الأمير عبدالقادر شيخ المجاهدين
ولد الأمير عبدالقادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبدالقادر في 6 سبتمبر 1808 في الجزائر وتوفي في 26 مايو عام 1883 في دمشق. ينتهي نسبه الشريف الى الامام الحسن سبط الرسول صلى الله عليه وسلم.
كان والده محيي الدين ممن لا يسكتون على الظلم، فكان من الطبيعي ان يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة «وهران»، وأدى هذا الى تحديد اقامة الوالد في بيته، فاختار ان يخرج من الجزائر كلها في رحلة طويلة. فكان الاذن له بالخروج لأداء فريضة الحج عام 1825م، فخرج الوالد واصطحب ابنه عبدالقادر معه، فكانت رحلة عبدالقادر الى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم بلاد الشام ثم بغداد، ثم العودة الى الجزائر من جديد عام 1828م، فكانت رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه ان استقرا في قريتهم «قيطنة»، ولم يمض وقت طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر.
فرّق الشقاق بين الزعماء كلمة الشعب، وبحث أهالي وعلماء «غريس» عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعون على الجهاد تحت قيادته، واستقر الرأي على والده «محيي الدين الحسني» وعرضوا عليه الأمر، فحقق على رأس الجيش كثيراً من الانتصارات، ثم اقترح ان يتقدم نجله «عبدالقادر» لهذا المنصب، فقبل الحاضرون، وقبل الشاب تحمل المسؤولية، وتمت البيعة، ولقبه والده بـ «ناصر الدين» واقترحوا عليه ان يكون «سلطان» ولكنه اختار لقب «الأمير»، وبذلك خرج الى الوجود «الأمير عبدالقادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني»، وكان ذلك في 27 نوفمبر 1832 وهو في ريعان شبابه.
وحتى تكتمل صورة الأمير عبدالقادر، فقد تلقى الشاب مجموعة من العلوم حيث درس الفلسفة والفقه والحديث والألفية في النحو، والسنوسية، والتوحيد، والاتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل له العلم الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان القتال، و تكاملت لديه مؤهلات تجعله كفؤًا لهذه المكانة.
ولبطولة الأمير اضطرت فرنسا الى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية «دي ميشيل» عام 1834، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبدالقادر، وبذلك بدأ الأمير يتجه الى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها، الى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ فرنسي بقوله: «يستطيع الطفل ان يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب، دون ان يصيبه أذى!!».