[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
التحكم في الأعاصير(*)
هل يمكن يوما ما تخفيف شدة الأعاصير
والعواصف المدارية العاتية أو حرف مسارها؟
في كل عام تحدث عواصف دوامية عاتية، تقذف برياح تزيد سرعتها على 74 ميلا في الساعة، تجوب البحار المدارية وشواطئها، وتدمر في الغالب رقعا عريضة من المناطق التي تعبرها. ويطلق على تلك العواصف المزعجة أسماء شتى، ففي منطقة المحيط الأطلسي وشرق المحيط الهادئ تعرف بالأعاصير hurricanes، وفي منطقة غرب المحيط الهادئ تسمى تَيْفونات typhoons؛ في حين تدعى بالأعاصير الحلزونية cyclones في منطقة المحيط الهندي. وهذه العواصف، على اختلاف تسمياتها، تتسبب حين تضرب بشدة مناطق آهلة بالسكان، في إزهاق آلاف الأرواح وتُخلِّف وراءها خسائر مادية في الممتلكات تقدر ببلايين الدولارات، ولا يمكن أن يعترض طريقها أي شيء على الإطلاق.
ولكن هل ستبقى هذه القوى الطبيعية المخيفة خارج نطاق سيطرتنا إلى الأبد؟ إني وزملائي من الباحثين في هذا المجال لا نعتقد ذلك؛ بل نبحث كفريق عمل في كيفية دفع تلك الأعاصير برفق في مسارات غير خطيرة، أو حتى تبديدها. ومع أن إمكانية تحقيق هدف جريء كهذا قد لا تتوافر قبل عقود قادمة، فنحن نعتقد أن النتائج التي حصلنا عليها في هذا المجال، تشير إلى أنه ربما آن الأوان للبدء بدراسة تلك الاحتمالات.
عند مجرد التفكير بإمكان السيطرة على الأعاصير، يجب أن يكون الباحثون قادرين على التنبؤ بمسلك عاصفة ما بدقة متناهية، وذلك لتعرّف التغيرات الفيزيائية (مثل التبدلات التي تطرأ على درجة حرارة الهواء) التي يمكن أن تؤثر في سلوكها، ولإيجاد الأساليب المؤدية إلى إحداث تلك التغيرات. ومع أن عملنا هذا مازال في مراحله الأولى، فإن أعمال المحاكاة الحاسوبية الناجحة للأعاصير، التي تمت خلال السنوات القليلة الماضية، تشير إلى أن مثل هذا التعديل في مسار الإعصار يمكن أن يكون قابلا للتنفيذ يوما ما. والأكثر من ذلك أنها كشفت عن أن الأمر المهم الذي يجعل التنبؤ بالطقس أمرا صعبا، وهو حسّاسية الغلاف الجوي الشديدة لأي مُحفّز صغير، ربما يكون هو ذاته المفتاح الذي نبحث عنه لتحقيق السيطرة على الأعاصير. وإن محاولتنا الأولى للتأثير في مسار إعصار تمت محاكاته حاسوبيا عبر إحداث تغيرات طفيفة في الحالة (الوضعية) الابتدائية للعاصفة، حققت نجاحا ملحوظا، وكذلك كانت النتائج اللاحقة تسير نحو الأفضل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إعصار ضخم ذو «عين» واضحة، صوّره مكوك الفضاء Atlantis في الشهر 11/1994
ولكي نفهم الأسباب التي قد تجعل الأعاصير وغيرها من العواصف المدارية العاتية عُرضة للتدخلات البشرية، لا بد للمرء من فهم طبيعتها ومنشئها (انظر الإطار في الصفحتين 6 و 7). فالأعاصير تنمو مثل عناقيد من العواصف الرعدية فوق المحيطات المدارية، حيث تزوِّد المحيطات الواقعة عند خطوط العرض المنخفضة الغلافَ الجوي باستمرار بالحرارة والرطوبة، وهذا يشكل جبهات هوائية دافئة ورطبة فوق سطح البحر. وحالما يرتفع هذا الهواء إلى الأعلى، يتكثف بخار الماء الذي يحويه ليشكل سحبا وأمطارا. يُطلِق هذا التكثف حرارة، هي في الحقيقة حرارة الشمس التي أدت إلى تبخر الماء من سطح المحيط. وهذه الحرارة ـ التي تدعى الحرارة الكامنة للتكثف(1) ـ تجعل الهواء أكثر خفة وترفعه إلى الأعلى أكثر فأكثر في سيرورة تغذية مرتدة ذاتية التعزيز(2)، تؤدي في النهاية إلى نشوء المنخفض المداري وانتظامه ونمو طاقته، مُشكِّلا ما يسمى العين المألوفة familiar eye، وهو المحور المركزي الساكن الذي يدوَّم spin حوله الإعصار. لكن الإعصار يفقد، عند وصوله إلى اليابسة، مورده المستدام من الماء الدافئ، وهذا يضعف قوته سريعا.
