التنمية المستدامة للصحارى العربية

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

التنمية المستدامة للصحارى العربية

في السنوات الأخيرة ومع تنامي الاهتمام العالمي بالصحارى خاصة بعد المشكلات التي تتعرض لها مثل الجفاف وندرة الأمطار والرعي الجائر وغيرها التي تؤثر بشكل كبير وسلبي على مواردها وقدراتها، دفع هذا المنظمات الدولية والأهلية إلى البحث عن أنسب السبل التي تؤدي إلى تنمية الصحراء، ومع انتشار مفهوم التنمية المستدامة للموارد بشكل عام أصبح موضوع التنمية المستدامة للأقاليم الصحراوية أمرًا في غاية الأهمية بالنسبة لهذه المنظمات.

وعلى المستوى العربي كانت هناك أدوار وجهود واضحة لتلك المنظمات والحكومات في عدد من المجالات التي تؤدي إلى التنمية السليمة والمستدامة للصحراء، ومنها على سبيل المثال إحياء الأنظمة البيئية الصحراوية ومقاومة زحف الرمال والإدارة الجيدة للموارد المائية الصحراوية ومقاومة تصحر المراعي والسياحة البيئية الصحراوية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين في المجتمعات الصحراوية.
وعمومًا يمكن رصد بعض تلك الجهود التي قدمتها الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في الدول العربية، ونبدأ بأول المجالات السابق الإشارة إليها وهو إحياء الأنظمة البيئية الصحراوية، حيث عمدت الكثير من الحكومات العربية إلى إنشاء المحميات الطبيعية بهدف حماية الكثير من أنواع الحياة البرية (نباتية وحيوانية) من الانقراض، وكان هناك تجارب ناجحة في عدد من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وسلطنة عمان وتونس ومصر ولبنان وغيرها، وقد استطاعت هذه المحميات أن تؤدي دورًا هامًا في حماية الكثير من الأنواع الحيوانية البرية مثل المها العربي التي توجد في صحراء السعودية والإمارات وغيرها من بلدان الخليج العربي، وكذا طيور الحبارى التي تعمل الإمارات على حمايتها حاليًا بعد أن كانت مهددة بالانقراض خلال العشرين عامًا القادمة، وكذا بعض الأنواع النباتية كالنباتات الطبية الصحراوية التي تزخر بها الصحراء العربية مثل نبات السكران والحنظل وغيرهما.
ومن المجالات الأخرى التي نجحت الهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في الحد منها ومن مشاكلها زحف الرمال، حيث رصدت نجاحات لتجارب مميزة مثل تجربة المملكة العربية السعودية في حجز وتثبيت الرمال في الجهة الشمالية من منطقة الأحساء، حيث أنشأت خمسة حواجز شجرية على بعد عشرين كيلومتر من واحة الهفوف، وتراوحت أطوال هذه الحواجز بين 5 و20 كيلومترًا وبعرض يتراوح بين 250 و750 مترًا، وقد نجحت في صد كمية كبيرة من الرمال في هذه المناطق كانت تسبب أضرارًا فادحة.
وكذلك تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي قادها الراحل الكريم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وفيها تم تحويل الكثبان الرملية إلى حدائق ومزارع، حيث تم زراعة عشرات الآلاف من الأشجار القادرة على تحمل الجفاف والملوحة، وأيضًا زراعة أعداد هائلة من النخيل تعدت الأربعين مليون نخلة.
وخلاف هذه التجارب التي قادتها الحكومات في مقاومة زحف الرمال والتصحر كانت هناك تجربة مغربية رائعة قادتها سيدة تسمى زبيدة شروف وقد عملت على حماية إحدى الأشجار التي كانت مهددة بالانقراض منذ 15 عامًا، وهي شجرة الأرجون المعمرة التي تعيش مائة وخمسين عامًا وتضرب بجذورها في الأرض إلى عمق 30 مترًا. وشجرة الأرجون تعرف بشجرة الفقراء حيث يستفاد من كل أجزائها، فيؤخذ من جوزتها زيت ذو جودة عالية يستخدم في أغراض طبية وصحية كدواء ومنشط، والخشب يستخدم في التدفئة وأعمال الديكور، والأوراق تستخدم في تغذية الحيوانات.
والجميل في تجربة شروف أنها لم تقتصر على حماية شجرة الأرجون وحدها بل قدمت تجربة إنسانية وتنموية رائعة، حيث أسست جمعية الأمل لشجرة الأرجون يعمل فيها مائة وخمسون سيدة، منهم خمسون بصفة دائمة ومائة سيدة نصف الوقت، كما أسست أيضًا شركة لتسويق منتجات الأرجون، وأقامت فصولاً دراسية لمحو أمية النساء في منطقة «تماناز» المغربية التي اعتبرت عاصمة للأرجون، ولم يكن غريبًا أن تحصل السيدة شروف على جائزة دولية من «بورتو» بالبرتغال في أغسطس 2001 عرفت بجائزة Slow Food Click.
مجال ثالث من مجالات تنمية الصحراء ظهرت فيه جهود المنظمات الحكومية والأهلية هو مقاومة تصحر المراعي، وهي الظاهرة السيئة التي أدت إلى إتلاف المراعي الطبيعية في مجتمعات صحراوية كثيرة، والتي يتسبب فيها زيادة كثافة أعداد الحيوانات وخاصة الماعز والأغنام مما يؤدي إلى دهس المرعى وتلف غطائه النباتي، إضافة إلى نمو بعض الأنواع النباتية غير المرغوبة والسامة كالشجيرات الخشبية وغيرها، وكذا زيادة حشرات مثل النمل الأبيض وهي تسبب ضررًا فادحًا للمرعى.
وفي دراسة لإحدى المنظمات السعودية قدمت في المؤتمر العالمي حول التنمية الصحراوية في دول الخليج العربي بالكويت عن المراعي في منطقة شمال الجبيل السعودية، حددت الدراسة أعداد الحيوانات بـ600 من الجمال و1800 رأس من الأغنام والماعز كحد أعلى للرعي في المنطقة، واعتبرت أن الزيادة عن هذه الأعداد تؤدي إلى تدهور المرعى.
وفي مصر عملت إحدى المنظمات غير الحكومية مع بدو مطروح (غرب مصر) لتأهيل بعض المراعي التي تدهورت بسب الرعي الجائر، حيث استفادت من خبرة كبار شيوخ الرعاة البدو في تعليم الرعاة الأحدث طرق التعامل مع المرعى ومدة بقاء الحيوانات به والمدة التي يترك لإعادة تأهيله.

