[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أثر الأنقسامات و الثورات على الخلافة الأموية
ـ الجزء الأول ـ
النار من مستصغر الشرر.. ونيران الثورات والتمرد تبدأ في نفس المرء كرد فعل على لفحات محرقة تلسع حياة الناس وتمس كيانهم، أو تبدأ لغرض أو هوى في النفس، ثم تنتشر داخل المجتمع كالنار في الهشيم، وتزيدها رياح دعاة الفتن والأطماع اشتعالاُ وانتشاراً.. حينئذ يصعب إخمادها.
ولكل ثورة أو تمرد ضد السلطة أسبابها وعواملها بصرف النظر عن نوعها وأهدافها وقربها من الحق أو الباطل.. ويشترك في هذه الأسباب كل المجتمع.. وتتحمل السلطة الجزء الأكبر من هذه الأسباب؛ لأنها أكثر معرفة بظروف رعيتها وأحوالهم، وأكثر قدرة على معالجة الأخطاء وسد أبواب الفتن.
وكلما زادت أخطاء السلطة أو زاد ضعفها كانت أكثر عرضة لكل تمرد وثورة في الداخل ولكل طامع في الخارج..
وأكثر ما يثور الناس عليه هو الظلم وتدهور أحوال الناس المادية، وكذلك وجود الانقسامات الداخلية وتوسعها.. ويزداد الوضع سوءاً كلما أصر الحاكم على إبقاء أسباب الاضطرابات أو ضعف عن معالجة هذه الأسباب.
ورغم أن ما في الدولة الأموية من خير كثير وما قدمته للإسلام والأمة، إلا أن حكمها شابه كثير من الخلل، وعانى مجتمعها من الصراعات الداخلية في مراحل متعددة من تاريخها؛ ولذلك كثرت فيها الثورات وحركات التمرد، وتعددت أسبابها وتنوعت أهدافها بين المطالب والمطامع..
وفي هذا التقرير نذكر نبذة بسيطة من هذه الثورات والصراعات خلال الحكم الأموي؛ لنتعرف على بعض أسباب ضعف وسقوط هذه الخلافة.
الثورات وبوابة العصبية القبلية:
ظهر أثر هذه العصبية بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وتخلي ابنه معاوية (الثاني) عن الخلافة، فقد نصرت قبيلة كلب اليمانية مروان بن الحكم حين رشح نفسه للخلافة، وقاتلت معه الضحاك بن قيس الفهري زعيم القيسية في الشام، وكان يدعو لعبد الله بن الزبير. وانتصر مروان في وقعة (مرج راهط) سنة 64هـ بسواعد الكلبيين. وقتل الضحاك بن قيس في الموقعة وهزم القيسية. ومن بعدها تأصلت العداوة بين اليمانية والقيسية (المضرية). وظل اليمانية حلفاء بني أمية حتى خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين ثار عليه يزيد بن المهلب بن أبي صفرة زعيم اليمانية.
وتمتد جذور هذه الثورة إلى أيام الحجاج الثقفي حين كان أميراً على العراق والمشرق. فقد كان الحجاج يكره يزيد بن المهلب؛ لأنه كان يتيه عليه. فهو ابن المهلب بن أبي صفرة والقائد الشهير الذي أخمد ثورات الخوارج وقارعهم تسعة عشر عاماً، وأفنى الكثير منهم. وكان من قادة عبد الله بن الزبير ثم تحول إلى عبد الملك بن مروان بعد مقتل مصعب بن الزبير سنة 71هـ في وقعة (دير الجاثليق)، فولاه عبد الملك على خراسان. وبعد وفاته سنة 82هـ خلفه ابنه يزيد في إمارة خراسان .
وفي سنة 85هـ طلب الحجاج من الخليفة أن يأذنه في خلعه، وادعى أنه يميل إلى آل الزبير وأنه اختان أموالاً من خراج خراسان فوافقه الخليفة، ولكنه أمره أن يولي على خراسان أخاه المفضل بن المهلب، فامتثل لأمر الخليفة وولاه وهو كاره.
ولما توفي عبد الملك خلفه ابنه الوليد، فسارع الحجاج إلى عزل المفضل عن خراسان وولى عليها قتيبة بن مسلم. ثم قبض على يزيد بن المهلب وعلى أخيه المفضل وسجنهما وعزل أخويهما عبد الملك وحبيب ابني المهلب عن أعمالهما.