نظرة إجمالية/ ترويض الأعاصير(**)
يقوم الباحثون في مجال الأرصاد الجوية بمحاكاة أعاصير سبق حدوثها وذلك باستخدام نماذج معقدة للتنبؤ بالجو تحاكي بدقة العمليات الداخلية المعقدة التي تعتبر حاسمة في تكوّن العواصف المدارية الشديدة وتطورها.
يؤكد هذا العمل أن هذه النظم الشواشية الضخمة سريعة التأثر بتغييرات صغيرة في ظروفها البدئية ـ على سبيل المثال: درجة حرارة الهواء ورطوبته بالقرب من مركز العاصفة وفي المناطق المحيطة به.
يتعلم الباحثون، باستخدامهم تقنيات الاستمثال الرياضياتي المعقد complex mathematical optimization techniques، ماهية التعديلات الممكن إدخالها على الإعصار كي تضعف رياحه أو يتحول مساره بعيدا عن المناطق المأهولة.
إذا نجحت هذه الدراسات، فلا بد لها في نهاية المطاف، أن تمهد الطريق نحو منهجيات عملية تسمح بالتدخل في دورة حياة الأعاصير لحماية الأرواح والممتلكات.
أحلام السيطرة على الأعاصير(***)
ولما كان الإعصار يستمد الكثير من طاقته من الحرارة التي تنطلق حينما يتكاثف بخار الماء الموجود فوق المحيط سحبا وأمطارا، فقد تركَّز حلم الباحثين الأوائل على ترويض أولئك العمالقة الجامحين الصعبي المراس من خلال محاولة التعديل في سيرورة التكاثف تلك، باستخدام تقنيات تلقيح السحب(3) التي كانت الوسيلة العملية الوحيدة بهدف التأثير في المناخ. وهكذا قامت في أوائل الستينات هيئة استشارية علمية جوية، عيّنتها الحكومة الأمريكية وتُدعى مشروع ستورم فيوري Project Storm fury، بسلسلة من التجارب الجريئة (أو ربما المتهورة الطائشة) لتحديد إمكانية هذا النهج وجدواه.
استهدف مشروع ستورم فيوري تهدئة الإعصار وإبطاء تطوره، عبر رفع معدلات الأمطار في حزام المطر الأول، خارج «جدار العين» المألوفة التي تشكل محور الإعصار؛ أي حلقة السُّحب والرياح الشديدة المحيطة بالعين(4). لقد حاول العاملون في المشروع إنجاز هذا الهدف من خلال تلقيح السحب هناك، عبر نفث جسيمات يوديد الفضة بوساطة الطائرات، حيث تقوم هذه الجسيمات بدور النوى اللازمة لتشكيل الثلج من بخار الماء، الذي تبرَّد تبريدا فائقا supercooled بعد ارتفاعه إلى أعلى وأبرد ما يمكن أن تصل إليه العاصفة. وإذا سارت الأمور كما هو متوقع، فستتنامى السحب أسرع فأسرع مستهلكة المدد الهوائي الدافئ الرطب القريب من سطح المحيط لتأخذ مكان الجدار القديم لعين الإعصار. وهكذا، تسهم هذه السيرورة في توسيع عين الإعصار وتخفيض شدته، بطريقة تماثل فتاة تتزلج على الجليد وتدور حول نفسها بسرعة ثم تفتح ذراعيها للتخفيف من سرعتها.
