منتديات مواد الاجتماعيات



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات مواد الاجتماعيات

منتديات مواد الاجتماعيات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات مواد الاجتماعيات


    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر 710
    عارضة الطاقة :
    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Left_bar_bleue90 / 10090 / 100الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Empty الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أبريل 03 2011, 10:35

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر

    الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -1
    * * *
    *


    لا يعرف أهل المغرب المعاصرين ما هي درجة وشرف اسم ( الحاج ) قديما لدى المغاربة، فالحاج يعتبر لدى المغاربة قديما بمثابة المجاهد الذي طرق الوغى وخرج منه منتصرا، ورجع لأهله مظفرا، وقد أدركنا في خمسينات القرن 20 الميلادي بقايا عادات ومظاهر احتفال المجتمع المغربي بعودة الحجاج الميامين في سلامة وعافية وتستمر الاحتفالات كالأعراس مدة أسبوع والحاج في استقبال أهله وذويه وأصحابه، وقد كتب بعض الرحالة المغاربة ما قاساه الحجاج من المخاطر في صحاري سيناء والحجاز، من سلب ونهب من قبل قطاع الطرق، وتزداد المخاطر أكثر في الأراضي المقدسة نفسها وخاصة في الطرق الرابطة بين مكة والمدينة، حيث تهاجمهم قبائل الأعراب هناك، وتسلبهم أمتعتهم وأموالهم، هذا إن أفرجوا عنهم، وأخلوا سبيلهم لمواصلة رحلتهم، ولم يتعرضوا للقتل، أما إذا صادفوا قطاع الطرق الخطرين فمصيرهم التصفية الجسدية، وحتى إذا بلغوا مأمنهم فإنهم يتعرضون أيضا للنهب المنظم من طرف نواب رؤساء مكة أو المدينة ليستخلصوا من الحجاج جبايات أداء الحج، وعند الامتناع عن الأداء يتعرضون لحجز جميع أمتعتهم
    وفي هذه الأحداث يقول شاعرنا الأمازيغي الرايس الحاج بلعيد والذي روى بعض مشاهداته في زيارته للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، في أوائل القرن 20 الميلادي، مع ملاحظة الفرق بين عصره والعصور الماضية حيث المخاطر أشد وأفتك، وقد ترجمت كل بيت للعربية لفهم ما يقصده هذا الناظم الأمازيغي المغربي الكبير
    * * *
    لهنا آف تكور إيما أغاراس كولو إيكا يان
    الأهم هو الأمن أما الطرق فكلها واحدة
    * * *
    آدور تامنت هاب الريح ران نيت ديدك إيمون
    لا تأمن اللصوص ولو هم في صحبتك
    * * *
    أوراك يوت أغار إيغ إينا راكن آك إيفغ الروح
    فلن يطلق عليك النار إلا في الفرصة المناسبة له
    * * *
    ولايني أدوكان لكمغ نزرن تيصومعيين
    ولكن عندما أصل المدينة وتتراءى لنا المآذن
    * * *
    نزورد أشافيع أورا سول نكتي تاوديوين
    ونزور شفيعنا فلن نتذكر بعد دلك مخاوفنا
    * * *
    لينبوع واناتيد إيران لابود نورعم
    ومن يريد الذهاب الى ينبع لابد من الجمل
    * * *
    شهر أونص إيراتيد إيك إيزور غربعيام
    يلزمه شهر ونصف سفرا والزيارة أربعة أيام
    * * *
    غ لخلا د لقيفار أوازال إيمحادا دواياض
    والسير في الفيافي والقفار أياما متتابعة
    * * *
    ونظرا لوعورة الطرق وكثرة الموانع، مما جعل في فترة من الفترات التاريخية العصيبة على الحجاج المغاربة، أن انتشر في الأوساط المغربية أن فريضة الحج ساقطة عن أهل المغرب، إلى أن تصلح الأوضاع الأمنية هناك، وخصوصا بعد أن توالت الاحتجاجات من ملوك المغرب إلى أمراء مكة وأشرافها، فلم تطأ قدم أي حاج مغربي أرض مكة مدة نصف قرن
