[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ما بعد الفرق : من جغرافيا أصولية
إلى جغرافيات هجينة
Mei-Po Kwan
لقد تطورت الجغرافيا في مجالات متنوعة وعديدة خلال القرن الماضي ، وفي الوقت الذي كان فيه هناك منظور فكري واضح ومداخل ومناحي نظرية متعددة تشكلت في أوقات مختلفة ، كان هناك مد وجزر في المناهج والأساليب الجديدة ، التي اتسمت بالحدية . واستجابة للرؤيا الجديدة للجغرافيا ، ما هي و ما يجب ان تكون عليه ، فقد زادت حدة الجدل الذي اتسم بالتشنج . وأثناء هذه العملية فقد تزايد تميز الجغرافيين كأفراد في الجغرافيا التقليدية أو التخصصات التي أدرك بأنها غير قادرة على المنافسة والثبات . والمجالات الجغرافية التي أدرك بعدم كفاءتها تم الانسحاب منها تدريجيا لتصبح من تاريخ الجغرافيا .
شهد القرن العشرين إنقسامين (على الأقل) في الجغرافيا ، فصل الأول بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية ، جراء فكرة عزل دراسة الطبيعة عن دراسة المجتمع . والثاني فصل المكاني - التحليل و الاجتماعي – الحضاري في محاولة لإيجاد وسيلة لفصل التحليل الجغرافي الذي يفرز الأنماط المكانية وعلاقاتها عن العمليات الاجتماعية – الحضارية – السياسية . ونتيجة عملية الفصل هذه وما تبعها من نقد (من قبل منظري الماركسية ، والواقعية ، والنسوية ، وما بعد البنيوية ، وغيرها من المذاهب الفكرية) ، فان الجغرافيات الاجتماعية - الحضارية و المكانية - التحليلية قد أضحت اكثر تماسكا و تناغما من قبل . وفي هذه العملية أصبحت الجغرافيا البشرية محددة بثنائية غريبة : (إما أو) و بمصطلحات غير جيدة . واصطف المنظرون الاجتماعيون وما بعد المعاصرة في صف ، يقابلهم المحللون المكانيون و الكميون
و مستخدمو النظم الجغرافية في الصف الآخر .
وعلى الرغم من المحاولات العديدة لمناقشة النظرية الاجتماعية وفصلها عن التحليل المكاني في الجغرافيا ، وتصور بدائل ممكنة ، إلا أن الفاصل بينهما كما يبدو ما زال عميقا ، وباق بشكل يؤثر على الجغرافيا المعاصرة . يضاف إلى ذلك ، ويبدو ان هناك تضخيما عبر الزمن وتنضيجا للفروقات ، رافقه غياب التحاور بين الجبهتين المعنيتين في الجغرافيا . وهناك انعكاسات واضحة حاليا عند بعض الجغرافيين ، تبرز بشكل اهتمامات متزايدة في دينامية الجغرافيا .
الانقسام : اجتماعي – حضاري و مكاني – تحليلي
في محاولات مكررة لعرض الجغرافيا كعلم واحد متماسك و جسم دراسي له احترامه وهويته في العلم و مجتمع العلوم الاجتماعية خلال القرن العشرين ، فقد هدف بعض الجغرافيين إلى توفير رؤى منفردة عن التخصص ، مع التركيز على مفهوم العلم وخصائصه . والشيء المهم هنا ، وضمن هذه العملية ، القول بان الأعمال الجغرافية السابقة ليس لها قيمة ، والإفصاح بوجود محاولات للوصول إلى الأحسن والأكثر تحديا ، و وجود طريقا واحدا للجغرافيا .
ففي المراحل الأولى من تشكيل الرؤيا الجديدة للجغرافيا ، وقعت أحداث عديدة ، فالمنظور عد غير متوافقا مع الرؤيا الجديدة ، لذا فانه غير مقبول ، أو ناقص أو غير نقي ، لأنه لم ينتج عن ممارسات جغرافية مقبولة . وقد تعززت الحدود الفاصلة بين المنظورين القديم والجديد بإصدار دوريات متخصصة عن مؤسسات مهنية ، التي بدورها ساهمت في تشكيل الهوية الفردية لجغرافيين .
ومن خلال عمليات الاستقطاب و ترسيم الحدود بين التخصصات لم تتشكل بدائل ، ومال الجغرافيون إلى الهويات ذات الصبغة السلسة وغير المتكاملة ، وبمنظور أحادى و التعريف بمفهوم إما أو لا . وكانت الخصائص المشتركة بين الفئات الجديدة ، في الغالب ، ابتسامة خفيفة .