لقد كانت نتائج مشروع ستورم فيوري مبهمة غامضة في أحسن حالاتها، ولا يتوقع الراصدون الجويون اليوم لمثل هذا التطبيق لتلقيح السحب على وجه الخصوص أن يكون مؤثرا في الأعاصير؛ لأن العواصف، على عكس القناعات السابقة، لا تحوي إلا القليل من بخار الماء الفائق التبريد.
طقس شواشي(****)
لقد انبثقت دراساتنا الحالية من حدس استشعرته قبل 30 عاما، حينما كنت طالبا في الدراسات العليا أتعلّم نظرية الشواش chaos theory؛ إذ يبدو نظام الشواش وكأنه نظام عشوائي، ولكنه في الحقيقة محكوم بقوانين ويتميز بحساسية عالية للظروف البدئية؛ إذ إن أي مُدخلات اختيارية قد تبدو ضئيلة يمكن أن تُحدث تأثيرات عميقة جدا، تؤدي بسرعة إلى عواقب غير متوقعة. وفي حالة الأعاصير، فإن من شأن التغييرات الصغيرة في بعض السمات ـ مثل درجة حرارة المحيط ومواقع تيارات الرياح الواسعة النطاق (التي تدفع حركة العواصف)، أو حتى شكل السحب الماطرة التي تدوَّم حول عين الإعصار ـ أن تؤثر بقوة في مسار الإعصار وشدته المحتملين.
هيكلية الإعصار(*****)
يعتقد بعض العلماء أن بإمكانهم تخفيف أخطار الأعاصير أو تحريكها في مسارات أقل خطورة، وذلك بتعديل الشروط الفيزيائية البدئية (على سبيل المثال درجة حرارة الهواء ورطوبته) في مركز العاصفة أو حتى في المناطق المحيطة به. ومن أجل تحقيق ذلك عليهم القيام بتنبؤات جوية دقيقة وتفصيلية عن الأعاصير. يوضح الشكل مخططا موجزا لكيفية تشكل مثل هذه العواصف القوية.
تبدأ الأعاصير بالتشكل حينما تُطلق المحيطات المدارية الحرارة والماء إلى الجو، منتجة بذلك كميات كبيرة من الهواء الدافئ الرطب فوق سطحها (1). يتصاعد الهواء الدافئ، وأثناء ذلك يتكاثف بخار الماء الذي يحويه ليشكل سحبا وأمطارا (2). تنتج عملية التكاثف هذه حرارة تتسبب في تصاعد الهواء أكثر فأكثر إلى الأعلى داخل السحب الرعدية النامية باستمرار (3).
يخلق إطلاق الحرارة فوق البحار المدارية منطقة ضغط منخفض سطحية، تتجمع فيها كميات إضافية من الهواء الدافئ الرطب المتدفق من المحيط الخارجي (4). تنقل هذه الحركة المستمرة، إلى داخل العاصفة الرعدية الناشئة، كميات هائلة من الحرارة والهواء والماء نحو السماء (5). إن انتقال الحرارة باتجاه الأعلى وإطلاقها يواصلان تحريض تجميع الهواء المحيط نحو المركز المتنامي للعاصفة، التي تبدأ بالدوران تحت تأثير دوران الأرض (6). وتستمر السيرورة بسرعةٍ تزيد من قوة العاصفة وتنظيمها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ففيما تشتد العاصفة تتشكل عادة بقعة هادئة منخفضة الضغط، تسمى: «العين» (7)، تطوقها حلقات من السحب والرياح السريعة تسمى «جدار العين» (. وهكذا تُصبح العاصفة إعصارا. وفي الوقت نفسه أصبح يتعذر على الهواء الصاعد الذي جرى تسخينه والذي فقد معظم رطوبته أن يتابع الصعود، لأن الغلاف الطبقي (الستراتوسفير) يعمل كغطاء فوق الإعصار، وهذا يؤدي إلى سقوط بعض هذا الهواء الجاف في داخل «العين» (9) وبين أحزمة السحب (10)؛ في حين أن الهواء الجاف المتبقي يتحرك في حركة لولبية مبتعدا عن مركز العاصفة ويهبط نحو الأسفل (11). وفي هذه الأثناء تقود تيارات هوائية مجاورة واسعة النطاق الإعصارَ على امتداد مساره.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
يتبع
التحكم في الأعاصير(*)
هل يمكن يوما ما تخفيف شدة الأعاصير
والعواصف المدارية العاتية أو حرف مسارها؟
في كل عام تحدث عواصف دوامية عاتية، تقذف برياح تزيد سرعتها على 74 ميلا في الساعة، تجوب البحار المدارية وشواطئها، وتدمر في الغالب رقعا عريضة من المناطق التي تعبرها. ويطلق على تلك العواصف المزعجة أسماء شتى، ففي منطقة المحيط الأطلسي وشرق المحيط الهادئ تعرف بالأعاصير hurricanes، وفي منطقة غرب المحيط الهادئ تسمى تَيْفونات typhoons؛ في حين تدعى بالأعاصير الحلزونية cyclones في منطقة المحيط الهندي. وهذه العواصف، على اختلاف تسمياتها، تتسبب حين تضرب بشدة مناطق آهلة بالسكان، في إزهاق آلاف الأرواح وتُخلِّف وراءها خسائر مادية في الممتلكات تقدر ببلايين الدولارات، ولا يمكن أن يعترض طريقها أي شيء على الإطلاق.