وتمكن السجينان من الهرب من سجن الحجاج وتوجها إلى فلسطين ودخلا على سليمان في (الرملة) مستجيرين فأجارهما. وكتب إلى أخيه الوليد بذلك فأقره على ما فعل . ولما تولى سليمان الخلافة بعد وفاة أخيه الوليد سنة 96هـ، ولى يزيد بن المهلب أميراً على العراق، وولى أخاه عبد الملك أميراً على خراسان ؛ فاشتد بذلك عضد اليمانية.
ولكن عمر بن عبد العزيز الذي خلف سليمان سنة 99هـ عزل يزيد ابن المهلب عن العراق وقبض عليه وسجنه وطالبه بالأموال التي اختانها من خراسان حين كان أميراً عليها. ولما مرض عمر المرض الذي توفي فيه هرب يزيد من سجنه؛ خشية من يزيد بن عبد الملك الذي سيخلف عمر بعد موته؛ لأنه كان ناقماً عليه..
وتوجه يزيد بن المهلب بعد هربه إلى العراق فاجتمع حوله اليمانية، واستولى على البصرة. فلما تولى الخلافة يزيد ولى على العراق أخاه مسلمة بن عبد الملك وأرسله على رأس جيش من أهل الشام لقتال يزيد بن المهلب.
وفي الموقعة الجارية بينهما سنة 102هـ قتل يزيد بن المهلب واجتمع بالبصرة من نجا من آل المهلب، فحملتهم السفن إلى السند. وبعد قتل يزيد بن المهلب وما حل بآل المهلب انقلب اليمانية على الوليد بن يزيد فمال إلى القيسية.
ولما تولى الخلافة هشام بن عبد الملك بعد وفاة أخيه يزيد سنة 105هـ أراد أن يتقرب من اليمانية فولى خالد بن عبد الله القسري على العراق - وكان من زعمائهم - وبعد خمس عشرة سنة من ولايته على العراق عزله هشام سنة 120هـ؛ لأنه بلغه أنه يذكره بسوء، وأنه أثرى ثراء فاحشاً من أموال الخراج، وأنه ازدرى قرشياً من آل عمرو بن سعيد بن العاص وبسط لسانه عليه في مجلس العامة، محتقراً قدره، وأنه قدم أهل الذمة وقربهم، وأنه تكبر وتجبر وذل أناساً بغير حق.
فعزله الخليفة وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي - ابن أخي الحجاج عدو اليمانية - وأمره بحبس خالداً مع ابنه وأخيه وأبناء أخيه. وبعد أن لبثوا في السجن سنة أمره الخليفة بإخلاء سبيلهم، فقدم خالد إلى دمشق وأقام فيها.
وفي سنة 126هـ حدثت حرائق في دمشق فاتهم بها خالد وأبناؤه، فقبض عليهم كلثوم بن عياض القسري - نائب الخليفة في دمشق وحبسهم - ولما علم الخليفة (وهو مقيم بالرصافة) بالأمر كتب إلى عامله بإطلاق سبيلهم فأخلاهم. وظل خالد مقيماً بدمشق حتى توفي هشام سنة 126هـ وتولى من بعده ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك فاستدعى خالداً وطالبه بالأموال التي دخلت عليه من خراج خراسان وأرسل إلى عمر بن يوسف الثقفي أمير العراق، وأمره بتعذيبه، فمات خالد تحت العذاب.
نقم اليمانية على بني أمية قتل يزيد بن المهلب وما حل بآل المهلب من قتل وتشريد. وزاد في نقمتهم قتل خالد بن عبد الله القسري؛ فأتمروا على الوليد بن يزيد وقتلوه بعد سنة من خلافته، وبايعوا لابن عمه ومنافسه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأطلق يدهم بالانتقام من القيسية (المضرية)؛ فكان ذلك سببا لاشتداد النزاع بينهم وبين اليمانية.
فأعلن القيسية الثورة في حمص وفلسطين والأردن بزعامة بعض أمراء البيت الأموي؛ ثأراً لمقتل الوليد. واستطاع يزيد بمساعدة اليمانية قمع هذه الثورات. غير أن خلافته لم تطل أكثر من ستة أشهر وتوفي سنة 126هـ. وتولى الخلافة من بعده أخوه إبراهيم بعهد منه، فلم تتم له الخلافة إلا سبعين يوماً.