ما بعد علم المعرفة
لعقود من الزمن كان هناك نضالا و محاولات جادة لتوحيد هوية الجغرافيا ، ولكن بمنظور و رؤية أحادية ، لذا لم تنجح هذه المحاولات بشكل كامل ، وبقيت الممارسات الجغرافية خليط غير متجانس و غير موحد الرؤية . والحقيقة ان ما جرى هو تغيير في المنظور الجغرافي و الممارسات عبر الزمن ، وقد عد هذا تطورا ، وأدى إلى تركيبة جغرافية معقدة . وان وصف الطرائق الأولى المعتمدة في الجغرافيا بأنها كمية والراهنة بأنها نوعية فيه شيء من المغالطة . بعبارة أخرى ، فان علم الجغرافيا هو خليط من العلم ، والعلوم الاجتماعية ، و الإنسانيات ، وان هناك تنوعا كبيرا في كل مجال أو ميدان ، وليس هذا وليد اليوم ، بل عبر التاريخ .
وعوضا عن الإصرار على هوية موحدة لعلم الجغرافيا تشكلت علاقات منتجة بين مختلف التخصصات الدقيقة والميادين الثانوية . ويبدو ان هذه ستراتيجية فاعلة لها جاذبيتها في مختلف فروع العلوم ، وفي المجتمع الأكاديمي ، وفي المصادر المالية ، وقد يؤدي هذا إلى تقوية مبادرات العلوم الأخرى لتحذو حذونا .
وعلى ضوء هذا ، فمن المناسب التساؤل عن سبب عدم تعزيز الجغرافيات الاجتماعية – الحضارية و المكانية – التحليلية لبعضها و دراسة مختلف إمكانات الربط بينها . وفي الواقع فان الطرائق العلمية عدت وسائل تؤدي إلى تغيرات اجتماعية ، نحو التقدم وليس أدوات إحباط . وجاء النقد النسوي ليؤكد قدرة التقنيات المعاصرة على تحرير الإنسان من كثير من انواع التسلط المفروض عليه . ويوحي هذا بان الخصائص البارزة (التقنية \ العلمية) للجغرافيا المكانية – التحليلية يجب ان لا تحول دون إمكانية تكاملها مع الجغرافيات الاجتماعية – الحضارية . ومع هذا فان الفروقات الجوهرية بينهما تحدد مدى تكاملهما .
إن العودة إلى العلاقات بين علم المعرفة والطرائق المستخدمة في الجغرافيا ضرورية
و مهمة لإعادة الربط بين المعطيات التقليدية لكل من الاجتماعي – الحضاري و المكاني – التحليلي . فهناك العديد من المؤشرات والمعطيات المهمة والمهملة عن الثورة الكمية مبررها المعرفي قد جاء متأخرا بسنين بعد أن أخذت الطرائق الكمية مكانها في التطبيق . ويرى بارنز بان ديفد هارفي بتحوله إلى الفلسفة الواقعية ، وان التفحص الدقيق التاريخي يوحي بان التبرير المعرفي للجغرافيات المكانية – التحليلية نابع عن الرغبة في إيجاد نوع جديد من الممارسة الجغرافية ، وليس من الضروري ان تكون هناك صلة بالفلسفة الواقعية واستخدام الطرائق الكمية في البحوث الجغرافية . كذلك فان نظم المعلومات الجغرافية موجودة قبل ربطها كأساس علمي جغرافي جديد ، وان استخدامها لا يتطلب تبريرا معرفيا مسبقا . فالتقنية لا تحدد مستخدميها في أي جانب معرفي معين .
ان العلاقة بين معرفة معينة و نوع محدد من الطرائق البحثية ليست علاقة سببية ، لذا لا يمكن اشتقاق بان المعرفة الجغرافية أو السياسية تستند فقط على الطريقة المعتمدة . فقد يكون هناك استخدام لها في فلسفة أخرى غير الواقعية للتحليل الكمي و النظم الجغرافية . لذا من الواضح ان الاختيار بين النظرية الاجتماعية والتحليل المكاني غير حقيقي ، ولعلنا وقعنا في فخ التعارض بين الطريقة والمعرفة ، وان ذاكرتنا تركت لعقود مما أثر على القدرة على تصور الصلة بين الجغرافيات الاجتماعية – الحضارية و المكانية – التحليلية . يضاف إلى ذلك ، من المهم التمييز ان ما بعد الطبيعة للعقلانية المعرفية لا تميل إلى هذه المسوغات بالكامل . عوضا عن ذلك ، فان الانعكاسات النظامية للعقلانية التي تضمها ممارسة البحث يمكن ان تعتمد لتطوير مفردات جديدة و بدائل عقلانية تساعد لإعادة الصلة بين الاجتماعي – الحضاري و المكاني – التحليلي .