ولكن هل ستبقى هذه القوى الطبيعية المخيفة خارج نطاق سيطرتنا إلى الأبد؟ إني وزملائي من الباحثين في هذا المجال لا نعتقد ذلك؛ بل نبحث كفريق عمل في كيفية دفع تلك الأعاصير برفق في مسارات غير خطيرة، أو حتى تبديدها. ومع أن إمكانية تحقيق هدف جريء كهذا قد لا تتوافر قبل عقود قادمة، فنحن نعتقد أن النتائج التي حصلنا عليها في هذا المجال، تشير إلى أنه ربما آن الأوان للبدء بدراسة تلك الاحتمالات.
عند مجرد التفكير بإمكان السيطرة على الأعاصير، يجب أن يكون الباحثون قادرين على التنبؤ بمسلك عاصفة ما بدقة متناهية، وذلك لتعرّف التغيرات الفيزيائية (مثل التبدلات التي تطرأ على درجة حرارة الهواء) التي يمكن أن تؤثر في سلوكها، ولإيجاد الأساليب المؤدية إلى إحداث تلك التغيرات. ومع أن عملنا هذا مازال في مراحله الأولى، فإن أعمال المحاكاة الحاسوبية الناجحة للأعاصير، التي تمت خلال السنوات القليلة الماضية، تشير إلى أن مثل هذا التعديل في مسار الإعصار يمكن أن يكون قابلا للتنفيذ يوما ما. والأكثر من ذلك أنها كشفت عن أن الأمر المهم الذي يجعل التنبؤ بالطقس أمرا صعبا، وهو حسّاسية الغلاف الجوي الشديدة لأي مُحفّز صغير، ربما يكون هو ذاته المفتاح الذي نبحث عنه لتحقيق السيطرة على الأعاصير. وإن محاولتنا الأولى للتأثير في مسار إعصار تمت محاكاته حاسوبيا عبر إحداث تغيرات طفيفة في الحالة (الوضعية) الابتدائية للعاصفة، حققت نجاحا ملحوظا، وكذلك كانت النتائج اللاحقة تسير نحو الأفضل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إعصار ضخم ذو «عين» واضحة، صوّره مكوك الفضاء Atlantis في الشهر 11/1994
ولكي نفهم الأسباب التي قد تجعل الأعاصير وغيرها من العواصف المدارية العاتية عُرضة للتدخلات البشرية، لا بد للمرء من فهم طبيعتها ومنشئها (انظر الإطار في الصفحتين 6 و 7). فالأعاصير تنمو مثل عناقيد من العواصف الرعدية فوق المحيطات المدارية، حيث تزوِّد المحيطات الواقعة عند خطوط العرض المنخفضة الغلافَ الجوي باستمرار بالحرارة والرطوبة، وهذا يشكل جبهات هوائية دافئة ورطبة فوق سطح البحر. وحالما يرتفع هذا الهواء إلى الأعلى، يتكثف بخار الماء الذي يحويه ليشكل سحبا وأمطارا. يُطلِق هذا التكثف حرارة، هي في الحقيقة حرارة الشمس التي أدت إلى تبخر الماء من سطح المحيط. وهذه الحرارة ـ التي تدعى الحرارة الكامنة للتكثف(1) ـ تجعل الهواء أكثر خفة وترفعه إلى الأعلى أكثر فأكثر في سيرورة تغذية مرتدة ذاتية التعزيز(2)، تؤدي في النهاية إلى نشوء المنخفض المداري وانتظامه ونمو طاقته، مُشكِّلا ما يسمى العين المألوفة familiar eye، وهو المحور المركزي الساكن الذي يدوَّم spin حوله الإعصار. لكن الإعصار يفقد، عند وصوله إلى اليابسة، مورده المستدام من الماء الدافئ، وهذا يضعف قوته سريعا.
نظرة إجمالية/ ترويض الأعاصير(**)
يقوم الباحثون في مجال الأرصاد الجوية بمحاكاة أعاصير سبق حدوثها وذلك باستخدام نماذج معقدة للتنبؤ بالجو تحاكي بدقة العمليات الداخلية المعقدة التي تعتبر حاسمة في تكوّن العواصف المدارية الشديدة وتطورها.
يؤكد هذا العمل أن هذه النظم الشواشية الضخمة سريعة التأثر بتغييرات صغيرة في ظروفها البدئية ـ على سبيل المثال: درجة حرارة الهواء ورطوبته بالقرب من مركز العاصفة وفي المناطق المحيطة به.
يتعلم الباحثون، باستخدامهم تقنيات الاستمثال الرياضياتي المعقد complex mathematical optimization techniques، ماهية التعديلات الممكن إدخالها على الإعصار كي تضعف رياحه أو يتحول مساره بعيدا عن المناطق المأهولة.
إذا نجحت هذه الدراسات، فلا بد لها في نهاية المطاف، أن تمهد الطريق نحو منهجيات عملية تسمح بالتدخل في دورة حياة الأعاصير لحماية الأرواح والممتلكات.
أحلام السيطرة على الأعاصير(***)
ولما كان الإعصار يستمد الكثير من طاقته من الحرارة التي تنطلق حينما يتكاثف بخار الماء الموجود فوق المحيط سحبا وأمطارا، فقد تركَّز حلم الباحثين الأوائل على ترويض أولئك العمالقة الجامحين الصعبي المراس من خلال محاولة التعديل في سيرورة التكاثف تلك، باستخدام تقنيات تلقيح السحب(3) التي كانت الوسيلة العملية الوحيدة بهدف التأثير في المناخ. وهكذا قامت في أوائل الستينات هيئة استشارية علمية جوية، عيّنتها الحكومة الأمريكية وتُدعى مشروع ستورم فيوري Project Storm fury، بسلسلة من التجارب الجريئة (أو ربما المتهورة الطائشة) لتحديد إمكانية هذا النهج وجدواه.
استهدف مشروع ستورم فيوري تهدئة الإعصار وإبطاء تطوره، عبر رفع معدلات الأمطار في حزام المطر الأول، خارج «جدار العين» المألوفة التي تشكل محور الإعصار؛ أي حلقة السُّحب والرياح الشديدة المحيطة بالعين(4). لقد حاول العاملون في المشروع إنجاز هذا الهدف من خلال تلقيح السحب هناك، عبر نفث جسيمات يوديد الفضة بوساطة الطائرات، حيث تقوم هذه الجسيمات بدور النوى اللازمة لتشكيل الثلج من بخار الماء، الذي تبرَّد تبريدا فائقا supercooled بعد ارتفاعه إلى أعلى وأبرد ما يمكن أن تصل إليه العاصفة. وإذا سارت الأمور كما هو متوقع، فستتنامى السحب أسرع فأسرع مستهلكة المدد الهوائي الدافئ الرطب القريب من سطح المحيط لتأخذ مكان الجدار القديم لعين الإعصار. وهكذا، تسهم هذه السيرورة في توسيع عين الإعصار وتخفيض شدته، بطريقة تماثل فتاة تتزلج على الجليد وتدور حول نفسها بسرعة ثم تفتح ذراعيها للتخفيف من سرعتها.