فقد أقبل مروان بن محمد بن الحكم - وهو يومئذ شيخ بني أمية - على رأس جيش من القيسية كانوا قد بايعوه، فدخل دمشق وهرب إبراهيم، وانتقم القيسية من اليمانية بكل أنواع الانتقام
أثر الأنقسامات و الثورات على الخلافة الأموية
ـ الجزء الأول ـ
النار من مستصغر الشرر.. ونيران الثورات والتمرد تبدأ في نفس المرء كرد فعل على لفحات محرقة تلسع حياة الناس وتمس كيانهم، أو تبدأ لغرض أو هوى في النفس، ثم تنتشر داخل المجتمع كالنار في الهشيم، وتزيدها رياح دعاة الفتن والأطماع اشتعالاُ وانتشاراً.. حينئذ يصعب إخمادها.
ولكل ثورة أو تمرد ضد السلطة أسبابها وعواملها بصرف النظر عن نوعها وأهدافها وقربها من الحق أو الباطل.. ويشترك في هذه الأسباب كل المجتمع.. وتتحمل السلطة الجزء الأكبر من هذه الأسباب؛ لأنها أكثر معرفة بظروف رعيتها وأحوالهم، وأكثر قدرة على معالجة الأخطاء وسد أبواب الفتن.
وكلما زادت أخطاء السلطة أو زاد ضعفها كانت أكثر عرضة لكل تمرد وثورة في الداخل ولكل طامع في الخارج..
وأكثر ما يثور الناس عليه هو الظلم وتدهور أحوال الناس المادية، وكذلك وجود الانقسامات الداخلية وتوسعها.. ويزداد الوضع سوءاً كلما أصر الحاكم على إبقاء أسباب الاضطرابات أو ضعف عن معالجة هذه الأسباب.
ورغم أن ما في الدولة الأموية من خير كثير وما قدمته للإسلام والأمة، إلا أن حكمها شابه كثير من الخلل، وعانى مجتمعها من الصراعات الداخلية في مراحل متعددة من تاريخها؛ ولذلك كثرت فيها الثورات وحركات التمرد، وتعددت أسبابها وتنوعت أهدافها بين المطالب والمطامع..
وفي هذا التقرير نذكر نبذة بسيطة من هذه الثورات والصراعات خلال الحكم الأموي؛ لنتعرف على بعض أسباب ضعف وسقوط هذه الخلافة.
الثورات وبوابة العصبية القبلية:
ظهر أثر هذه العصبية بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وتخلي ابنه معاوية (الثاني) عن الخلافة، فقد نصرت قبيلة كلب اليمانية مروان بن الحكم حين رشح نفسه للخلافة، وقاتلت معه الضحاك بن قيس الفهري زعيم القيسية في الشام، وكان يدعو لعبد الله بن الزبير. وانتصر مروان في وقعة (مرج راهط) سنة 64هـ بسواعد الكلبيين. وقتل الضحاك بن قيس في الموقعة وهزم القيسية. ومن بعدها تأصلت العداوة بين اليمانية والقيسية (المضرية). وظل اليمانية حلفاء بني أمية حتى خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين ثار عليه يزيد بن المهلب بن أبي صفرة زعيم اليمانية.
وتمتد جذور هذه الثورة إلى أيام الحجاج الثقفي حين كان أميراً على العراق والمشرق. فقد كان الحجاج يكره يزيد بن المهلب؛ لأنه كان يتيه عليه. فهو ابن المهلب بن أبي صفرة والقائد الشهير الذي أخمد ثورات الخوارج وقارعهم تسعة عشر عاماً، وأفنى الكثير منهم. وكان من قادة عبد الله بن الزبير ثم تحول إلى عبد الملك بن مروان بعد مقتل مصعب بن الزبير سنة 71هـ في وقعة (دير الجاثليق)، فولاه عبد الملك على خراسان. وبعد وفاته سنة 82هـ خلفه ابنه يزيد في إمارة خراسان .
وفي سنة 85هـ طلب الحجاج من الخليفة أن يأذنه في خلعه، وادعى أنه يميل إلى آل الزبير وأنه اختان أموالاً من خراج خراسان فوافقه الخليفة، ولكنه أمره أن يولي على خراسان أخاه المفضل بن المهلب، فامتثل لأمر الخليفة وولاه وهو كاره.
ولما توفي عبد الملك خلفه ابنه الوليد، فسارع الحجاج إلى عزل المفضل عن خراسان وولى عليها قتيبة بن مسلم. ثم قبض على يزيد بن المهلب وعلى أخيه المفضل وسجنهما وعزل أخويهما عبد الملك وحبيب ابني المهلب عن أعمالهما.
