قصة أيوب عليه السلام
عبد الغني محياوي
لعلكم تذكرون في قصة نبي الله إسحاق عليه الصلاة والسلام لما ذكرنا أن الله عز وجل رزقه بولدين الأول سماه " الْعِيصْ "وهو والد
الروم والثاني جاء بِعَقِبِهِ وهو توأم سماه" يعقوب "عليه الصلاة والسلام أما الْعِيصْ أبو الروم فمن ذريته جاء ولد إسمه أيوب عليه الصلاة والسلام فأيوب من ذرية إبراهيم كما ذكرنا أن كل الانبياء بعد إبراهيم هم من ذرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قصة أيوب قصة عظيمة كُلٌّ مِنَّا إذا ذَكَرَ أيوب ذكَرَ الصَّبر فالصَّبر وأيوب عليه الصلاة والسلام قرينان هذا النبي الذي إبتلاه الله عز وجل بالنعم وابتلاه الله عز وجل بالمصائب والإبتلاآت ما أحد ولا يُذْكَرْ في التاريخ عن أي إنسان إبْتُلِيَ ببلاء إلا وأيوب فاقَهُ رزقه الله عز وجل نِعما كثيرة المزارع والخيرات والثمرات التي كان يملكها أيوب عليه السلام يشهدها القاصي والداني
فرزقه الله عز وجل مالا كثيرا وفيرا فالثمرات والخيرات والأشجار والزروع والخيرات كان يمتلكها أيوب فكان غنيا ورزقه الله عز وجل زوجة صالحة ليس هذا فقط بل كان عنده من الخدم ما عنده والناس تنظر إلى أيوب إلى أنه نبي غني ثري عنده الخير وعنده النبوة ورزقه الله عز وجل أربعة عشر ولدا وبنتاأنظروا إلى هذا الخير كُلِّهِ ماذا يريد الإنسان أكثر من هذا بلدة طيبة ورب غفور نبي من أنبياء الله زوجة وأولاد وبنات وخير ومزارع وضِياع وخدم وكل هذا مع العمل الصالح الذي كان يمتثله أي نعمة كانت عند أيوب عليه الصلاة والسلام فجأة بدأ البلاء بهذا النبي في هذه الحلقة سوف نتكلم عن البلاء الذي مر به هذا النبي أي بلاء وماذا فعل أيوب عليه السلام مع هذا البلاء الذي أبتلي به بلاء عظيم نزل على هذا النبي ما نزل على أحد قبله بدأ البلاء بمرض دَبَّ في جسمه حتى أُقعِدَ على الفِراش بدأ يفقد أولاده واحدا بعد الآخر خسر كل أمواله أين الضِياع أين الثِمار أين الأشجار أين الخيرات كلها قد إحترقت واحدة بعد الآخرى سبحان ربي
كيف يفقد الإنسان ماله فجأة وأولاده سُرعة ولا يبقى له شيئا من الدنيا حتى خَدَمُهُ الذين كانوا يخدِمُونَهُ فإنهم تركوه واحد بعد الآخر إبتلى الله عز وجل هذا النبي فما قصة بلائه وكيف تعامل هذا النبي مع هذا البلاء العظيم الذي إبتلاه الله عز وجل به أيوب عليه الصلاة والسلام كان مُهيأ لأنه نبي لِمثل هذا البلاء كان مُستعدا ماذا سيحصل هو في قلبه يؤمن بأن الإيمان لابد فيه من بلاء أحسب الإنسان أن يكون مؤمنا ولا يفتنه الرب عز وجل لابد من الفتنة وإن كان الإنسان نبيا
.
إشتد المرض بأيوب عليه السلام حتى أقعِد الفراش لم يكن يتحرك شيء فيه إلا لِسانه يذكر الله عز وجل به أي بلاء هذا كل فترة من الزمن يسمع عن موت أحد أبنائه الواحد منا لو مات إبن واحد له فإنه لا يُطيق كيف لو مات إبن بعد الآخر ولد بعد الآخر إن الأمر الذي نُخبر به نسمعه ونتثأر لكن لو عاش الإنسان هذه الحياة مريض طريح الفراش كل يوم يأتيه خبر عن وفاة إبن من أبنائه حتى فَنِيَ أبنائه جميعا أربع عشرة ولدا وبنتا لم يبقى منهم أحد أما أمواله فقد فقدها جُزْءاً بعد الآخر جُزْءاً بعد الآخر ولم يبقى له شيء من الدنيا إلا زوجته تخدمه إلا زوجته تأتي له بالطعام لِيأكل ويشرب { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ } فَقَدَ كل أمواله بعد أن كان غنيا لو كان الإنسان فقيرا بالأصل لَهَانَ الْخَطْبُ لكن أن يكون غنيا عزيزا سيفقد كل شيء { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ}