والمجال الرابع في تنمية الصحارى هو مجال الإدارة المستدامة لموارد المياه الصحراوية التي كان للحكومات والمنظمات دور فيها، وذلك عن طريق صيانة الموارد المائية التقليدية كصيانة الآبار والعيون مثلما الحال في دول الخليج عمومًا، واستخدام تكنولوجيات جديدة لإنتاج المياه مثل تحلية مياه البحر واستخدام الطاقات المتجددة في ذلك كالطاقة الشمسية كما هو الحال في بلاد الخليج، أو كما قام به مشروع تحلية مياه البحر لتحويلها إلى مياه صالحة للشرب في بعض قرى محمية العميد التي تقع في محافظة مطروح المصرية، ومنها أيضًا تدوير مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الزراعة مثلما اتبعته وزارة البيئة المصرية في زراعة غابات شجرية في مدينة السادات (إحدى المدن الصحراوية المصرية)، أو كما هو الحال في البحرين حيث يستخدم حوالي 10 مليارات متر مكعب من المياه المعادة سنويًا. ويساهم هذا في تنمية مستدامة لقطاع الزراعة ومكافحة التصحر.
والمجال الخامس الذي وضحت فيه جهود المنظمات والحكومات في التنمية المستدامة للصحراء هو السياحة البيئية وإن اقتصر بشكل كبير على الحكومات والهيئات التابعة لها كوزارات السياحة وغيرها، وفيه يمكن الاستفادة من القدرات الطبيعية الهائلة للصحراء في بعض الأنواع من السياحة الصحراوية التي كانت متوقفة من قبل على رحلات الصيد فقط، والآن تنوعت إلى رحلات صيد وسفاري وسياحة علاجية وغيرها.
وكان لبعض الدول العربية سبق الاستفادة من هذا النوع من السياحة الذي يعمل على ضخ مصادر دخل كبيرة تضاف للاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل كبيرة، ومن هذه الدول مصر والسعودية وسلطنة عمان والإمارات، ففي مصر على سبيل المثال انتشرت رحلات سياحة السفاري في محافظة البحر الأحمر التي تمتاز بوجود مجموعة هائلة من السلاسل الجبلية التي تصلح لممارسة الرياضة وتسلق الجبال بالإضافة إلى وجود العديد من الوديان التي تصلح لممارسة رياضة ركوب الخيل والجمال وغيرها، ويمكن للسائح أيضًا في هذه المناطق مراقبة الحيوانات والطيور المهاجرة.
وفي السعودية والإمارات تنتشر رحلات الصيد وسياحة التخييم التي تتراوح ما بين رحلات قصيرة نصف يوم أو أطول نسبيًا من 4 - 5 أيام.
والنوع الآخر من السياحة الصحراوية هو السياحة العلاجية، حيث يأتي السياح للعلاج من أمراض معينة في البحر الميت بالأردن وفي مصر في واحة سيوة وسفاجا وجزيرة الفنتين بأسوان وعيون موسى في أقصى شمال شرق خليج السويس.
والمجال الأخير الذي وضح فيه دور الحكومات والمنظمات الأهلية في تنمية الصحراء هو التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين، وقد أثبتت الدراسات عدم نجاح أي خطط للتنمية في الصحراء بدونهم لأنهم الأقدر على فهم مشكلات مجتمعاتهم وبالتالي المساهمة في حلها، وقد فطنت لهذا الكثير من المنظمات غير الحكومية التي تعمل في نطاقها، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها المشروع الذي ينفذ حاليًا في محمية العميد بمطروح المصرية والذي يهدف إلى تحلية مياه البحر لتحويلها إلى مياه صالحة للشرب، والذي ينفذه المركز الدولي للأراضي الجافة (الإيكاردا) بالتعاون مع الحكومة البلجيكية وبرعاية الأمم المتحدة واليونيسكو، ويذكر أن المشروع ينفذ في أربع دول عربية هي مصر وتونس وسوريا والأردن من أجل توفير بدائل جيدة للمعيشة لسكان المناطق الجافة، وكذا تقليل تدهور الأراضي الهامشية وأيضًا تحسين إنتاجية هذه الأراضي.
والجميل في المشروع كما تقول الدكتورة بشرى سالم الاستشارية بالمشروع وأستاذ البيئة بجامعة الإسكندرية هو مشاركة البدو في المشروع حيث أمدوها بالمعلومات والخرائط بعد أن استطاعت كسب ثقتهم، وبالتالي ساعدوها وعملوا على نجاح المشروع الذي هو في النهاية لخدمتهم.
وأخيرًا ربما من الأمثلة السابقة التي سردناها نستطيع أن نتبين دور كل من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في تنمية الصحارى العربية، وإذا لم يتكامل جهدهما معًا وبمشاركة السكان المحليين لا يمكن أبدًا أن تنجح أي جهود للتنمية المستدامة للصحارى.

منقول