكة أو المدينة ليستخلصوا من الحجاج جبايات أداء الحج، وعند الامتناع عن الأداء يتعرضون لحجز جميع أمتعتهم
وفي هذه الأحداث يقول شاعرنا الأمازيغي الرايس الحاج بلعيد والذي روى بعض مشاهداته في زيارته للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، في أوائل القرن 20 الميلادي، مع ملاحظة الفرق بين عصره والعصور الماضية حيث المخاطر أشد وأفتك، وقد ترجمت كل بيت للعربية لفهم ما يقصده هذا الناظم الأمازيغي المغربي الكبير
* * *
لهنا آف تكور إيما أغاراس كولو إيكا يان
الأهم هو الأمن أما الطرق فكلها واحدة
* * *
آدور تامنت هاب الريح ران نيت ديدك إيمون
لا تأمن اللصوص ولو هم في صحبتك
* * *
أوراك يوت أغار إيغ إينا راكن آك إيفغ الروح
فلن يطلق عليك النار إلا في الفرصة المناسبة له
* * *
ولايني أدوكان لكمغ نزرن تيصومعيين
ولكن عندما أصل المدينة وتتراءى لنا المآذن
* * *
نزورد أشافيع أورا سول نكتي تاوديوين
ونزور شفيعنا فلن نتذكر بعد دلك مخاوفنا
* * *
لينبوع واناتيد إيران لابود نورعم
ومن يريد الذهاب الى ينبع لابد من الجمل
* * *
شهر أونص إيراتيد إيك إيزور غربعيام
يلزمه شهر ونصف سفرا والزيارة أربعة أيام
* * *
غ لخلا د لقيفار أوازال إيمحادا دواياض
والسير في الفيافي والقفار أياما متتابعة
* * *
ونظرا لوعورة الطرق وكثرة الموانع، مما جعل في فترة من الفترات التاريخية العصيبة على الحجاج المغاربة، أن انتشر في الأوساط المغربية أن فريضة الحج ساقطة عن أهل المغرب، إلى أن تصلح الأوضاع الأمنية هناك، وخصوصا بعد أن توالت الاحتجاجات من ملوك المغرب إلى أمراء مكة وأشرافها، فلم تطأ قدم أي حاج مغربي أرض مكة مدة نصف قرن
وقد احتج الإمام أبو بكر بن العربي على هذه المسألة حيث قال
العجب ممن يقول الحج ساقط عن أهل المغرب وهو يسافر من قطر إلى قطر، ويقطع المخاوف ويخرق البحار في مقاصد دينية ودنيوية والحال واحد في الخوف والأمن والحلال والحرام، وإنفاق المال وإعطائه في الطريق وغيره لمن لا يرضى
وقال أيضا الشيخ أبو العباس احمد بن محمد اللخمي السبتي في هذه القضية
يأبى الله والمسلمون سقوط قاعدة من قواعد الإسلام وركن من أركان الدين وعلم من أعلام الشريعة عن مكلف ضمه أفق من آفاق الدنيا أو صقع من أصقاع الأرض وهذا معلوم في الكتاب والسنة والإجماع
وأمام هذه المعضلة الدينية الخطيرة، قام أحد شيوخ العلماء في المغرب وهو أبو محمد صالح صاحب رباط أسفي والمتوفى سنة 631 هـ، وتعاون مع أصحابه العلماء لحل هذه القضية وإنقاذ هذا الركن الخامس الإسلامي
وقد ذكر الكانوني في كتابه أسفي وما إليه، أن جماعة هذا الشيخ بذلوا جهودهم في الحث على الحج وتسيير الناس إليه وبث الأصحاب في المراكز ليأخذوا بيد الضعفاء ويعينونهم على سلوك الطريق الى الأماكن المقدسة حتى يبلغوا الأمان من أداء الفرض الواجب
وقد كانت طائفة هذا الشيخ أبي محمد صالح الماجري كجمعية إسلامية بأرقى نظام كافل للنجاح، لأنها تحبب إلى الناس الحج وتسهل عليهم الطريق وتزودهم إليه، فما أوسع نظر هذا الشيخ وما أكثر غوصه في فلسفة التشريع، ويظهر ذلك عند موازنته بين تلك المفسدة التي هي المشقة الحاصلة في الطريق أو إنفاق المال وبين المصلحة الحاصلة بالحج، ومن أدرك أسرار الحج المباركة، يدرك أن المفسدة المرجوحة لا يسقط بمثلها الواجب
وأضاف الكانوني مبينا الكيفية التي سار عليها لتحقيق ذلك فقال
كان لهذا الشيخ الأثر المحمود والمقام المشهود حتى مهد للحج السبيل من المغرب وكون الركب الحجازي، فكان مهما انتهى إليه أحد يجعل أهم الشروط لصحبته إياه حج بيت الله الحرام، وبث أصحابه في المراكز من أسفي الى الحجاز بالأراضي المقدسة، بل جعل ولده السيد عبد العزيز بمصر، حتى توفي بها ثم كان حفيده السيد إبراهيم بن احمد بن أبي صالح بالإسكندرية، وكان بعده ولده العلامة ابو العباس احمد بن إبراهيم مؤلف المنهاج الواضح، فكان الأصحاب المنبثون في المراكز مهما ورد عليهم أحد يريد الحجاز فلا يجعلون له مجالا في المكث بأي بلد حتى يحج ويزور، بل ويمدون له اليد بكل ما لديهم من معونة ويسيرونه من القوافل بعدما تحامى ذلك المغاربة لوعورة الطريق