ليس فقط الأموال بل حتى الأولاد نفسا بعد أخرى ذهبت { وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ } وكم سنة هو طريح الفراش خسر كل ما يملك ثماني عشرة سنة وهو على هذه الحال أي صبر صبره أيوب {وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } ماذا قال أيوب { قَالُواْ إِنَّا للهِ } فنحن وأولادنا وأموالنا وكل ما نملك لله عز وجل أيوب عليه السلام ضرب أروع الأمثلة بالصبر كان دائما يذكر الله عز وجل { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب } كان رجلا صابرا نبيا صابرا لم يكن يتأسف زوجته كانت تخدم الناس وتقبض بعض دريهمات فتشتري طعاما وتُطعِمه المرأة العزيزة المرأة التي كانت طِوال حياتها معززة مُكرمة غنية ثرية أولادها حولها الخَدَمُ والأموال والثراء الآن لا تملك شيئا الآن أجيرة عند الناس في يوم من الأيام جاءت هذه المرأة الصالحة التقية جاءت لأيوب عليه السلام قالت يا أيوب أنت نبي يستجيب الله لك إدعو الله عز وجل سيشفيك
فنظر إليها أيوب لم يكن يُبالي أصلا بالمرض قال لها يا فُلانة يا فلانة أرأيت كم سنة قبل مرضي كنت مُعافاً قالت سبعين سنة لما أصبت بالمرض كان عمرك سبعين سنة قال أنعم الله علي بالعافية سبعين سنة أفلا يحق لي أن أصبر بالمرض سبعين سنة أخرى{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي صبر هذا الذي صبره أيوب عليه السلام حقا كما قيل إذا ذُكِرَ الصبر فلا يُذكر إلا أيوب لقد أوتي من الصبر شيئا عظيما تقطع جسمه وهو على الفراش هجره الأحباب والأصحاب لم يبقى عنده أحد من الناس خاف الناس أن ينقل المرض إليهم فلم يقترب منه أحد بل كان مرضه يجعل جسده أحيانا يتقطع فيتساقط اللحم وتخرج الرائحة والناس لم يقتربوا منه أبدا يالله تخيل لو كان الإنسان مريضا على الفراش أسبوعا وأسبوعين لمَلَّ ثماني عشرة سنة ويفقد كل أولاده وكل أمواله زوجته تذهب لِتخدم الناس يوم من الأيام لِتأتي بالطعام إلى أيوب عليه السلام لكنها تُطرد من البيوت فهذا يطردها وهذا لا يُشغلها
وهذا يمنعها وهذا لا يُريد أن يفتح لها الباب مالذي حدث مالذي جرى وكيف تُطعم الزوجة زوجها وماذا سيأكل أيوب عليه السلام ماذا ستفعل هذه المرأة الصالحة في زمنهم كانت الضفائر تُباع الشعر يُباع فقصت ضفيرتها ثم باعت شعرها ببضع دريهمات و إشترت بالدريهمات طعاما وجاءت به إلى أيوب وأيوب كان يعلم أن الناس قد طردوها ومنعوها من العمل فقال لها أيوب عليه السلام يا فلانة ألم تُخبريني أن الناس منعوك من العمل قالت نعم يا نبي الله كُلِ الطعام ثم أخبرك مالذي حدث قال لها لا والله لا آكل أخبريني مالذي حدث أخبيرني مالذي جرى من أين جئت بالطعام قالت كل يا نبي الله أنت جائع كل حتى لا تموت أنت مريض فقال لها لن آكل حتى تُخبريني وكانت صادقة فقالت له إنني قصصت شعري وَبِعْتُهُ وكشفت عن خِمارها فرأى شعرها قد قصته لِتبيعه لِتأتي له بالطعام هنا بلغ الأمر مبلغه هنا بلغ أيوب عليه السلام قمة الصبر هنا دعا أيوب ربه فقال { رَبّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ }
حتى دعائه لم يكن بأسلوب الشكوى لم يطلب طلبا مباشرا بل فقط قال ربي أنا مسني الضر وأنت أرحم الراحمين { رَبّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ } أيوب عليه السلام صبر طِوال هذه السنين لكن لما رأى ما حصل لزوجته هنا بث شكواه لله عز وجل هنا بث همه لله جل وعلا أشد الناس بلاء الانبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى المرء على قدر دينه من منا يتصور هذا البلاء ليس يوما ولا يومين ولا ثلاث بل ولا سنة ولا سنتين ولا ثلاث ثماني عشرة سنة على الفراش طريحا زوجته صارت خادمة للناس بعد أن كانت عزيزة كريمة بعد أن كانت تُخدم صارت خادمة فقد كل أولاده أين هذا البيت أين هذا البيت الذي كان يمتلئ بالأولاد والبنات أين أولاده الذين كان ينتظرهم فيكبرون ليخدموه وَيَبَرُّوهُ مالذي حدث لِمَا خلي البيت كله أين أموالي أين خدمي لكن حقا { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } نعم كل من صبر فإن الله عز وجل لا بد أن يُنجيه لكن البلاء عظيم لكن المحنة طالت لكنها ثماني عشرة سنة وهو على الفراش أي بلاء هذا كيف صبر أيوب عليه السلام كل هذا الصبر كيف يفقد الإنسان أولاده واحدا بعد الآخر وكل أمواله ويصبح طريح الفراش ثم يحصل له ما حصل إنه أيوب عليه السلام وإنه الصبر الذي تمثله أيوب عليه الصلاة والسلام
.