[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
علم استنباط المياه عند المسلمين
رزق العرب منذ قديم الدهر فراسة حاذقة يتعرفون بها على مكامن الماء في باطن الأرض ببعض الإشارات الدالة على وجوده، وبعده وقربه، بشم التراب أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص، وقد سمى العلماء معرفتهم هذه علم الريافة.
قال الألوسي : هو نوع من الفراسة، وهي موجودة في بعض أعراب نجد، ويسمى من له هذه المعرفة اليوم "النصات"، ولم تذكره معاجم اللغة، وهو من مبالغات اسم الفاعل من : نصت الرجل ينصت نصتاً، وهو "القنقن"، وجمعه بالفتح "القناقن". وقد عرفته دواوين اللغة بأنه "البصير بالماء تحت الأرض" و"البصير بحفر المياه واستخراجها" و"الذي يسمع فيعرف مقدار الماء في البئر قريباً أو بعيداً" من القن، وهو "التفقد بالبصر"
وورد (القناقن) بالجمع في شعر للطرماح بن حكيم (تـ نحو 125هـ) قال :
يخافتن بعض المضغ من خشية الردى وينصتن للسمع انتصات القناقن.
ويقال لمن يقوم بالحفر وإنباط الماء (القناء)، وقد تطورت هذه المعرفة الفطرية عند العرب إبان تفجر ينابيع العلم في الإسلام وتبحر العلماء المسلمين فيه، وقامت الحضارة الإسلامية وعمرانها على أسسه وقواعده، فصارت بجهود علماء الرياضيات والطبيعيات علماً محرراً ومدوناً، وفناً تطبيقياً بالغ الدقة، ارتقى به بعضهم إلى اختراع موازين يزن بها ارتفاعات الأرض على النحو الدقيق الذي اهتدى إليه، وشرح صفته المهندس الرياضي (الكرجي).
وبدأ العلماء المسلمون التأليف في الماء في أواخر المائة الثانية الهجرية، وقد تناولوا بحثه من جوانب مختلفة، وأرقاها وأبلغها فوائد وعوائد ما ألفوه في (استنباط المياه الخفية). ولعل أول كتاب في هذا الفن، بلغنا خبره، هو كتاب "علل المياه وكيفية استخراجها وإنباطها في الأرضين المجهولة"، الذي ألفه أبو بكر أحمد بن علي المعروف بـ"ابن وحشية" من أهل المائة الثالثة الهجرية.
ووضع فيلسوف العرب "أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي" المتوفى نحو سنة 260هـ شرحاً على كتاب "في قود المياه"، أي جره وسحبه لـ"فنيلون البيزنطي" ذكره أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج الإشبيلي في كتاب "المقنع في الفلاحة"، ونقل إلى كتابه فصلاً منه (فيما يعرف به قرب الماء من بعده وحلوه من مره)، وقال في صفته : "هو أحسن كتاب ألف في هذا الشأن، ولا بد لمن أراد قود ماء من موضع بعيد إلى مدينة أو قرية أو نحوهما، من تصفح هذا الكتاب، لما فيه من المنافع وقرب المآخذ".
ونجد أيضاً في رسالة الكندي "في العلة الفاعلة للمد والجزر" اكتشافه للدورة الهيدرولوجية، فيذكر عناصرها المعروفة في الوقت الحاضر تقريباً وهي : التبخر ويذكر أنه يتم بتأثير الشمس، و التكاثف: وينعقد سحاباً. و الهطل : ويصير مطراً أو ثلجاً أو بردًا. والجريان أو الانتقال : عائداً إلى الأرض سائلاً إلى البحار. ويشير بشكل واضح إلى دورية هذه الحوادث التي تشكل الدورة الهيدرولوجية بقوله : دائماً بهذا الدور أبداً ما بقي العالم، ثم يشير إلى حقيقتين تتعلقان بالمياه الجوفية :
أولاً : أن المطر والثلج يشكلان المصدر الأساس للمياه الجوفية.
ثانياً : وجود أجواف وخزانات في باطن الأرض تحتوي على المياه الجوفية.
ثم يشير إلى مصير هذه المياه محدداً أشكال ظهورها وأماكن استخراجها بأشكال مختلفة، مثل القنوات الجوفية أو الآبار أو ظهورها تلقائياً، كالعيون التي يعرفها بأنها : الخروق المتفجرة من بطون الأرض انفجاراً، أي باندفاعها الذاتي من غير حفر.
هذا الكلام يقترب من الحقائق العلمية المعروفة حالياً. ثم يحدد الكندي أنواع الماء الجوفي : فأما كون الماء في بطون الأرض فيكون بحالين : أما أحدهما فالجاري من أعلى، وأما الآخر فالمستحيل في بطون الأودية. فالأول هو الذي مصدره المطر أو الثلج الذي يمكن الاعتماد عليه، كمصدر للإمداد بالماء. ويذكر نوعاً آخر من الماء الجوفي، وهو الماء الناجم عن التكاثف في أجواف الأرض الباردة، وعلى الرغم من أن هذه العملية تحدث، إلا أنها لا تساهم بحال من الأحوال في زيادة كمية المياه الجوفية.