    وقد احتج الإمام أبو بكر بن العربي على هذه المسألة حيث قال
    العجب ممن يقول الحج ساقط عن أهل المغرب وهو يسافر من قطر إلى قطر، ويقطع المخاوف ويخرق البحار في مقاصد دينية ودنيوية والحال واحد في الخوف والأمن والحلال والحرام، وإنفاق المال وإعطائه في الطريق وغيره لمن لا يرضى
    وقال أيضا الشيخ أبو العباس احمد بن محمد اللخمي السبتي في هذه القضية
    يأبى الله والمسلمون سقوط قاعدة من قواعد الإسلام وركن من أركان الدين وعلم من أعلام الشريعة عن مكلف ضمه أفق من آفاق الدنيا أو صقع من أصقاع الأرض وهذا معلوم في الكتاب والسنة والإجماع
    وأمام هذه المعضلة الدينية الخطيرة، قام أحد شيوخ العلماء في المغرب وهو أبو محمد صالح صاحب رباط أسفي والمتوفى سنة 631 هـ، وتعاون مع أصحابه العلماء لحل هذه القضية وإنقاذ هذا الركن الخامس الإسلامي
    وقد ذكر الكانوني في كتابه أسفي وما إليه، أن جماعة هذا الشيخ بذلوا جهودهم في الحث على الحج وتسيير الناس إليه وبث الأصحاب في المراكز ليأخذوا بيد الضعفاء ويعينونهم على سلوك الطريق الى الأماكن المقدسة حتى يبلغوا الأمان من أداء الفرض الواجب
    وقد كانت طائفة هذا الشيخ أبي محمد صالح الماجري كجمعية إسلامية بأرقى نظام كافل للنجاح، لأنها تحبب إلى الناس الحج وتسهل عليهم الطريق وتزودهم إليه، فما أوسع نظر هذا الشيخ وما أكثر غوصه في فلسفة التشريع، ويظهر ذلك عند موازنته بين تلك المفسدة التي هي المشقة الحاصلة في الطريق أو إنفاق المال وبين المصلحة الحاصلة بالحج، ومن أدرك أسرار الحج المباركة، يدرك أن المفسدة المرجوحة لا يسقط بمثلها الواجب
    وأضاف الكانوني مبينا الكيفية التي سار عليها لتحقيق ذلك فقال
    كان لهذا الشيخ الأثر المحمود والمقام المشهود حتى مهد للحج السبيل من المغرب وكون الركب الحجازي، فكان مهما انتهى إليه أحد يجعل أهم الشروط لصحبته إياه حج بيت الله الحرام، وبث أصحابه في المراكز من أسفي الى الحجاز بالأراضي المقدسة، بل جعل ولده السيد عبد العزيز بمصر، حتى توفي بها ثم كان حفيده السيد إبراهيم بن احمد بن أبي صالح بالإسكندرية، وكان بعده ولده العلامة ابو العباس احمد بن إبراهيم مؤلف المنهاج الواضح، فكان الأصحاب المنبثون في المراكز مهما ورد عليهم أحد يريد الحجاز فلا يجعلون له مجالا في المكث بأي بلد حتى يحج ويزور، بل ويمدون له اليد بكل ما لديهم من معونة ويسيرونه من القوافل بعدما تحامى ذلك المغاربة لوعورة الطريق
    ومن نتائج هذا العمل الجمعوي العظيم، أن فتح الله عليهم سلوك طريق الأماكن المقدسة في أمن وأمان، حتى تكون وتأسس الركب الحجازي الرسمي في الدولة المغربية، والمعروف باسم ( المحمل ) وعين له سلاطين المغرب قائدا وقاضيا، فكان لأولاد وأحفاد هذا الشيخ الجليل شرف تولية قيادته ورياسته رسميا، وقد تطور تسيير هذا المحمل الحجيجي الى أن أصبح له وكلاء في الجزائر وتونس وليبيا ومصر، والذين ربطوا الاتصال مع محامل وقوافل حجاج هذه الدول وجعلوا من بلاد مصر ملتقى جميع قوافل حجاج الشمال الإفريقي، للانطلاق جميعا في مسيرة كبيرة واحدة الى الأراضي المقدسة، متغلبين على العراقيل، ومانعين على قطاع الطرق جميع محاولاتهم للكيد بالحجاج الميامين، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا

    * * *
    وفي الموضوع القادم سنتطرق لتفاصيل أخرى حول رحلات الحجاج المغاربة الى بيت الله الحرام وما يواجهونه من متاعب ومعاناة وأخطار، وكل ذلك يهون عليهم أمام الرغبة في زيارة حرم الله عز وجل، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموفق

    * * *
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر 710
    عارضة الطاقة :
    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Left_bar_bleue90 / 10090 / 100الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Empty الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -2

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أبريل 03 2011, 10:36


    الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -2

    في هذا الموضوع سنتطرق الى المشاكل والأحداث التي واجهها الحجاج المغاربة قديما في المشرق، تتميما للموضوع السابق والذي يحمل عنوان الحجاج المغاربة ومخاطر السفر
    وقبل الدخول في تفاصيل هذه الأحداث نتعرف على شكل الركب الحجازي المغربي كما وصفه المؤرخون المشارقة والذين عاينوه في بلدانهم، فنقول
    * * *

    الركب الحجازي المغربي : ويسميه أهل المشرق بالمحمل المغربي، لكنه لا ينطبق عليه هذا الاسم حقيقة، لأن أهل المغرب لم يكن لديهم محمل كمحمل أهل الشرق، وهو عبارة عن هيكل خشبي وكسوة ويتخذ كشعار مثل سائر المحامل العربية الأخرى، وإنما كان المحمل المغربي يتكون من عدة قوافل تلحق بعد عبورها تراب ليبيا بركب المحمل المصري في القاهرة لمن كان يسلك طريق البر من المغاربة
    وكان المحمل المغربي ينقسم الى قسمين وفق طريقة سفره، وأماكن تجمعه وهما
    المحمل البري : وينقسم بدوره الى قسمين
    الركب الحجازي السجلماسي والفيلالي : ويضم حجاج منطقتي سلجلماسة وتافيلالت وما إليها من الصحراء
    الركب الحجازي المراكشي والفاسي : ويضم حجاج منطقتي مراكش وفاس والمناطق الوسطى بالمغرب
    المحمل البحري : وتختص به المدن الواقعة على السواحل المغربية ويتكون من مراكب بحرية تتجه بحرا مباشرة الى الإسكندرية للالتقاء مع المحمل المصري والمحمل البري المغربي، ويتقسم هذا المحمل البحري بدوره الى قسمين
    الركب الحجازي التطواني : ويضم حجاج شمال المغرب المتوسطي
    الركب الحجازي السلاوي : ويضم حجاج مناطق الساحل الأطلسي
    وذكر الاستاذ ابراهيم حلمي في كتب التراث الإسلامي أن قوافل الحج المغربي كانت تصب في القاهرة قبل أن تصل الى الأراضي الحجازية حتى تستأنس بصحبة المحمل المصري في الطريق سواء في الذهاب أو الاياب
    * * *
    وقد تميزت المحامل المغربية بعدة ظواهر، كان أهمها ما جاء في كتاب ( أطوار العلاقات المغربية العثمانية ) ومنها
    أولا – أن التقاء المحامل المغربية في الحواضر المشرقية ذهابا وإيابا، تتيح للرحالة المغاربة الوقوف على أخبار بلدهم ونقلها إلى ذويهم بشكل منتظم من غير قلق لطول الرحلات
    ثانيا – الملاحظ من الرحلات المغربية أن الإقامة بالشرق تتنوع ما بين هدف المجاورة بمكة وهدف التجارة في طرابلس ومصر
    ثالثا – أن تقابل المحامل المغربية مع محامل الحج الجزائرية والتونسية والليبية والمصرية، ومصاحبة بعضها البعض، يعطي لكل محمل الفرصة للوقوف على معالم الحياة في المحامل الأخرى والأخذ منها أو انتقادها أو الدخول في جدل حولها
    رابعا – إن تنوع الجدل في هذه المحامل بين المعتقدات المحلية والعادات الشعبية ومظاهر الحكم وحياة الحواضر والبوادي يبرز نظرة المغرب العربي للشرق العثماني وما يدور حوله
    * * *