ومن نتائج هذا العمل الجمعوي العظيم، أن فتح الله عليهم سلوك طريق الأماكن المقدسة في أمن وأمان، حتى تكون وتأسس الركب الحجازي الرسمي في الدولة المغربية، والمعروف باسم ( المحمل ) وعين له سلاطين المغرب قائدا وقاضيا، فكان لأولاد وأحفاد هذا الشيخ الجليل شرف تولية قيادته ورياسته رسميا، وقد تطور تسيير هذا المحمل الحجيجي الى أن أصبح له وكلاء في الجزائر وتونس وليبيا ومصر، والذين ربطوا الاتصال مع محامل وقوافل حجاج هذه الدول وجعلوا من بلاد مصر ملتقى جميع قوافل حجاج الشمال الإفريقي، للانطلاق جميعا في مسيرة كبيرة واحدة الى الأراضي المقدسة، متغلبين على العراقيل، ومانعين على قطاع الطرق جميع محاولاتهم للكيد بالحجاج الميامين، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا
* * *
وفي الموضوع القادم سنتطرق لتفاصيل أخرى حول رحلات الحجاج المغاربة الى بيت الله الحرام وما يواجهونه من متاعب ومعاناة وأخطار، وكل ذلك يهون عليهم أمام الرغبة في زيارة حرم الله عز وجل، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموفق
* * *
الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر
الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -1
* * *
*
لا يعرف أهل المغرب المعاصرين ما هي درجة وشرف اسم ( الحاج ) قديما لدى المغاربة، فالحاج يعتبر لدى المغاربة قديما بمثابة المجاهد الذي طرق الوغى وخرج منه منتصرا، ورجع لأهله مظفرا، وقد أدركنا في خمسينات القرن 20 الميلادي بقايا عادات ومظاهر احتفال المجتمع المغربي بعودة الحجاج الميامين في سلامة وعافية وتستمر الاحتفالات كالأعراس مدة أسبوع والحاج في استقبال أهله وذويه وأصحابه، وقد كتب بعض الرحالة المغاربة ما قاساه الحجاج من المخاطر في صحاري سيناء والحجاز، من سلب ونهب من قبل قطاع الطرق، وتزداد المخاطر أكثر في الأراضي المقدسة نفسها وخاصة في الطرق الرابطة بين مكة والمدينة، حيث تهاجمهم قبائل الأعراب هناك، وتسلبهم أمتعتهم وأموالهم، هذا إن أفرجوا عنهم، وأخلوا سبيلهم لمواصلة رحلتهم، ولم يتعرضوا للقتل، أما إذا صادفوا قطاع الطرق الخطرين فمصيرهم التصفية الجسدية، وحتى إذا بلغوا مأمنهم فإنهم يتعرضون أيضا للنهب المنظم من طرف نواب رؤساء مكة أو المدينة ليستخلصوا من الحجاج جبايات أداء الحج، وعند الامتناع عن الأداء يتعرضون لحجز جميع أمتعتهم
وفي هذه الأحداث يقول شاعرنا الأمازيغي الرايس الحاج بلعيد والذي روى بعض مشاهداته في زيارته للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، في أوائل القرن 20 الميلادي، مع ملاحظة الفرق بين عصره والعصور الماضية حيث المخاطر أشد وأفتك، وقد ترجمت كل بيت للعربية لفهم ما يقصده هذا الناظم الأمازيغي المغربي الكبير
* * *
لهنا آف تكور إيما أغاراس كولو إيكا يان
الأهم هو الأمن أما الطرق فكلها واحدة
* * *
آدور تامنت هاب الريح ران نيت ديدك إيمون
لا تأمن اللصوص ولو هم في صحبتك
* * *
أوراك يوت أغار إيغ إينا راكن آك إيفغ الروح
فلن يطلق عليك النار إلا في الفرصة المناسبة له
* * *
ولايني أدوكان لكمغ نزرن تيصومعيين
ولكن عندما أصل المدينة وتتراءى لنا المآذن
* * *
نزورد أشافيع أورا سول نكتي تاوديوين
ونزور شفيعنا فلن نتذكر بعد دلك مخاوفنا
* * *
لينبوع واناتيد إيران لابود نورعم
ومن يريد الذهاب الى ينبع لابد من الجمل
* * *
شهر أونص إيراتيد إيك إيزور غربعيام
يلزمه شهر ونصف سفرا والزيارة أربعة أيام
* * *
غ لخلا د لقيفار أوازال إيمحادا دواياض
والسير في الفيافي والقفار أياما متتابعة
* * *
