قصة شعيب عليه السلام
نذكر في الحلقة الماضية لما تكلمنا عن نبي الله لوط عليه السلام ، وكيف نجاه الله عز وجل وإبنتيه من القرية التي كانت تعمل الخبائث من القوم قوم السوء ، الذين كانوا يأتون الذُكْرَانَ من العالمين نجا الله عز وجل لوطا وإبنتيه ودمر القرية بمن فيها ، ليس بعيدا عن قرى ""تَدُومْ""قوم لوط قرية تُسمى ""مَدْيَنْ""
هذه القرية إشتهرت بالتجارة والبيع والشراء ، لكنها كانت تتعامل بالغش كانت أسواقهم كلها مليئة بالغش والكذب والخداع ، بل كانوا أكثر من هذا إذا جاءهم أحد يمر عليهم في قرى ""مَدْيَنَ""فإنهم يأخذون عليه الضرائب ويقطعون عليه الطريق ،
أرسل الله عز وجل إليهم نبي الله ""شُعَيْب ""وشُعيب كان نبيا عربيا ، الانبياء العرب هود عليه السلام صالح عليه السلام وأيضا شُعيب عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هؤلاء الاربعة كلهم من العرب أرسل الله لقوم مَدْيَنَ شُعيب ، وكانوا يعبدون الشجر شجرة تسمى ""الأَيْكَةَ""وكانوا يغشون بالاسواق وبالميزان ،
ويُطففون فيه ويأخذون من الناس أموالا بغير حق ويتعاملون بالربا { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ثم بعد توحيد الله عز وجل بدأ يعلمهم أن هذا البيع هذه التجارة ، هذا التصفيف في الميزان والمكيال إنه حرام ، لا يرضاه الله عز وجل أبدا { وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ }
يعني النعمة التي عندكم الحمد لله كافية لِمَ تغشون الناس بأسواقكم وتجارتكم وبيعكم وشرائكم { إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } وكانت من طبيعة قوم مَدْيَنْ أنهم يخرجون خارج القرى ، فإذا رأوا قافلة قطعوا عليها الطريق ، كانوا قُطاع طرق يقطعون عن الناس طريقهم فلما تمر عليهم قافلة إلا وسلبوها بعض أموالها ، يأخذون من الناس الضرائب بغير وجه حق ، مُكْسٍ لعن الله عز وجل صاحبه ضرائب يأخذونها بأي خدمة وبغير خدمة يُأدونها للناس ،
قطع طريق مع أنهم كانوا ضعفاء كانوا قليلين ،وكثّرهُم الرب عز وجل لكنهم مع هذا ما يتذكرون نعمة الله عز وجل عليهم ، لهذا ذكرهم شُعيب فقال { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } يعني تقفون على الناس في طرقهم فتقطعونها وتأخذون أموالهم { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
قوم شعيب بعد أن دعاهم نبي الله شعيب عليه السلام إلى عبادة الله وحده ، وإلى ترك البيع الحرام وشراء الحرام وغش الناس والاحتيال عليهم والبيوع المحرمة وقطع الطريق ، وأخذ الضرائب من الناس أخذوا يردون عليه بإستهزاء ، يقولون لنبي الله شعيب ذلك الرجل الذي أرسله الله قوي اللسان فصيح اللسان لكنه ضعيف الجسد ،
هذا النبي العربي بدأ قومه يتكلمون عليه يقولون دينك يا شُعيب عبادتك يا شعيب صلاتك يا شعيب ، تتدخل حتى بتجارتنا حتى بأسواقنا حتى بمعاملاتنا حتى ببيوعنا بشرائنا ، أي دين هذا الذي يتدخل بالبيع والشراء { قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ } دينك يعني{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ }
أي دين هذا الذي يتدخل بالاموال يتدخل بالتجارة يتدخل بالاقتصاد ، يتدخل بالمكيال والميزان والبيوع والشراء أي دين هذا ، هذه الدعوة القديمة التي أطلقها قوم شُعيب لا زالت تتكرر في كل زمان ومكان ، لا زال يظهر أقوام يزعمون أن دين الله عز وجل لا علاقة له بالحياة ، أن دين الله عز وجل لا علاقة له بالبيع والشراء ، أن دين الله عز وجل ليس له دعوة بالاقتصاد وبالبيوع وبالشراء وبالتجارات ، الدين ما له علاقة بهذا هذا ما قاله قوم شعيب لشعيب { قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ }
ثم أخذوا يستهزؤون بشعيب عليه السلام مع أنه أعقلهم مع أنه أفهمهم مع أنه أفصحهم لسانا ، أخذوا يستهزؤون عليه يقولون إنك عاقل عندما تدعون بهذه الدعوة إنك رشيد وعاقل ، إستهزاء به { إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } ما قصدوا أنه حليما ما قصدوا أنه رشيد وحليم لا لكنهم يستهزؤن به إستهزاء إنك حليم إنك رشيد ،
عندما تتدخل حتى بتجارتنا وأموالنا وبيوعنا ولهذا رد عليهم شعيب عليه السلام ، قال لهم يا قوم أرأيتم إن كان ديني هو الحق إن كان كلامي ما أقول لكم هو الحق ، إن كنت فد جئتكم بالبينات ماذا ستفعلون {َالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } قد يكون الذي أملك قليلا ليس مثلكم قد تكون تملكون الثروات والارصدة والاموال والتجارات ،