حدود المشاريع البحثية والجغرافيات الهجينة
ما بعد الفرق : من جغرافيا أصولية
إلى جغرافيات هجينة
Mei-Po Kwan
لقد تطورت الجغرافيا في مجالات متنوعة وعديدة خلال القرن الماضي ، وفي الوقت الذي كان فيه هناك منظور فكري واضح ومداخل ومناحي نظرية متعددة تشكلت في أوقات مختلفة ، كان هناك مد وجزر في المناهج والأساليب الجديدة ، التي اتسمت بالحدية . واستجابة للرؤيا الجديدة للجغرافيا ، ما هي و ما يجب ان تكون عليه ، فقد زادت حدة الجدل الذي اتسم بالتشنج . وأثناء هذه العملية فقد تزايد تميز الجغرافيين كأفراد في الجغرافيا التقليدية أو التخصصات التي أدرك بأنها غير قادرة على المنافسة والثبات . والمجالات الجغرافية التي أدرك بعدم كفاءتها تم الانسحاب منها تدريجيا لتصبح من تاريخ الجغرافيا .
شهد القرن العشرين إنقسامين (على الأقل) في الجغرافيا ، فصل الأول بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية ، جراء فكرة عزل دراسة الطبيعة عن دراسة المجتمع . والثاني فصل المكاني - التحليل و الاجتماعي – الحضاري في محاولة لإيجاد وسيلة لفصل التحليل الجغرافي الذي يفرز الأنماط المكانية وعلاقاتها عن العمليات الاجتماعية – الحضارية – السياسية . ونتيجة عملية الفصل هذه وما تبعها من نقد (من قبل منظري الماركسية ، والواقعية ، والنسوية ، وما بعد البنيوية ، وغيرها من المذاهب الفكرية) ، فان الجغرافيات الاجتماعية - الحضارية و المكانية - التحليلية قد أضحت اكثر تماسكا و تناغما من قبل . وفي هذه العملية أصبحت الجغرافيا البشرية محددة بثنائية غريبة : (إما أو) و بمصطلحات غير جيدة . واصطف المنظرون الاجتماعيون وما بعد المعاصرة في صف ، يقابلهم المحللون المكانيون و الكميون
و مستخدمو النظم الجغرافية في الصف الآخر .
وعلى الرغم من المحاولات العديدة لمناقشة النظرية الاجتماعية وفصلها عن التحليل المكاني في الجغرافيا ، وتصور بدائل ممكنة ، إلا أن الفاصل بينهما كما يبدو ما زال عميقا ، وباق بشكل يؤثر على الجغرافيا المعاصرة . يضاف إلى ذلك ، ويبدو ان هناك تضخيما عبر الزمن وتنضيجا للفروقات ، رافقه غياب التحاور بين الجبهتين المعنيتين في الجغرافيا . وهناك انعكاسات واضحة حاليا عند بعض الجغرافيين ، تبرز بشكل اهتمامات متزايدة في دينامية الجغرافيا .
الانقسام : اجتماعي – حضاري و مكاني – تحليلي
في محاولات مكررة لعرض الجغرافيا كعلم واحد متماسك و جسم دراسي له احترامه وهويته في العلم و مجتمع العلوم الاجتماعية خلال القرن العشرين ، فقد هدف بعض الجغرافيين إلى توفير رؤى منفردة عن التخصص ، مع التركيز على مفهوم العلم وخصائصه . والشيء المهم هنا ، وضمن هذه العملية ، القول بان الأعمال الجغرافية السابقة ليس لها قيمة ، والإفصاح بوجود محاولات للوصول إلى الأحسن والأكثر تحديا ، و وجود طريقا واحدا للجغرافيا .
ففي المراحل الأولى من تشكيل الرؤيا الجديدة للجغرافيا ، وقعت أحداث عديدة ، فالمنظور عد غير متوافقا مع الرؤيا الجديدة ، لذا فانه غير مقبول ، أو ناقص أو غير نقي ، لأنه لم ينتج عن ممارسات جغرافية مقبولة . وقد تعززت الحدود الفاصلة بين المنظورين القديم والجديد بإصدار دوريات متخصصة عن مؤسسات مهنية ، التي بدورها ساهمت في تشكيل الهوية الفردية لجغرافيين .
ومن خلال عمليات الاستقطاب و ترسيم الحدود بين التخصصات لم تتشكل بدائل ، ومال الجغرافيون إلى الهويات ذات الصبغة السلسة وغير المتكاملة ، وبمنظور أحادى و التعريف بمفهوم إما أو لا . وكانت الخصائص المشتركة بين الفئات الجديدة ، في الغالب ، ابتسامة خفيفة .