ونظرا لوعورة الطرق وكثرة الموانع، مما جعل في فترة من الفترات التاريخية العصيبة على الحجاج المغاربة، أن انتشر في الأوساط المغربية أن فريضة الحج ساقطة عن أهل المغرب، إلى أن تصلح الأوضاع الأمنية هناك، وخصوصا بعد أن توالت الاحتجاجات من ملوك المغرب إلى أمراء مكة وأشرافها، فلم تطأ قدم أي حاج مغربي أرض مكة مدة نصف قرن
وقد احتج الإمام أبو بكر بن العربي على هذه المسألة حيث قال
العجب ممن يقول الحج ساقط عن أهل المغرب وهو يسافر من قطر إلى قطر، ويقطع المخاوف ويخرق البحار في مقاصد دينية ودنيوية والحال واحد في الخوف والأمن والحلال والحرام، وإنفاق المال وإعطائه في الطريق وغيره لمن لا يرضى
وقال أيضا الشيخ أبو العباس احمد بن محمد اللخمي السبتي في هذه القضية
يأبى الله والمسلمون سقوط قاعدة من قواعد الإسلام وركن من أركان الدين وعلم من أعلام الشريعة عن مكلف ضمه أفق من آفاق الدنيا أو صقع من أصقاع الأرض وهذا معلوم في الكتاب والسنة والإجماع
وأمام هذه المعضلة الدينية الخطيرة، قام أحد شيوخ العلماء في المغرب وهو أبو محمد صالح صاحب رباط أسفي والمتوفى سنة 631 هـ، وتعاون مع أصحابه العلماء لحل هذه القضية وإنقاذ هذا الركن الخامس الإسلامي
وقد ذكر الكانوني في كتابه أسفي وما إليه، أن جماعة هذا الشيخ بذلوا جهودهم في الحث على الحج وتسيير الناس إليه وبث الأصحاب في المراكز ليأخذوا بيد الضعفاء ويعينونهم على سلوك الطريق الى الأماكن المقدسة حتى يبلغوا الأمان من أداء الفرض الواجب
وقد كانت طائفة هذا الشيخ أبي محمد صالح الماجري كجمعية إسلامية بأرقى نظام كافل للنجاح، لأنها تحبب إلى الناس الحج وتسهل عليهم الطريق وتزودهم إليه، فما أوسع نظر هذا الشيخ وما أكثر غوصه في فلسفة التشريع، ويظهر ذلك عند موازنته بين تلك المفسدة التي هي المشقة الحاصلة في الطريق أو إنفاق المال وبين المصلحة الحاصلة بالحج، ومن أدرك أسرار الحج المباركة، يدرك أن المفسدة المرجوحة لا يسقط بمثلها الواجب
وأضاف الكانوني مبينا الكيفية التي سار عليها لتحقيق ذلك فقال
كان لهذا الشيخ الأثر المحمود والمقام المشهود حتى مهد للحج السبيل من المغرب وكون الركب الحجازي، فكان مهما انتهى إليه أحد يجعل أهم الشروط لصحبته إياه حج بيت الله الحرام، وبث أصحابه في المراكز من أسفي الى الحجاز بالأراضي المقدسة، بل جعل ولده السيد عبد العزيز بمصر، حتى توفي بها ثم كان حفيده السيد إبراهيم بن احمد بن أبي صالح بالإسكندرية، وكان بعده ولده العلامة ابو العباس احمد بن إبراهيم مؤلف المنهاج الواضح، فكان الأصحاب المنبثون في المراكز مهما ورد عليهم أحد يريد الحجاز فلا يجعلون له مجالا في المكث بأي بلد حتى يحج ويزور، بل ويمدون له اليد بكل ما لديهم من معونة ويسيرونه من القوافل بعدما تحامى ذلك المغاربة لوعورة الطريق
ومن نتائج هذا العمل الجمعوي العظيم، أن فتح الله عليهم سلوك طريق الأماكن المقدسة في أمن وأمان، حتى تكون وتأسس الركب الحجازي الرسمي في الدولة المغربية، والمعروف باسم ( المحمل ) وعين له سلاطين المغرب قائدا وقاضيا، فكان لأولاد وأحفاد هذا الشيخ الجليل شرف تولية قيادته ورياسته رسميا، وقد تطور تسيير هذا المحمل الحجيجي الى أن أصبح له وكلاء في الجزائر وتونس وليبيا ومصر، والذين ربطوا الاتصال مع محامل وقوافل حجاج هذه الدول وجعلوا من بلاد مصر ملتقى جميع قوافل حجاج الشمال الإفريقي، للانطلاق جميعا في مسيرة كبيرة واحدة الى الأراضي المقدسة، متغلبين على العراقيل، ومانعين على قطاع الطرق جميع محاولاتهم للكيد بالحجاج الميامين، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا
* * *
وفي الموضوع القادم سنتطرق لتفاصيل أخرى حول رحلات الحجاج المغاربة الى بيت الله الحرام وما يواجهونه من متاعب ومعاناة وأخطار، وكل ذلك يهون عليهم أمام الرغبة في زيارة حرم الله عز وجل، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموفق
* * *