[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الأمن المائي والتخزين الاستراتيجي للمياه
في الكويت
صادق ابراهيم ود. محمود عبدالجواد
دفع الإحساس بخطورة الموقف العالمي بالنسبة للموارد المائية الحكومات والمنظمات العالمية للعمل على عقد المؤتمرات ووضع البرامج والخطط وسن القوانين المتعلقة بالمياه. ولعل من ابرز سمات هذا الإحساس بقصور موارد المياه التقليدية عن الوفاء بالمتطلبات في الكثير من بقاع العالم الى جانب جهود الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استخداماتها في مختلف
قطاعات التنمية، السعي لاختصار الدورة الطبيعية المتكررة لتوفير الماء العذب من الرصيد الضخم من المياه المالحة في البحار والمحيطات، عن طريق التبخير بالتسخين الشمسي ثم الترسيب على هيئة أمطار تجري في الأنهار والسيول، وكذلك عن طريق استخدام التكنولوجيا لتصنيع المياه العذبة، ومن هنا جاء التوسع الملفت للنظر في بناء محطات تحلية المياه المالحة او المياه الجوفية الضاربة للملوحة. ولقد شهدت السنوات الأخيرة معدلات أسرع في إنشاء هذه المحطات وفي تطوير تقنيات حديثة للتحلية، مثل التطاير الفجائي والتقطير متعدد المؤثرات والديلزة الكهربائية والتجميد والتناضح العكسي، وأخيراً استخدام الطاقات المتجددة لهذا الغرض.
ومع الأخذ بعين الاعتبار التكلفة التشغيلية المرتفعة لتحلية المياه، يصبح من البديهي ضرورة التركيز على كافة مجالات المحافظة على هذه المياه التي يتم استخلاص قطراتها من المياه المالحة، وتشمل المحافظة على المياه جميع خطوات الإنتاج والنقل والتخزين والتوزيع. كما يصبح من البديهي ايضاً وبخط مواز ضرورة جمع ومعالجة موارد مياه الصرف العادمة لإعادة استخدامها في مجالات تؤدي بالضرورة الى تخفيـف الطلب على المياه العذبة وبالتالي الى تخفيف عبء التكاليف الباهظة عن كاهل الدولة لتوفير موارد مياه إضافية.
وللمياه أهمية خاصة بالنسبة لدولة الكويت. وتبرز هذه الأهمية من أن الكويت واقعة في منطقة بحرية صحراوية لا تتوفر فيها مياه عذبة طبيعية، مما أعاق تطورها قبل ظهور النفط، ولكن عندما توفرت الإمكانات المادية اتجهت الكويت نحو مياه البحر لتوفير احتياجاتها من المياه العذبة. وكان التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته على مدى الخمسين عاماً الماضية مدعوماً بالدرجة الأولى بمصدر المياه العذبة الوحيد باستخدام تقنيات تقطير مياه البحر.
وتطورت القدرة الإنتاجية لمحطات التقطير من مليون غالون إمبراطوري في اليوم عام 1953 الى 282 مليون غالون إمبراطوري في اليوم عام 1998. وتزامن هذا التطور مع تزايد معدل استهلاك المياه العذبة من 0.7 مليون غالون إمبراطوري يومياً في عام 1954 الى 215 مليون غالون يومياً عام 1998، كما وصل أقصى إجمالي الاستهلاك اليومي في نفس هذا العام الى اكثر من 256 مليون غالون يومياً، فإذا اخذ بالاعتبار ان أعلى نسبة لاستغلال القدرات الإنتاجية لمحطات التقطير لا تتجاوز 90% من القدرة الاسمية لهذه الوحدات، فان ما هو متوفر حالياُ من قدرات إنتاجية لا يكاد يفي باحتياجات الدولة من المياه العذبة.
وقد بذلت وزارة الكهرباء والماء مجهودات كبيرة وصرفت مبالغ طائلة لبناء خزانات للمياه العذبة على شكل خزانات خرسانية أرضية ومخروطية مرتفعة بلغت سعتها الإجمالية حوالي 2000 مليون غالون يومياً لا تكاد تفي باحتياجات متوسط الاستهلاك لأكثر من 9 أيام فقط. جدير بالذكر ان لدى الوزارة خطة طوارئ لتقنين استهلاك المياه العذبة وتوزيعها على المواطنين عند الحاجة، الا ان ما حدث في أعقاب تحرير دولة الكويت من تدمير لمنشآت إنتاج المياه ونفاد او عدم امكانية
السيطرة على تقنين تــوزيع المياه، اثبت بما لا يدع مجالاً للشك. ان خطط الطوارئ لتقنين وتوزيع واستهلاك المياه العذبة لا يمكن ان تكون بديلاً عن التخزين الاستراتيجي للمياه ولا يمكن الاعتماد عليها لتوفير الأمن المائي لتأمين الاستمرارية الطبيعية لدولة الكويت تحت كافة الظروف.
ومن هذا المنطلق قام معهد الكويت للأبحاث العلمية ،خلال العقدين الماضيين، بإجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بسبل تنمية موارد المياه وطرق المحافظة عليها وبالأخص الدراسات المتعقلة بتطوير وتوطين الطرق الحديثة لتحلية المياه والدراسات المتعلقة بالشحن الاصطناعي للمياه في المكامن الجوفية الطبيعية وكذلك الدراسات المتعلقة بمعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي.