[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
النفط والجيوستراتيجية المعاصرة
عرفت حضاراتنا القديمة النفط من خلال ما طفا منه على سطح الارض ، واستخدمته شعوب وادي الرافدين ووادي النيل في البناء وغير ذلك من الاستعمالات البدائية . ولم يعرفه اليونانيون الا بعد ان وصلوا الى منطقتنا ، حيث وصفه احد الجغرافيين قائلاً : " هناك اسفلت في بابل. ان سائل الاسفلت هذا ، الذي يسمى نفتا ، له طبيعة خاصة حيث يحترق اذا لامسته النار".
ظل استعمال النفط على هذا الحال الى ان تم التوصل الى طرق استخراجه من باطن الارض على النحو الذي يستخرج فيه الماء ، وذلك في منتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الامريكية .
لقد ادى استخراج النفط واستعماله لتوليد الطاقة في الولايات المتحدة ، الى تغيير موازين القوة في العالم ، حيث اخذت الولايات المتحدة منذ حفر اول بئر نفطي في اراضيها في عام 1859، تتقدم على بريطانيا في مجالات التطور الاقتصادي - الصناعي . وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة التي قامت بها بريطانيا ، وكذلك هولندة ، لاستخراج النفط في اراضي مستعمراتهما في شرق آسيا ، في اندونيسيا وبورما ، حيث عمدت بريطانيا الى انشاء شركة النفط البورمية ، فان الانتاج لم يبدأ الا في القرن التالي ، وظلت بريطانيا تعتمد في توليد الطاقة على الفحم الحجري بدرجة رئيسة ، وعلى ما اخذت تستورده من نفط قليل من الولايات المتحدة ، وذلك الى حين بدأت عملياتها للتنقيب عن النفط في الاراضي الايرانية، حيث تمكنت شركة النفط الانغلو - فارسية ، التي حلت محل الشركة البورمية ، من حفر اول بئر في عام 1908 .
هكذا اتخذت بريطانيا قرار تحويل جميع آليات الجيش البريطاني الى النفط . وخلال الحرب العالمية الاولى ، لعبت تلك التطورات دوراً رئيساً في خطط الاطراف المتحاربة ، ومع انتهاء الحرب ، قال وزير الخارجية البريطاني ، اللورد كورزون:" لقد سبحت بريطانيا نحو النصر عبر بحر من النفط ". وكان النفط ، بكل ما احدث اكتشافه من ثورة في مجال الطاقة ، احد الاسباب الاساسية في تصارع القوى الاوروبية على السيطرة على هذه المنطقة الشرق اوسطية التي تضم الاراضي العربية والاراضي الايرانية ، والتي تأكد وجود مخزون هائل من النفط فيها ، حيث كانت المانيا قد تمكنت في عام 1903 من الحصول على امتياز خط برلين - بغداد من الدولة العثمانية ، بما في ذلك حق التنقيب واستثمار الثروات الطبيعية في الاراضي المحيطة بذلك الخط. غير ان الفوز كان لبريطانيا التي ما لبثت في عام 1911 ان حصلت على موافقة الدولة العثمانية على سلخ الكويت عنها ، وذلك بعد ان وقع الشيخ مبارك على تعهد بحصر حق التنقيب عن النفط في اراضي الامارة ببريطانيا وحدها . واذ ادت هزيمة المانيا في الحرب العالمية الاولى الى حصر صراع القوة في منطقتنا بين بريطانيا وفرنسا ، فان ميزان القوة ، الذي كان يميل على نحو حاسم لصالح بريطانيا ، قد مكنها اثر هزيمة الدولة العثمانية حليفة المانيا ، من تقسيم المنطقة ورسم حدود دولها على النحو الذي يضمن لها السيطرة على ايران وعلى العراق والكويت والامارات الخليجية الاخرى - وكلها كانت تعد بفيض هائل من النفط ، وكذلك على فلسطين ومصر لتأمين خطوط امداداتها النفطية عبر قناة السويس التي اكتسبت في ذلك الحين اهمية مزدوجة هي تأمين مرور النفط وتأمين طريق الهند .