سرقتم أموال الناس نهبتم أموال الفقراء قطعتم الطريق أخذتم الضرائب ، أما أنا فعندي رزق قليل لكنه حسن { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } ومع هذا عندما حذرتكم من الحرام من السرقة من الغش من الاحتيال من النصب ، فإنني والله يشهد على هذا لن أفعل ما أنهاكم عنه لن آمركم بشيء ولا أفعله لن أنهاكم عن شيء وآتيه ، سأكون قبلكم إلتزاما بما أقول ،
ولهذا رد عليهم شُعيب فقال { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } إذا ماذا تريد يا شعيب { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ } لا أريد إلا الاصلاح { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ } أي أنني لا أريد إلا الاصلاح والتوفيق الذي سيكون من الله جل وعلا وحده ، { وَمَا تَوْفِيقِي } ما أرجع الامر لشطارته ولا لقوته ولا لفهمه ولا لذكائه ولا لعقله ،
بل قال أرجع الامر لله عز وجل ، هكذا الدعاء يرجعون أمرهم فقط لله جل وعلا { وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } كل الانبياء على الله عز وجل متوكلون { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي أنّ الذي آمركم به سوف ألتزمه هدفي في الارض فقط الاصلاح ليس كما تقولون أنني أنهاكم عن شيء فآتيه ، لا والله أنا أولكم إلتزاما بل قبلكم سوف ألتزم ببيعي وشرائي وتجاراتي ،
سوف أكون أول الملتزمين أريد الاصلاح في الارض أريد أن ألا يُأخَذ الناس من أموالهم بظلم ، بل يُعطى كل ذي حق حقه ، لا زال شعيب عليه السلام يدعو قومه إلى الله إلى عبادة الله وحده وإلى ترك البيوع المحرمة والتجارات المحرمة وقومه يعاندون وَيُصِّرُونَ
شعيب عليه السلام أراد أن يحذر قومه ، قال يا قوم لا يَحْمِلَنَّكُمْ مَا تفعلونه في وَشِقَاقَكُمْ لِي أن ينزل عليكم عذاب من الله عز وجل ، ألا تذكرون قوم نوح والطوفان ألم تسمعوا بما فعل الله عز وجل بقوم هود أو قوم صالح وليست قرى لوط عنكم ببعيد ،
لا زمانا ولا مكانا { وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } أنظروا لخوفه على قومه يقول يا قوم تذكروا قوم نوح كيف أهلكهم الطوفان ، تذكروا قوم هود كيف أهلكهم الريح ، تذكروا قوم صالح كيف دمرتهم الصاعقة ،
قوم لوط التي أغرقها الله عز وجل وجعل عالِيها سافِلها ليست بعيدة عنكم ، إحذروا عنادكم للانبياء أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فردوا على شعيب ذلك الخطيب المُفوّه ذلك اللسان المبين ، أنظروا ماذا قالوا له إستهزاء
{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ } كلامك لا نفهمه إنه الاستهزاء إنه العناد إنه الكبر ، من لا يفهم كلام ذلك الرجل الفصيح البليغ شعيب عليه الصلاة والسلام ، إلا قوم معاندون مكابرون يفهمون لكن كانوا يُعاندون ثم قالوا له ،
يا شعيب إنا لنراك فينا ضعيفا أنت رجل ضعيف ، وكان شعيب عليه الصلاة والسلام رجلا ضعيف البُنية ضعيف الجسد ضعيف النظر وليس من قوم أقوياء وليس من قوم يملكون القوة والمنعة ، لهذا قالوا له { قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ }
نعم عندك قوم ، ولولا معزة قومك علينا لرجمناك ، يا شعيب لم يكونوا بتلك القوة ولكن معزة قومه على باقي الناس جعلتهم يقفون عن تعذيبه ، قالوا لولا قومك يا شعيب لحفرنا حفرة ووضعناك فيها ولضربناك فيها بالحجارة
{ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } لست بِغالٍ علينا ولست بعزيز علينا ولست قويا فينا ، أنت رجل ضعيف لكن من أجل قومك وقبيلتك ، ذلك أن الله بعد لوط عليه السلام لأنه لم يكن من قومه ما أرسل نبيا ولا بعث نبيا إلا وجعله في منعة من قومه
، مثل شعيب عليه السلام قالوا { وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } رد عليهم شُعيب عليهم السلام قال { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ } رهطي وقبيلتي وجماعتي وأهلي أعز عليكم من رب العالمين
{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } رد بكل عزة وثقة قال يا قوم أقول لكم رب العالمين تقول الرهطي ، أقول لكم الله تقول قبيلتي وقومي { أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } لكنه العناد لكنه الكبر من قوم شُعيب هذا العناد والكبر كيف أوصلهم وكيف أعمى قوم شعيب عن الحقيقة التي جاء بها شُعيب عليه السلام