    وقد يصطدم الحجاج المغاربة في طريقهم بالطوارئ السياسية التي تقع ببلاد الشرق، ويواجهون ما لا يتوقعونه من مشاكل كبيرة قبل أن ينالوا مقصدهم الشريف، ومنها ما حدث للركب الحجازي المغربي في السنة التي وقعت فيها مصر فريسة للحملة الفرنسية سنة 1213 هـ، وقد حكى الكاتب الجبرتي هذه الحادثة فقال
    في أحداث شهر ذي الحجة سنة 1213 هـ وفيه حضر مغاربة حجاج إلى بر الجيزة بضواحي القاهرة، فتحدث الناس وكثر لغطهم وتقولوا بأن عشرين ألف من المغاربة حضروا إلى مصر لإنقاذها من الفرنسيين، فأرسل إليهم الفرنسيون للكشف عن أمرهم، فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين، فأذنوا لهم بدخول بعض أنفار منهم للقاهرة لقضاء أشغالهم، فحضر شخص مصري منهم إلى الفرنسيين ووشى إليهم أنهم قدموا لمحاربتهم والجهاد فيهم، وأنهم اشتروا الخيل والسلاح وقصدهم إثارة فتنة
    فأرسل الفرنسيون إليهم جماعة لينظروا في أمرهم، وتكلموا مع كبيرهم المغربي، عن الذي نقل عنهم، فقالوا لهم : إنما جئنا بقصد الحج لا لغيره
    ثم رجعوا وفي صحبتهم كبير المغاربة، فعقدوا معه جلسة وأحضروا الرجل المصري الذي وشى بهم، فتذكره المغربي وفضح للفرنسيين أمره حيث قال لهم : إن هذا المصري حرامي أمسكناه بالسرقة وضربناه، فحمله الحقد على ذلك، وإن هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل عليها، ولا يصح أن نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا إلا نصف قنطار من البارود ( 500 كلغ )، ثم اتفقوا معه أن يبقى هو رهينة عندهم ومعه السلاح حتى يعبر الحجاج المغاربة إلى منطقة العادلية حيث سيعبرون البحر الى الجزيرة العربية، ووقع المصريون في فزع آخر حيث زعموا وأشاعوا أن الفرنسيين خرجوا لقتال المغاربة عندما شاهدوا مدافع الفرنسيين واقفة أمام المغاربة، مع أنها وضعت للحراسة فقط من قبل المحتلين لتأمين مرور المغاربة بالقاهرة، وأغلقت الأسواق خوفا من الحرب، مما جعل الفرنسيين يضطرون الى تأجيل خروجهم الى اليوم التالي ومصاحبتهم إلى العادلية بشكل آخر وتحت وقع الموسيقى العسكرية والطبول وأمامهم مدفع وخلفهم مدفع آخر في موكب عسكري إلى أن أجازوهم للعادلية ثم أتبعوهم بسلاحهم بعد ذلك حسب الاتفاق السابق معهم
    * * *

    هذه إحدى الأحداث التي وقعت لركب الحجاج المغاربة، وهناك أحداث أخرى سنعرضها في موضوع آخر بحول الله
    * * *
    *
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر 710
    عارضة الطاقة :
    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Left_bar_bleue90 / 10090 / 100الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Empty رد: الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أبريل 03 2011, 10:38

    الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم - 3

    ----------------------------------------

    في هذا الموضوع سنتطرق الى المشاكل والأحداث التي واجهها الحجاج المغاربة القدماء في المشرق، تتميما للموضوع السابق، ومنها المكوس والضرائب التي يفرضها أهل مكة على قوافل الحج المغربية ومحامل الحج الشرقية

    * * *

    وقبل الدخول في تفاصيل هذه العمليات الجبائية بالأراضي المقدسة، يحسن بنا أن نتعرف على تاريخ بداياتها، ومن أحدثها

    تقول الروايات التاريخية أن أول من أحدث الضرائب في مكة هو مضاض بن عمرو الجرهمي وهو صهر نبي الله سيدنا اسماعيل بن سيدنا ابراهيم الخليل عليهما السلام، وهو أيضا والد السيدة رعلة زوجة سيدنا اسماعيل عليه السلام، فكان يأخذ من الأموال عشرها لمن دخل من بابها الأعلى، في حين كان سبطه السميدع، يأخذ العشر ممن يفد الى مكة من أسفلها

