[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الجغرافيا وإشكالية التخلف
في اعتقادنا أنَّ الذين يَتَجَرَّعون سُمَّ مرارة التخلُّف والنكوصية في العالَم العربي والإسلامي، ويلوكون علقمها - كثيرون، وإنِ اختلفت مستوياتهم المادية، والمعرفية، والثقافية، ولكن في المقابل يسعى الإنسان بتفكيره الخلاَّق والمتَّزِن جاهدًا إلى كسر الحواجز، وتهشيم الأقنعة، واختراق الحجب، بصيغة أخرى: في وضع صعب للغاية كهذا، لا يمكنك إلا أن تكونَ متفائلاً، وألا تنظرَ بحذاقة إلى النِّصف الفارغ من الكأس، فبعد أن تكونَ وصلتَ إلى القعر تمامًا، لا يمكن لك إلاَّ أن تأمل أنَّ الأمورَ تسير ثانية نحو الأفضل.
وما النموذج الياباني والبُلدان الصناعية الجديدة، أو التِّنِّينات الأربعة - كوريا الجنوبية، وتايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة - عنا ببعيد، التي استطاعت في وقت وجيزٍ أن تخرجَ من رمضاء ودياجير التخلُّف، إلى نور التقدُّم والتصنيع.
أسئلة متشابكة ومحيرة في نفس الآن، تتقاطر على ذهن الإنسان العامي والمثقف، كلما تعلق الأمر بإشكالية معالجة داء التخلُّف، الذي اتَّسَع فتقُه، واستعصى على الراقع لَمْلَمةُ جراحه في هذه المرحلة، هل هو مرتبط بالظروف الجغرافية - البيئية (المناخية، الطبيعية: التضاريس الوعرة…)، التي يَتَحَتَّمُ علينا الركوع والخنوع لها؛ إجلالاً لها؛ لعَدَم قُدرتنا على التصرُّف فيها، وتغيير معالمها ونتوءاتها، حسب زعم المدرسة الحتمية، التي يتزعمها راتزل، أو بالظُّروف الثقافية الكلاسيكيَّة، التي تنظر إلى كلِّ جديدٍ وغير مألوف نظرةَ المتلكِّئ والرافض؟
من جهةٍ أخرى: هل تخلُّفُنا راجعٌ إلى عدم الأخْذ بالأسلوب العلمي، أو أن ذلك يعود إلى غياب دولة المؤسَّسات، وسيادة القانون، والديمقراطية، وحُقُوق الإنسان، أو إلى عوامل خارجيَّة منَظمة، تَهْدف لإبقاء الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسية العالَميَّة على حالِها؛ للحفاظ على مصالح الدول الكبرى، وذلك بقمْع كل النتوءات الفكرية والعلمية، وجَعْلها عقليَّة مُسطحة وساذجة، ومتساوية التفكير، وإن كان باختلافات طفيفة - كما هو حاصلٌ بين بيبسي كولا، وكوكا كولا - أو باللغة الأمريكية: معنا أم ضدنا؟
ثم هل مشكلة ومعضلة التخلُّف عرَضيَّة وظرفية، مَرَّتْ بها كلُّ الدول التي تصنَّف حاليًّا بالمتقدمة، أو قدر محتوم يستحيل على البلدان التي تسمَّى زيفًا وزورًا - وإن شئتم حياء - بالدول النامية تخطِّيها، حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط، انطلاقًا منَ المقولة المشهورة التبريرية للفكر الاستعماري، والتي انجَرَّ وراءها أبناءُ جلدتنا منَ الأدباء والمفكرين، الذين قسموا العالم إلى نوعين من الأجناس: نوع متفوق بطبعه، وآخر متخلف بطبعه، وأن الأول يتحمَّل مسؤولية تمدْيُن الثاني، وتحدث الإنجليزي "روديار كيبلينغ" عن عبْء الرجل الأبيض: "الرجلُ الأسود عبء على الرجل الأبيض، فالغرب غرب، والشرق شرق، وهما لا يلتقيان".
ومِن ثَمَّ فتحليل مثل هذه الإشكالات يحتاج إلى تعاوُنِ وتضافُرِ مَجْهُوداتِ النُّخبةِ المثقَّفة، كلٌّ من موقعه الثقافي والعلمي - أي: تخصُّصه - لِمُحَاوَلة تغطية هذا الحَدَث الأليم، وذلك بتشخيص الداء، وذلك من مُنطلق: "الاعتراف بالمرض أرفع درجات العلاج"، وسأقتصر مِن جانبي في هذا المقال على الرد على بعض التصوُّرات التي تحاوِل جعْل التخلُّفِ نبتةً طبيعية - أو بالأحرى: جغرافية - يستحيل اقتلاعها.
يتبع.........
الجغرافيا وإشكالية التخلف
في اعتقادنا أنَّ الذين يَتَجَرَّعون سُمَّ مرارة التخلُّف والنكوصية في العالَم العربي والإسلامي، ويلوكون علقمها - كثيرون، وإنِ اختلفت مستوياتهم المادية، والمعرفية، والثقافية، ولكن في المقابل يسعى الإنسان بتفكيره الخلاَّق والمتَّزِن جاهدًا إلى كسر الحواجز، وتهشيم الأقنعة، واختراق الحجب، بصيغة أخرى: في وضع صعب للغاية كهذا، لا يمكنك إلا أن تكونَ متفائلاً، وألا تنظرَ بحذاقة إلى النِّصف الفارغ من الكأس، فبعد أن تكونَ وصلتَ إلى القعر تمامًا، لا يمكن لك إلاَّ أن تأمل أنَّ الأمورَ تسير ثانية نحو الأفضل.
وما النموذج الياباني والبُلدان الصناعية الجديدة، أو التِّنِّينات الأربعة - كوريا الجنوبية، وتايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة - عنا ببعيد، التي استطاعت في وقت وجيزٍ أن تخرجَ من رمضاء ودياجير التخلُّف، إلى نور التقدُّم والتصنيع.
أسئلة متشابكة ومحيرة في نفس الآن، تتقاطر على ذهن الإنسان العامي والمثقف، كلما تعلق الأمر بإشكالية معالجة داء التخلُّف، الذي اتَّسَع فتقُه، واستعصى على الراقع لَمْلَمةُ جراحه في هذه المرحلة، هل هو مرتبط بالظروف الجغرافية - البيئية (المناخية، الطبيعية: التضاريس الوعرة…)، التي يَتَحَتَّمُ علينا الركوع والخنوع لها؛ إجلالاً لها؛ لعَدَم قُدرتنا على التصرُّف فيها، وتغيير معالمها ونتوءاتها، حسب زعم المدرسة الحتمية، التي يتزعمها راتزل، أو بالظُّروف الثقافية الكلاسيكيَّة، التي تنظر إلى كلِّ جديدٍ وغير مألوف نظرةَ المتلكِّئ والرافض؟
من جهةٍ أخرى: هل تخلُّفُنا راجعٌ إلى عدم الأخْذ بالأسلوب العلمي، أو أن ذلك يعود إلى غياب دولة المؤسَّسات، وسيادة القانون، والديمقراطية، وحُقُوق الإنسان، أو إلى عوامل خارجيَّة منَظمة، تَهْدف لإبقاء الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسية العالَميَّة على حالِها؛ للحفاظ على مصالح الدول الكبرى، وذلك بقمْع كل النتوءات الفكرية والعلمية، وجَعْلها عقليَّة مُسطحة وساذجة، ومتساوية التفكير، وإن كان باختلافات طفيفة - كما هو حاصلٌ بين بيبسي كولا، وكوكا كولا - أو باللغة الأمريكية: معنا أم ضدنا؟
ثم هل مشكلة ومعضلة التخلُّف عرَضيَّة وظرفية، مَرَّتْ بها كلُّ الدول التي تصنَّف حاليًّا بالمتقدمة، أو قدر محتوم يستحيل على البلدان التي تسمَّى زيفًا وزورًا - وإن شئتم حياء - بالدول النامية تخطِّيها، حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط، انطلاقًا منَ المقولة المشهورة التبريرية للفكر الاستعماري، والتي انجَرَّ وراءها أبناءُ جلدتنا منَ الأدباء والمفكرين، الذين قسموا العالم إلى نوعين من الأجناس: نوع متفوق بطبعه، وآخر متخلف بطبعه، وأن الأول يتحمَّل مسؤولية تمدْيُن الثاني، وتحدث الإنجليزي "روديار كيبلينغ" عن عبْء الرجل الأبيض: "الرجلُ الأسود عبء على الرجل الأبيض، فالغرب غرب، والشرق شرق، وهما لا يلتقيان".
ومِن ثَمَّ فتحليل مثل هذه الإشكالات يحتاج إلى تعاوُنِ وتضافُرِ مَجْهُوداتِ النُّخبةِ المثقَّفة، كلٌّ من موقعه الثقافي والعلمي - أي: تخصُّصه - لِمُحَاوَلة تغطية هذا الحَدَث الأليم، وذلك بتشخيص الداء، وذلك من مُنطلق: "الاعتراف بالمرض أرفع درجات العلاج"، وسأقتصر مِن جانبي في هذا المقال على الرد على بعض التصوُّرات التي تحاوِل جعْل التخلُّفِ نبتةً طبيعية - أو بالأحرى: جغرافية - يستحيل اقتلاعها.
يتبع.........