ان نتائج الحرب العالمية الثانية ما لبثت ان حسمت مصير خارطة القوة ، حيث ادى تراجع بريطانيا الى بروز الولايات المتحدة كقوة رئيسة ووريثة لها في المنطقة النفطية . فالاستهلاك الهائل للمخزون النفطي الامريكي على مدى نحو قرن من الزمن ، قد دفع الولايات المتحدة الى البحث عن مصدر جديد لطاقة النفط هو الخليج العربي - الفارسي . ومع صعود الولايات المتحدة الى صدارة القوى الغربية ، لم يعد الاستحواذ على النفط هدفاً احادياً في المخططات الامريكية ، وانما اصبح مقترنا بهدف استراتيجي رفيع هو التحكم في امدادات النفط لاوروبا الغربية للحيلولة دون احتمالات اتخاذها موقفاً حيادياّ في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ، وكذلك منع الاتحاد السوفياتي من الوصول الى منابع النفط العربية ، وابعاد اليابان والصين عن التفكير في مثل هذه المحاولات .
هكذا ، وعلى مدى اربعة عقود من الحرب الباردة ، بقيت منطقة الخليج العربي -الفارسي احد المتغيرات الاساسية في صراع القوى ، وذلك في ضوء انها البقعة الوحيدة في العالم التي ضمت اكبر مخزون نفطي مؤكد ومتاح للسيطرة عليه من قبل العالم الغربي . فعلى الرغم من المعلومات المتوفرة عن مخزون نفطي كبير في حقول سببيريا وبحر قزوين في الاراضي السوفياتية ، فان ذلك المخزون لم يكن معروفا الا للسلطات السوفياتية ، وكذلك الحال بالنسبة لما تردد عن وجود مخزون كبير في خليج المكسيك ، حيث جرى وما زال يجري التكتم على حقيقة المعلومات بشأنه حتى الان .
وخلال هذه العقود ، حل النفط تدريجياً محل مختلف الوسائل السابقة لتوليد الطاقة ، وتوسعت استعمالاته مع تطور العلوم في الدول الصناعية ، حيث لم تعد مقتصرة على توليد الطاقة، بل دخل النفط في العديد من الصناعات الكيمياوية ، بما في ذلك صناعة الاقمشة . وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي جرت وما زالت جارية من قبل الدول الصناعية لتوفير طاقة بديلة للنفط ، كالطاقة الشمسية والطاقة النووية ، فان هذه البدائل لم تفلح حتى الان في ان تحل محل النفط ، وذلك لعدة اسباب في مقدمتها ارتفاع سعر تكلفة هذه البدائل وعدم جاهزيتها لتغطية كل الاستعمالات التي يوفرها النفط .
ويتجه العالم حالياً لاستبدال الغاز بالنفط ، وذلك تحاشياً لما يحدثه استعمال النفط من تلويث للبيئة، حيث يتضح يوماً بعد يوم وجود كميات هائلة من الغاز حيثما يوجد النفط ، او في مناطق يبدو ان النفط قد نفذ منها.غير ان استعمال الغاز بدلاً من النفط لا يغير شيئاً من الناحية السياسية والاستراتيجية ، وذلك بفعل ان الاثنين يستخرجان من باطن الارض ويتطلبان استقراراً سياسياً في منابعهما وعلى امتداد الطرق والانابيب التي تنقلهما.والىان تحل محل النفط والغاز طاقة بديلة لا ترتبط بالجغرافيا، فستظل المناطق التي تحتويهما مناطق ذات اهمية بالغة بالنسبة للقوى الدولية الراهنة وللدول المتطلعة للتحول الى قوى دولية في المستقبل المنظور .
ان انفتاح نفط بحر قزوين امام العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وما اخذ يتردد عن وجود مخزون هائل فيه من النفط والغاز ، حيث تكهنت بعض التقديرات الاولية بان ذلك المخزون يفوق مخزون الخليج العربي- الفارسي، قد اشعل المعركةالعالمية على النفط مجدداً ، ووصل الامر بالبعض الى القول بقرب استغناء الولايات المتحدة واوروبا عن نفط الخليج .