ما بعد علم المعرفة
لعقود من الزمن كان هناك نضالا و محاولات جادة لتوحيد هوية الجغرافيا ، ولكن بمنظور و رؤية أحادية ، لذا لم تنجح هذه المحاولات بشكل كامل ، وبقيت الممارسات الجغرافية خليط غير متجانس و غير موحد الرؤية . والحقيقة ان ما جرى هو تغيير في المنظور الجغرافي و الممارسات عبر الزمن ، وقد عد هذا تطورا ، وأدى إلى تركيبة جغرافية معقدة . وان وصف الطرائق الأولى المعتمدة في الجغرافيا بأنها كمية والراهنة بأنها نوعية فيه شيء من المغالطة . بعبارة أخرى ، فان علم الجغرافيا هو خليط من العلم ، والعلوم الاجتماعية ، و الإنسانيات ، وان هناك تنوعا كبيرا في كل مجال أو ميدان ، وليس هذا وليد اليوم ، بل عبر التاريخ .
وعوضا عن الإصرار على هوية موحدة لعلم الجغرافيا تشكلت علاقات منتجة بين مختلف التخصصات الدقيقة والميادين الثانوية . ويبدو ان هذه ستراتيجية فاعلة لها جاذبيتها في مختلف فروع العلوم ، وفي المجتمع الأكاديمي ، وفي المصادر المالية ، وقد يؤدي هذا إلى تقوية مبادرات العلوم الأخرى لتحذو حذونا .
وعلى ضوء هذا ، فمن المناسب التساؤل عن سبب عدم تعزيز الجغرافيات الاجتماعية – الحضارية و المكانية – التحليلية لبعضها و دراسة مختلف إمكانات الربط بينها . وفي الواقع فان الطرائق العلمية عدت وسائل تؤدي إلى تغيرات اجتماعية ، نحو التقدم وليس أدوات إحباط . وجاء النقد النسوي ليؤكد قدرة التقنيات المعاصرة على تحرير الإنسان من كثير من انواع التسلط المفروض عليه . ويوحي هذا بان الخصائص البارزة (التقنية \ العلمية) للجغرافيا المكانية – التحليلية يجب ان لا تحول دون إمكانية تكاملها مع الجغرافيات الاجتماعية – الحضارية . ومع هذا فان الفروقات الجوهرية بينهما تحدد مدى تكاملهما .
إن العودة إلى العلاقات بين علم المعرفة والطرائق المستخدمة في الجغرافيا ضرورية
و مهمة لإعادة الربط بين المعطيات التقليدية لكل من الاجتماعي – الحضاري و المكاني – التحليلي . فهناك العديد من المؤشرات والمعطيات المهمة والمهملة عن الثورة الكمية مبررها المعرفي قد جاء متأخرا بسنين بعد أن أخذت الطرائق الكمية مكانها في التطبيق . ويرى بارنز بان ديفد هارفي بتحوله إلى الفلسفة الواقعية ، وان التفحص الدقيق التاريخي يوحي بان التبرير المعرفي للجغرافيات المكانية – التحليلية نابع عن الرغبة في إيجاد نوع جديد من الممارسة الجغرافية ، وليس من الضروري ان تكون هناك صلة بالفلسفة الواقعية واستخدام الطرائق الكمية في البحوث الجغرافية . كذلك فان نظم المعلومات الجغرافية موجودة قبل ربطها كأساس علمي جغرافي جديد ، وان استخدامها لا يتطلب تبريرا معرفيا مسبقا . فالتقنية لا تحدد مستخدميها في أي جانب معرفي معين .
ان العلاقة بين معرفة معينة و نوع محدد من الطرائق البحثية ليست علاقة سببية ، لذا لا يمكن اشتقاق بان المعرفة الجغرافية أو السياسية تستند فقط على الطريقة المعتمدة . فقد يكون هناك استخدام لها في فلسفة أخرى غير الواقعية للتحليل الكمي و النظم الجغرافية . لذا من الواضح ان الاختيار بين النظرية الاجتماعية والتحليل المكاني غير حقيقي ، ولعلنا وقعنا في فخ التعارض بين الطريقة والمعرفة ، وان ذاكرتنا تركت لعقود مما أثر على القدرة على تصور الصلة بين الجغرافيات الاجتماعية – الحضارية و المكانية – التحليلية . يضاف إلى ذلك ، من المهم التمييز ان ما بعد الطبيعة للعقلانية المعرفية لا تميل إلى هذه المسوغات بالكامل . عوضا عن ذلك ، فان الانعكاسات النظامية للعقلانية التي تضمها ممارسة البحث يمكن ان تعتمد لتطوير مفردات جديدة و بدائل عقلانية تساعد لإعادة الصلة بين الاجتماعي – الحضاري و المكاني – التحليلي .
حدود المشاريع البحثية والجغرافيات الهجينة