علم استنباط المياه عند المسلمين
رزق العرب منذ قديم الدهر فراسة حاذقة يتعرفون بها على مكامن الماء في باطن الأرض ببعض الإشارات الدالة على وجوده، وبعده وقربه، بشم التراب أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص، وقد سمى العلماء معرفتهم هذه علم الريافة.
قال الألوسي : هو نوع من الفراسة، وهي موجودة في بعض أعراب نجد، ويسمى من له هذه المعرفة اليوم "النصات"، ولم تذكره معاجم اللغة، وهو من مبالغات اسم الفاعل من : نصت الرجل ينصت نصتاً، وهو "القنقن"، وجمعه بالفتح "القناقن". وقد عرفته دواوين اللغة بأنه "البصير بالماء تحت الأرض" و"البصير بحفر المياه واستخراجها" و"الذي يسمع فيعرف مقدار الماء في البئر قريباً أو بعيداً" من القن، وهو "التفقد بالبصر"
وورد (القناقن) بالجمع في شعر للطرماح بن حكيم (تـ نحو 125هـ) قال :
يخافتن بعض المضغ من خشية الردى وينصتن للسمع انتصات القناقن.
ويقال لمن يقوم بالحفر وإنباط الماء (القناء)، وقد تطورت هذه المعرفة الفطرية عند العرب إبان تفجر ينابيع العلم في الإسلام وتبحر العلماء المسلمين فيه، وقامت الحضارة الإسلامية وعمرانها على أسسه وقواعده، فصارت بجهود علماء الرياضيات والطبيعيات علماً محرراً ومدوناً، وفناً تطبيقياً بالغ الدقة، ارتقى به بعضهم إلى اختراع موازين يزن بها ارتفاعات الأرض على النحو الدقيق الذي اهتدى إليه، وشرح صفته المهندس الرياضي (الكرجي).
وبدأ العلماء المسلمون التأليف في الماء في أواخر المائة الثانية الهجرية، وقد تناولوا بحثه من جوانب مختلفة، وأرقاها وأبلغها فوائد وعوائد ما ألفوه في (استنباط المياه الخفية). ولعل أول كتاب في هذا الفن، بلغنا خبره، هو كتاب "علل المياه وكيفية استخراجها وإنباطها في الأرضين المجهولة"، الذي ألفه أبو بكر أحمد بن علي المعروف بـ"ابن وحشية" من أهل المائة الثالثة الهجرية.
ووضع فيلسوف العرب "أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي" المتوفى نحو سنة 260هـ شرحاً على كتاب "في قود المياه"، أي جره وسحبه لـ"فنيلون البيزنطي" ذكره أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج الإشبيلي في كتاب "المقنع في الفلاحة"، ونقل إلى كتابه فصلاً منه (فيما يعرف به قرب الماء من بعده وحلوه من مره)، وقال في صفته : "هو أحسن كتاب ألف في هذا الشأن، ولا بد لمن أراد قود ماء من موضع بعيد إلى مدينة أو قرية أو نحوهما، من تصفح هذا الكتاب، لما فيه من المنافع وقرب المآخذ".
ونجد أيضاً في رسالة الكندي "في العلة الفاعلة للمد والجزر" اكتشافه للدورة الهيدرولوجية، فيذكر عناصرها المعروفة في الوقت الحاضر تقريباً وهي : التبخر ويذكر أنه يتم بتأثير الشمس، و التكاثف: وينعقد سحاباً. و الهطل : ويصير مطراً أو ثلجاً أو بردًا. والجريان أو الانتقال : عائداً إلى الأرض سائلاً إلى البحار. ويشير بشكل واضح إلى دورية هذه الحوادث التي تشكل الدورة الهيدرولوجية بقوله : دائماً بهذا الدور أبداً ما بقي العالم، ثم يشير إلى حقيقتين تتعلقان بالمياه الجوفية :
أولاً : أن المطر والثلج يشكلان المصدر الأساس للمياه الجوفية.
ثانياً : وجود أجواف وخزانات في باطن الأرض تحتوي على المياه الجوفية.
ثم يشير إلى مصير هذه المياه محدداً أشكال ظهورها وأماكن استخراجها بأشكال مختلفة، مثل القنوات الجوفية أو الآبار أو ظهورها تلقائياً، كالعيون التي يعرفها بأنها : الخروق المتفجرة من بطون الأرض انفجاراً، أي باندفاعها الذاتي من غير حفر.
هذا الكلام يقترب من الحقائق العلمية المعروفة حالياً. ثم يحدد الكندي أنواع الماء الجوفي : فأما كون الماء في بطون الأرض فيكون بحالين : أما أحدهما فالجاري من أعلى، وأما الآخر فالمستحيل في بطون الأودية. فالأول هو الذي مصدره المطر أو الثلج الذي يمكن الاعتماد عليه، كمصدر للإمداد بالماء. ويذكر نوعاً آخر من الماء الجوفي، وهو الماء الناجم عن التكاثف في أجواف الأرض الباردة، وعلى الرغم من أن هذه العملية تحدث، إلا أنها لا تساهم بحال من الأحوال في زيادة كمية المياه الجوفية.