لقد كانت نتائج مشروع ستورم فيوري مبهمة غامضة في أحسن حالاتها، ولا يتوقع الراصدون الجويون اليوم لمثل هذا التطبيق لتلقيح السحب على وجه الخصوص أن يكون مؤثرا في الأعاصير؛ لأن العواصف، على عكس القناعات السابقة، لا تحوي إلا القليل من بخار الماء الفائق التبريد.
طقس شواشي(****)
لقد انبثقت دراساتنا الحالية من حدس استشعرته قبل 30 عاما، حينما كنت طالبا في الدراسات العليا أتعلّم نظرية الشواش chaos theory؛ إذ يبدو نظام الشواش وكأنه نظام عشوائي، ولكنه في الحقيقة محكوم بقوانين ويتميز بحساسية عالية للظروف البدئية؛ إذ إن أي مُدخلات اختيارية قد تبدو ضئيلة يمكن أن تُحدث تأثيرات عميقة جدا، تؤدي بسرعة إلى عواقب غير متوقعة. وفي حالة الأعاصير، فإن من شأن التغييرات الصغيرة في بعض السمات ـ مثل درجة حرارة المحيط ومواقع تيارات الرياح الواسعة النطاق (التي تدفع حركة العواصف)، أو حتى شكل السحب الماطرة التي تدوَّم حول عين الإعصار ـ أن تؤثر بقوة في مسار الإعصار وشدته المحتملين.
هيكلية الإعصار(*****)
يعتقد بعض العلماء أن بإمكانهم تخفيف أخطار الأعاصير أو تحريكها في مسارات أقل خطورة، وذلك بتعديل الشروط الفيزيائية البدئية (على سبيل المثال درجة حرارة الهواء ورطوبته) في مركز العاصفة أو حتى في المناطق المحيطة به. ومن أجل تحقيق ذلك عليهم القيام بتنبؤات جوية دقيقة وتفصيلية عن الأعاصير. يوضح الشكل مخططا موجزا لكيفية تشكل مثل هذه العواصف القوية.
تبدأ الأعاصير بالتشكل حينما تُطلق المحيطات المدارية الحرارة والماء إلى الجو، منتجة بذلك كميات كبيرة من الهواء الدافئ الرطب فوق سطحها (1). يتصاعد الهواء الدافئ، وأثناء ذلك يتكاثف بخار الماء الذي يحويه ليشكل سحبا وأمطارا (2). تنتج عملية التكاثف هذه حرارة تتسبب في تصاعد الهواء أكثر فأكثر إلى الأعلى داخل السحب الرعدية النامية باستمرار (3).
يخلق إطلاق الحرارة فوق البحار المدارية منطقة ضغط منخفض سطحية، تتجمع فيها كميات إضافية من الهواء الدافئ الرطب المتدفق من المحيط الخارجي (4). تنقل هذه الحركة المستمرة، إلى داخل العاصفة الرعدية الناشئة، كميات هائلة من الحرارة والهواء والماء نحو السماء (5). إن انتقال الحرارة باتجاه الأعلى وإطلاقها يواصلان تحريض تجميع الهواء المحيط نحو المركز المتنامي للعاصفة، التي تبدأ بالدوران تحت تأثير دوران الأرض (6). وتستمر السيرورة بسرعةٍ تزيد من قوة العاصفة وتنظيمها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ففيما تشتد العاصفة تتشكل عادة بقعة هادئة منخفضة الضغط، تسمى: «العين» (7)، تطوقها حلقات من السحب والرياح السريعة تسمى «جدار العين» (. وهكذا تُصبح العاصفة إعصارا. وفي الوقت نفسه أصبح يتعذر على الهواء الصاعد الذي جرى تسخينه والذي فقد معظم رطوبته أن يتابع الصعود، لأن الغلاف الطبقي (الستراتوسفير) يعمل كغطاء فوق الإعصار، وهذا يؤدي إلى سقوط بعض هذا الهواء الجاف في داخل «العين» (9) وبين أحزمة السحب (10)؛ في حين أن الهواء الجاف المتبقي يتحرك في حركة لولبية مبتعدا عن مركز العاصفة ويهبط نحو الأسفل (11). وفي هذه الأثناء تقود تيارات هوائية مجاورة واسعة النطاق الإعصارَ على امتداد مساره.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
يتبع