وبغض النظر عن تلك التقديرات العشوائية وما يرافقها من اغراض سياسية ، فمن المؤكد ان ظهور منطقة بحر قزوين على الساحة النفطية العالمية ، قد عقد الخريطة الاستراتيجية الدولية، واضاف الى منطقة الخليج ، منطقة اخرى كساحة للصراع الدولي ، ليس فقط بسبب توقع زيادة الطلب العالمي على النفط والغاز في العقود القليلة القادمة ، وانما بسبب ان الدول النفطية المستقلة حديثاً في منطقة بحر قزوين ، هي دول متخلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، شأنها في ذلك شأن دول الخليج العربي - الفارسي ، ولا تملك الاموال ولا التكنولوجيا التي تتيح لها استخراج نفطها وتسويقه بشروطها الذاتية ، او الاحتفاظ بمخزوناتها كمخزونات استراتيجية مستقبلية .
وقد يكون ممكناً القول ان مسألة السيطرة على نفط بحر قزوين ، الى جانب مسألة السيطرة على نفط الخليج العربي - الفارسي ، ستلعب دوراً رئيساً خلال العقود القليلة القادمة، في حسم طبيعة النظام الدولي ، هل ستتعزز قوة الولايات المتحدة وتتكرس كقوة واحدة كبرى في نظام دولي احادي القوة ، ام ستنجح مساعي القوى الاخرى الاقل قوة ، في تحويل النظام الدولي الى نظام تعددي القوة . وستكون لهذه المعركة العالمية القائمة تأثيرات مصيرية على المنطقة العربية ، وعلى مستقبل الصراع العربي - الاسرائيلي بشكل خاص .
الخريطة الجغرافية للنفط والغاز
يذكر ان النفط سيظل موجودا في باطن الارض طالما بقي كوكب الارض ، وانه لن ينضب الا بفنائها ، وذلك على الرغم من عدم قدرة العالم حتى الان على الالمام بكل عوامل واسباب تكون النفط في باطن الارض . وهذا يعني ان اية منطقة فوق الارض يمكن ان يكون في باطنها نفط . غير ان تضاريس الارض الخارجية والباطنية تجعل استخراج النفط سهلاً في مناطق وصعباً او مستحيلاً في مناطق اخرى . وكلما تقدمت العلوم والتكنولوجيا ، كلما اصبح استكشاف النفط واستخراجه اكثر احتمالا. ويشهد العصر الراهن عودة سيطرة الشركات الغربية ، وبخاصة الامريكية والبريطانية ، على الساحة النفطية العالمية ، وذلك بسبب امتلاكها للتكنولوجيا المتقدمة والاموال الطائلة التي يتطلبها استخراج النفط من الاعماق البعيدة ، حيث تراجعت معظم الشركات الوطنية التي تشكلت خلال السبعينات في دول الجنوب بعد قرارات تأميم النفط ، لكي تعود الشركات الغربية ذات الامكانيات العلمية والتكنولوجية والمالية الهائلة الى الساحة الدولية بزخم هائل . فبعد استنفاذ مخزون النفط القريب من القشرة الارضية ، تصبح عملية استخراج النفط من الاعماق اكثر صعوبة وتعقيداً واكثر تكلفة . ولذلك فان المعلومات المتوفرة عن النفط في الوقت الحاضر ، تنقسم الى ثلاث مستويات : مخزون مؤكد في آبار محفورة ، مخزون شبه مؤكد في مواقع لم يتم حفرها ومخزون محتمل بعيد الامد . وهذا المخزون بكل مستوياته يتوزع تحت مختلف مناطق العالم بدرجة او باخرى .
وقد جرى التقليد الحديث على تقسيم المناطق النفطية وفقا للتقسيمات الجيوسياسية في العالم ، فبرزت اسماء الدول التي تم اكتشاف النفط في اراضيها ، وذلك على الرغم من حقيقة ان الدراسة الجغرافية المحضة هي الاساس في هذا المجال . وبفعل ذلك التوجه الجيوسياسي ، احتلت الارض " الوطنية" اهمية فائقة، وبرزت في مناطق عديدة في العالم صراعات على مناطق حدودية يعتقد بانها غنية بالنفط ، منها المشكلة الحدودية بين العربية السعودية واليمن على سبيل المثال ، وكذلك منطقة حقل الرميلة بين العراق والكويت . بل ان حدود بعض الدول قد رسمت في فترة زمنية معينة وفقاً للمناطق النفطية التي تم التعرف عليها ، و تشكل الكويت مثالا على ذلك، كما ورد سابقاً ، حيث بقيت محمية بريطانية منذ ذلك الحين والى أن يتم منحها الاستقلال في عام 1961 .
ولدى النظر الى مختلف المناطق الجغرافية في العالم ، فسوف يتضح بان الاستدلال على النفط فيها انما يتم حاليا من خلال ما يجري في تلك الدولة او الاخرى في اية منطقة جغرافية من تنقيب او استكشاف للنفط . فمنطقة شرق آسيا تعتبر فقيرة بالنفط بينما تعتبر منطقة وسط وغرب آسيا غنية به . ويتضح بان اوروبا بشكل عام فقيرة بالنفط بينما يوجد النفط في امريكا الشمالية واميريكا الجنوبية . اما في افريقيا فالنفط موجود في شمالها ووسطها ويكاد يكون جنوبها فقيرا بالنفط . وهناك تقديرات غير موثوقة لنسب المخزون المؤكد في مختلف مناطق العالم ، وذلك على النحو الاتي : شرق آسيا والمحيط الهادي : 4% ، الخليج العربي - الفارسي : 65% ، اوروبا : 9% ، افريقيا 6% ، امريكا الشمالية : 4% ، امريكا الجنوبية 12% . ويبدو واضحاً ان هذه النسب التي اوردتها بعض الشركات النفطية ، لا تدرج مخزون الاتحاد السوفياتي السابق ، نظراً لعدم توفر المعلومات المؤكدة عن مخزونه، غير ان انهيار الاتحاد السوفياتي ، وانفتاح المعلومات عن مخزونه بدرجة ما ومخزون الدول المستقلة المطلة على بحر قزوين ، قد غير النسب تغيراً ملحوظاً . فالتقديرات الحالية لحجم المخزون المؤكد لنفط دول بحر قزوين تفترض وجود نسبة 75% في دول بحر قزوين والخليج العربي الفارسي ، الامر الذي يجعل امكانية تقدير المخزون المؤكد لمختلف مناطق العالم ، بما فيها روسيا ، بنحو 25% فقط .
ولدى اعادة النظر الى تلك المناطق من منظور الدول القائمة فيها ، يتضح ان الصين في منطقة شرق آسيا فقيرة نسبيا بالنفط ، حيث انها لم تتمكن حتى الوقت الراهن من انتاج اكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم ، وتستورد حالياً نحو نصف مليون برميل بينما ما زالت الصين تستخدم الفحم الحجري في كثير من المجالات لتوليد الطاقة . وتكاد تكون اندونيسيا هي الدولة الوحيدة الغنية نسبياً بالنفط والغاز في الوقت الراهن ، وذلك الى جانب سلطنة بروناي، وبعض الكميات المتواضعة في بورما وماليزيا واستراليا . اما الهند ، فهي لم تتمكن حتى الان من انتاج سوى مليون ونصف المليون برميل يوميا وتستورد نحو ثلثي احتياجياتها . ان المعلومات المتوفرة حتى الان انما تشير الى احتمال نفاذ مخزون اندونيسيا المؤكد من النفط بعد نحو 9 سنوات ، ونفاذ مخزون الصين بعد نحو 20 عاما، ما لم يتم صرف العديد من مليارات الدولارات للتنقيب ومحاولة الاستخراج ، الامر الذي يجعل الاستيراد ارخض تكلفة. ان الدول الواعدة بالتحول الى قوى عالمية بدرجة أو اخرى في شرق آسيا هما الصين والهند . وستحتاج هاتان الدولتان الى استيراد كميات هائلة من النفط في المستقبل القريب .
وتشكل منطقة غرب آسيا المنطقة الاغنى في العالم بالنسبة للنفط المكتشف . وبمعيار الدول ، فلقد كانت هذه المنطقة تضم في السابق كلا من الاتحاد السوفياتي شمالا والخليج العربي - الفارسي جنوباً . اما الان ، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي منذ عام 1991 ، فقد اصبحت هذه المنطقة تضم روسيا شمالاً على الرغم من ان حقولها تقع في شمال شرق آسيا ، والقوقاز ودول بحر قزوين في الوسط ، والخليج العربي - الفارسي جنوباً .
النفط والجيوستراتيجية المعاصرة
عرفت حضاراتنا القديمة النفط من خلال ما طفا منه على سطح الارض ، واستخدمته شعوب وادي الرافدين ووادي النيل في البناء وغير ذلك من الاستعمالات البدائية . ولم يعرفه اليونانيون الا بعد ان وصلوا الى منطقتنا ، حيث وصفه احد الجغرافيين قائلاً : " هناك اسفلت في بابل. ان سائل الاسفلت هذا ، الذي يسمى نفتا ، له طبيعة خاصة حيث يحترق اذا لامسته النار".
ظل استعمال النفط على هذا الحال الى ان تم التوصل الى طرق استخراجه من باطن الارض على النحو الذي يستخرج فيه الماء ، وذلك في منتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الامريكية .
لقد ادى استخراج النفط واستعماله لتوليد الطاقة في الولايات المتحدة ، الى تغيير موازين القوة في العالم ، حيث اخذت الولايات المتحدة منذ حفر اول بئر نفطي في اراضيها في عام 1859، تتقدم على بريطانيا في مجالات التطور الاقتصادي - الصناعي . وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة التي قامت بها بريطانيا ، وكذلك هولندة ، لاستخراج النفط في اراضي مستعمراتهما في شرق آسيا ، في اندونيسيا وبورما ، حيث عمدت بريطانيا الى انشاء شركة النفط البورمية ، فان الانتاج لم يبدأ الا في القرن التالي ، وظلت بريطانيا تعتمد في توليد الطاقة على الفحم الحجري بدرجة رئيسة ، وعلى ما اخذت تستورده من نفط قليل من الولايات المتحدة ، وذلك الى حين بدأت عملياتها للتنقيب عن النفط في الاراضي الايرانية، حيث تمكنت شركة النفط الانغلو - فارسية ، التي حلت محل الشركة البورمية ، من حفر اول بئر في عام 1908 .
هكذا اتخذت بريطانيا قرار تحويل جميع آليات الجيش البريطاني الى النفط . وخلال الحرب العالمية الاولى ، لعبت تلك التطورات دوراً رئيساً في خطط الاطراف المتحاربة ، ومع انتهاء الحرب ، قال وزير الخارجية البريطاني ، اللورد كورزون:" لقد سبحت بريطانيا نحو النصر عبر بحر من النفط ". وكان النفط ، بكل ما احدث اكتشافه من ثورة في مجال الطاقة ، احد الاسباب الاساسية في تصارع القوى الاوروبية على السيطرة على هذه المنطقة الشرق اوسطية التي تضم الاراضي العربية والاراضي الايرانية ، والتي تأكد وجود مخزون هائل من النفط فيها ، حيث كانت المانيا قد تمكنت في عام 1903 من الحصول على امتياز خط برلين - بغداد من الدولة العثمانية ، بما في ذلك حق التنقيب واستثمار الثروات الطبيعية في الاراضي المحيطة بذلك الخط. غير ان الفوز كان لبريطانيا التي ما لبثت في عام 1911 ان حصلت على موافقة الدولة العثمانية على سلخ الكويت عنها ، وذلك بعد ان وقع الشيخ مبارك على تعهد بحصر حق التنقيب عن النفط في اراضي الامارة ببريطانيا وحدها . واذ ادت هزيمة المانيا في الحرب العالمية الاولى الى حصر صراع القوة في منطقتنا بين بريطانيا وفرنسا ، فان ميزان القوة ، الذي كان يميل على نحو حاسم لصالح بريطانيا ، قد مكنها اثر هزيمة الدولة العثمانية حليفة المانيا ، من تقسيم المنطقة ورسم حدود دولها على النحو الذي يضمن لها السيطرة على ايران وعلى العراق والكويت والامارات الخليجية الاخرى - وكلها كانت تعد بفيض هائل من النفط ، وكذلك على فلسطين ومصر لتأمين خطوط امداداتها النفطية عبر قناة السويس التي اكتسبت في ذلك الحين اهمية مزدوجة هي تأمين مرور النفط وتأمين طريق الهند .
ان نتائج الحرب العالمية الثانية ما لبثت ان حسمت مصير خارطة القوة ، حيث ادى تراجع بريطانيا الى بروز الولايات المتحدة كقوة رئيسة ووريثة لها في المنطقة النفطية . فالاستهلاك الهائل للمخزون النفطي الامريكي على مدى نحو قرن من الزمن ، قد دفع الولايات المتحدة الى البحث عن مصدر جديد لطاقة النفط هو الخليج العربي - الفارسي . ومع صعود الولايات المتحدة الى صدارة القوى الغربية ، لم يعد الاستحواذ على النفط هدفاً احادياً في المخططات الامريكية ، وانما اصبح مقترنا بهدف استراتيجي رفيع هو التحكم في امدادات النفط لاوروبا الغربية للحيلولة دون احتمالات اتخاذها موقفاً حيادياّ في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ، وكذلك منع الاتحاد السوفياتي من الوصول الى منابع النفط العربية ، وابعاد اليابان والصين عن التفكير في مثل هذه المحاولات .
هكذا ، وعلى مدى اربعة عقود من الحرب الباردة ، بقيت منطقة الخليج العربي -الفارسي احد المتغيرات الاساسية في صراع القوى ، وذلك في ضوء انها البقعة الوحيدة في العالم التي ضمت اكبر مخزون نفطي مؤكد ومتاح للسيطرة عليه من قبل العالم الغربي . فعلى الرغم من المعلومات المتوفرة عن مخزون نفطي كبير في حقول سببيريا وبحر قزوين في الاراضي السوفياتية ، فان ذلك المخزون لم يكن معروفا الا للسلطات السوفياتية ، وكذلك الحال بالنسبة لما تردد عن وجود مخزون كبير في خليج المكسيك ، حيث جرى وما زال يجري التكتم على حقيقة المعلومات بشأنه حتى الان .
وخلال هذه العقود ، حل النفط تدريجياً محل مختلف الوسائل السابقة لتوليد الطاقة ، وتوسعت استعمالاته مع تطور العلوم في الدول الصناعية ، حيث لم تعد مقتصرة على توليد الطاقة، بل دخل النفط في العديد من الصناعات الكيمياوية ، بما في ذلك صناعة الاقمشة . وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي جرت وما زالت جارية من قبل الدول الصناعية لتوفير طاقة بديلة للنفط ، كالطاقة الشمسية والطاقة النووية ، فان هذه البدائل لم تفلح حتى الان في ان تحل محل النفط ، وذلك لعدة اسباب في مقدمتها ارتفاع سعر تكلفة هذه البدائل وعدم جاهزيتها لتغطية كل الاستعمالات التي يوفرها النفط .
ويتجه العالم حالياً لاستبدال الغاز بالنفط ، وذلك تحاشياً لما يحدثه استعمال النفط من تلويث للبيئة، حيث يتضح يوماً بعد يوم وجود كميات هائلة من الغاز حيثما يوجد النفط ، او في مناطق يبدو ان النفط قد نفذ منها.غير ان استعمال الغاز بدلاً من النفط لا يغير شيئاً من الناحية السياسية والاستراتيجية ، وذلك بفعل ان الاثنين يستخرجان من باطن الارض ويتطلبان استقراراً سياسياً في منابعهما وعلى امتداد الطرق والانابيب التي تنقلهما.والىان تحل محل النفط والغاز طاقة بديلة لا ترتبط بالجغرافيا، فستظل المناطق التي تحتويهما مناطق ذات اهمية بالغة بالنسبة للقوى الدولية الراهنة وللدول المتطلعة للتحول الى قوى دولية في المستقبل المنظور .
ان انفتاح نفط بحر قزوين امام العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وما اخذ يتردد عن وجود مخزون هائل فيه من النفط والغاز ، حيث تكهنت بعض التقديرات الاولية بان ذلك المخزون يفوق مخزون الخليج العربي- الفارسي، قد اشعل المعركةالعالمية على النفط مجدداً ، ووصل الامر بالبعض الى القول بقرب استغناء الولايات المتحدة واوروبا عن نفط الخليج .
وبغض النظر عن تلك التقديرات العشوائية وما يرافقها من اغراض سياسية ، فمن المؤكد ان ظهور منطقة بحر قزوين على الساحة النفطية العالمية ، قد عقد الخريطة الاستراتيجية الدولية، واضاف الى منطقة الخليج ، منطقة اخرى كساحة للصراع الدولي ، ليس فقط بسبب توقع زيادة الطلب العالمي على النفط والغاز في العقود القليلة القادمة ، وانما بسبب ان الدول النفطية المستقلة حديثاً في منطقة بحر قزوين ، هي دول متخلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، شأنها في ذلك شأن دول الخليج العربي - الفارسي ، ولا تملك الاموال ولا التكنولوجيا التي تتيح لها استخراج نفطها وتسويقه بشروطها الذاتية ، او الاحتفاظ بمخزوناتها كمخزونات استراتيجية مستقبلية .
وقد يكون ممكناً القول ان مسألة السيطرة على نفط بحر قزوين ، الى جانب مسألة السيطرة على نفط الخليج العربي - الفارسي ، ستلعب دوراً رئيساً خلال العقود القليلة القادمة، في حسم طبيعة النظام الدولي ، هل ستتعزز قوة الولايات المتحدة وتتكرس كقوة واحدة كبرى في نظام دولي احادي القوة ، ام ستنجح مساعي القوى الاخرى الاقل قوة ، في تحويل النظام الدولي الى نظام تعددي القوة . وستكون لهذه المعركة العالمية القائمة تأثيرات مصيرية على المنطقة العربية ، وعلى مستقبل الصراع العربي - الاسرائيلي بشكل خاص .
الخريطة الجغرافية للنفط والغاز
يذكر ان النفط سيظل موجودا في باطن الارض طالما بقي كوكب الارض ، وانه لن ينضب الا بفنائها ، وذلك على الرغم من عدم قدرة العالم حتى الان على الالمام بكل عوامل واسباب تكون النفط في باطن الارض . وهذا يعني ان اية منطقة فوق الارض يمكن ان يكون في باطنها نفط . غير ان تضاريس الارض الخارجية والباطنية تجعل استخراج النفط سهلاً في مناطق وصعباً او مستحيلاً في مناطق اخرى . وكلما تقدمت العلوم والتكنولوجيا ، كلما اصبح استكشاف النفط واستخراجه اكثر احتمالا. ويشهد العصر الراهن عودة سيطرة الشركات الغربية ، وبخاصة الامريكية والبريطانية ، على الساحة النفطية العالمية ، وذلك بسبب امتلاكها للتكنولوجيا المتقدمة والاموال الطائلة التي يتطلبها استخراج النفط من الاعماق البعيدة ، حيث تراجعت معظم الشركات الوطنية التي تشكلت خلال السبعينات في دول الجنوب بعد قرارات تأميم النفط ، لكي تعود الشركات الغربية ذات الامكانيات العلمية والتكنولوجية والمالية الهائلة الى الساحة الدولية بزخم هائل . فبعد استنفاذ مخزون النفط القريب من القشرة الارضية ، تصبح عملية استخراج النفط من الاعماق اكثر صعوبة وتعقيداً واكثر تكلفة . ولذلك فان المعلومات المتوفرة عن النفط في الوقت الحاضر ، تنقسم الى ثلاث مستويات : مخزون مؤكد في آبار محفورة ، مخزون شبه مؤكد في مواقع لم يتم حفرها ومخزون محتمل بعيد الامد . وهذا المخزون بكل مستوياته يتوزع تحت مختلف مناطق العالم بدرجة او باخرى .
وقد جرى التقليد الحديث على تقسيم المناطق النفطية وفقا للتقسيمات الجيوسياسية في العالم ، فبرزت اسماء الدول التي تم اكتشاف النفط في اراضيها ، وذلك على الرغم من حقيقة ان الدراسة الجغرافية المحضة هي الاساس في هذا المجال . وبفعل ذلك التوجه الجيوسياسي ، احتلت الارض " الوطنية" اهمية فائقة، وبرزت في مناطق عديدة في العالم صراعات على مناطق حدودية يعتقد بانها غنية بالنفط ، منها المشكلة الحدودية بين العربية السعودية واليمن على سبيل المثال ، وكذلك منطقة حقل الرميلة بين العراق والكويت . بل ان حدود بعض الدول قد رسمت في فترة زمنية معينة وفقاً للمناطق النفطية التي تم التعرف عليها ، و تشكل الكويت مثالا على ذلك، كما ورد سابقاً ، حيث بقيت محمية بريطانية منذ ذلك الحين والى أن يتم منحها الاستقلال في عام 1961 .