وتمكن السجينان من الهرب من سجن الحجاج وتوجها إلى فلسطين ودخلا على سليمان في (الرملة) مستجيرين فأجارهما. وكتب إلى أخيه الوليد بذلك فأقره على ما فعل . ولما تولى سليمان الخلافة بعد وفاة أخيه الوليد سنة 96هـ، ولى يزيد بن المهلب أميراً على العراق، وولى أخاه عبد الملك أميراً على خراسان ؛ فاشتد بذلك عضد اليمانية.
ولكن عمر بن عبد العزيز الذي خلف سليمان سنة 99هـ عزل يزيد ابن المهلب عن العراق وقبض عليه وسجنه وطالبه بالأموال التي اختانها من خراسان حين كان أميراً عليها. ولما مرض عمر المرض الذي توفي فيه هرب يزيد من سجنه؛ خشية من يزيد بن عبد الملك الذي سيخلف عمر بعد موته؛ لأنه كان ناقماً عليه..
وتوجه يزيد بن المهلب بعد هربه إلى العراق فاجتمع حوله اليمانية، واستولى على البصرة. فلما تولى الخلافة يزيد ولى على العراق أخاه مسلمة بن عبد الملك وأرسله على رأس جيش من أهل الشام لقتال يزيد بن المهلب.
وفي الموقعة الجارية بينهما سنة 102هـ قتل يزيد بن المهلب واجتمع بالبصرة من نجا من آل المهلب، فحملتهم السفن إلى السند. وبعد قتل يزيد بن المهلب وما حل بآل المهلب انقلب اليمانية على الوليد بن يزيد فمال إلى القيسية.
ولما تولى الخلافة هشام بن عبد الملك بعد وفاة أخيه يزيد سنة 105هـ أراد أن يتقرب من اليمانية فولى خالد بن عبد الله القسري على العراق - وكان من زعمائهم - وبعد خمس عشرة سنة من ولايته على العراق عزله هشام سنة 120هـ؛ لأنه بلغه أنه يذكره بسوء، وأنه أثرى ثراء فاحشاً من أموال الخراج، وأنه ازدرى قرشياً من آل عمرو بن سعيد بن العاص وبسط لسانه عليه في مجلس العامة، محتقراً قدره، وأنه قدم أهل الذمة وقربهم، وأنه تكبر وتجبر وذل أناساً بغير حق.
فعزله الخليفة وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي - ابن أخي الحجاج عدو اليمانية - وأمره بحبس خالداً مع ابنه وأخيه وأبناء أخيه. وبعد أن لبثوا في السجن سنة أمره الخليفة بإخلاء سبيلهم، فقدم خالد إلى دمشق وأقام فيها.
وفي سنة 126هـ حدثت حرائق في دمشق فاتهم بها خالد وأبناؤه، فقبض عليهم كلثوم بن عياض القسري - نائب الخليفة في دمشق وحبسهم - ولما علم الخليفة (وهو مقيم بالرصافة) بالأمر كتب إلى عامله بإطلاق سبيلهم فأخلاهم. وظل خالد مقيماً بدمشق حتى توفي هشام سنة 126هـ وتولى من بعده ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك فاستدعى خالداً وطالبه بالأموال التي دخلت عليه من خراج خراسان وأرسل إلى عمر بن يوسف الثقفي أمير العراق، وأمره بتعذيبه، فمات خالد تحت العذاب.
نقم اليمانية على بني أمية قتل يزيد بن المهلب وما حل بآل المهلب من قتل وتشريد. وزاد في نقمتهم قتل خالد بن عبد الله القسري؛ فأتمروا على الوليد بن يزيد وقتلوه بعد سنة من خلافته، وبايعوا لابن عمه ومنافسه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأطلق يدهم بالانتقام من القيسية (المضرية)؛ فكان ذلك سببا لاشتداد النزاع بينهم وبين اليمانية.
فأعلن القيسية الثورة في حمص وفلسطين والأردن بزعامة بعض أمراء البيت الأموي؛ ثأراً لمقتل الوليد. واستطاع يزيد بمساعدة اليمانية قمع هذه الثورات. غير أن خلافته لم تطل أكثر من ستة أشهر وتوفي سنة 126هـ. وتولى الخلافة من بعده أخوه إبراهيم بعهد منه، فلم تتم له الخلافة إلا سبعين يوماً.
فقد أقبل مروان بن محمد بن الحكم - وهو يومئذ شيخ بني أمية - على رأس جيش من القيسية كانوا قد بايعوه، فدخل دمشق وهرب إبراهيم، وانتقم القيسية من اليمانية بكل أنواع الانتقام