ولدى النظر الى مختلف المناطق الجغرافية في العالم ، فسوف يتضح بان الاستدلال على النفط فيها انما يتم حاليا من خلال ما يجري في تلك الدولة او الاخرى في اية منطقة جغرافية من تنقيب او استكشاف للنفط . فمنطقة شرق آسيا تعتبر فقيرة بالنفط بينما تعتبر منطقة وسط وغرب آسيا غنية به . ويتضح بان اوروبا بشكل عام فقيرة بالنفط بينما يوجد النفط في امريكا الشمالية واميريكا الجنوبية . اما في افريقيا فالنفط موجود في شمالها ووسطها ويكاد يكون جنوبها فقيرا بالنفط . وهناك تقديرات غير موثوقة لنسب المخزون المؤكد في مختلف مناطق العالم ، وذلك على النحو الاتي : شرق آسيا والمحيط الهادي : 4% ، الخليج العربي - الفارسي : 65% ، اوروبا : 9% ، افريقيا 6% ، امريكا الشمالية : 4% ، امريكا الجنوبية 12% . ويبدو واضحاً ان هذه النسب التي اوردتها بعض الشركات النفطية ، لا تدرج مخزون الاتحاد السوفياتي السابق ، نظراً لعدم توفر المعلومات المؤكدة عن مخزونه، غير ان انهيار الاتحاد السوفياتي ، وانفتاح المعلومات عن مخزونه بدرجة ما ومخزون الدول المستقلة المطلة على بحر قزوين ، قد غير النسب تغيراً ملحوظاً . فالتقديرات الحالية لحجم المخزون المؤكد لنفط دول بحر قزوين تفترض وجود نسبة 75% في دول بحر قزوين والخليج العربي الفارسي ، الامر الذي يجعل امكانية تقدير المخزون المؤكد لمختلف مناطق العالم ، بما فيها روسيا ، بنحو 25% فقط .
ولدى اعادة النظر الى تلك المناطق من منظور الدول القائمة فيها ، يتضح ان الصين في منطقة شرق آسيا فقيرة نسبيا بالنفط ، حيث انها لم تتمكن حتى الوقت الراهن من انتاج اكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم ، وتستورد حالياً نحو نصف مليون برميل بينما ما زالت الصين تستخدم الفحم الحجري في كثير من المجالات لتوليد الطاقة . وتكاد تكون اندونيسيا هي الدولة الوحيدة الغنية نسبياً بالنفط والغاز في الوقت الراهن ، وذلك الى جانب سلطنة بروناي، وبعض الكميات المتواضعة في بورما وماليزيا واستراليا . اما الهند ، فهي لم تتمكن حتى الان من انتاج سوى مليون ونصف المليون برميل يوميا وتستورد نحو ثلثي احتياجياتها . ان المعلومات المتوفرة حتى الان انما تشير الى احتمال نفاذ مخزون اندونيسيا المؤكد من النفط بعد نحو 9 سنوات ، ونفاذ مخزون الصين بعد نحو 20 عاما، ما لم يتم صرف العديد من مليارات الدولارات للتنقيب ومحاولة الاستخراج ، الامر الذي يجعل الاستيراد ارخض تكلفة. ان الدول الواعدة بالتحول الى قوى عالمية بدرجة أو اخرى في شرق آسيا هما الصين والهند . وستحتاج هاتان الدولتان الى استيراد كميات هائلة من النفط في المستقبل القريب .
وتشكل منطقة غرب آسيا المنطقة الاغنى في العالم بالنسبة للنفط المكتشف . وبمعيار الدول ، فلقد كانت هذه المنطقة تضم في السابق كلا من الاتحاد السوفياتي شمالا والخليج العربي - الفارسي جنوباً . اما الان ، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي منذ عام 1991 ، فقد اصبحت هذه المنطقة تضم روسيا شمالاً على الرغم من ان حقولها تقع في شمال شرق آسيا ، والقوقاز ودول بحر قزوين في الوسط ، والخليج العربي - الفارسي جنوباً .