    وحينما أشرقت الجزيرة العربية بنور الاسلام على يد سيد الورى والأنام، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أبطل المكوس والضرائب، وأصبح بيت مال المسلمين يتكفل بكل صنوف العوز والاحتياج، والذي يستمد قوته من نظام الزكاة الذي وضعه التشريع الاسلامي، ليحقق تحت مظلته العدل الاجتماعي بين كافة الناس

    واستمر الحال على ذلك طيلة عهد الخلفاء الراشدين ثم الخلفاء الأمويين، وأوائل عهد الخلفاء العباسيين، الى أن جاء القرامطة في عام 309 هـ وبدأت شوكتهم تنهش قوافل الحجاج، وهي في طريقها لأداء مناسك الحج، فزحف القرامطة كالجراد الشره قاصدين الأراضي المقدسة بالحجاز، وهجموا على زوار الحرم الشريف المكي دون رحمة وقتلوهم ونهبوهم ولم يتركوا أثرا لأخضر ولا يابس، حتى وصل بهم الأمر الى تعرية بيت الله الحرام وتجريده من كسوته، وسرقتها وتفريق أجزائها فيما بينهم، وسرقة الحجر الأسود المقدس، ونقله الى بلادهم ( هجر ) بدولة البحرين، لصرف النظر عن مقدسات مكة المكرمة

    ويقول المؤرخ الأزرقي أن في هذا الجو الارهابي المشبع بالدماء العالقة بالسيوف نبتت من جديد فكرة فرض المكوس أو الضرائب على حجاج بيت الله الحرام، وكان صاحب هذه الفكرة هو ابو علي عمر بن يحيى العلوي، من أهل العراق، وقد طلب من زعيم القرامطة أبي طاهر القرمطي عام 327 هـ أن يخلي سبيل الحجاج المعتقلين لديه على مكس يأخذه منهم في المقابل، واقترح أن يكون مقداره خمسة دنانير على كل جمل وسبعة دنانير على كل محمل

    وأول رد فعل ضد هذا القرار الخارج عن الاسلام، جاء من علماء الدين، ومنه ما حدث لأحد قضاة العراق وهو القاضي ابو علي بن ابي هريرة الشافعي، والذي حج في هذه السنة التي صدر فيها قرار القرامطة، وبينما هو في طريق الحج وجد فجأة من يوقفه من الجباة مطالبا إياه بأداء ضريبة الحج لأول مرة في تاريخ الاسلام، فرفض القاضي أداء الضريبة، ومنعوه من مواصلة سيره في الطريق الى الحج، فما كان منه إلا أن شد اللجام ولوى رأس رحلته وعاد من حيث أتى دون أن يستكمل رحلته، وهو يصيح وأمارات الغضب على ملامحه، قائلا : لم أرجع شحا على الدراهم، ولكن قد سقط الحج بهذا المكس

    واستمر الحال على ذلك، طوال قرنين من الزمان إلى أن ظهرت الدولة الأيوبية بالشام ومصر سنة 561 هـ، وفيها تم إعفاء حجاج بيت الله الحرام من الضرائب، بقرار من صلاح الدين الأيوبي، ولم يدم هذا القرار طويلا بل أصبح وسيلة للمساومات بين أمراء مكة ومماليك مصر، للظفر بشرف إمارة مكة، فحينما يرغب أمير مكة في كرسي إمارة مكة يلغي المكوس إرضاء لحكام مصر، ثم يرجع الى عادته في فرض الضرائب بعد استتباب ولايته، وهكذا سقطت هذه العملية في مد وجزر عبر تاريخ الاسلام، وكان ضحيتها حجاج بيت الله الحرام

    * * *

    وقد كانت هذه المكوس فوق طاقة الحجاج ودولهم ايضا، بسبب المغالاة فيها، مما جعل كثيرا منهم يضجون منها وكان أكثر هؤلاء المحتجين من علماء الاسلام وخاصة أهل الدول المغاربية، وعلى رأسهم أكثرهم شكاية هو الرحالة الأندلسي ابن جبير، الذي زار الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، ودون فظائع جباة الضرائب هناك، فكتب والألم يعتصره من جراء تجربة مريرة مع المكوس المفروضة على الحجاج في وقت حجه، فقال

    وأكثر أهل هذه الجهات الحجازية وسواها فرق وشيع لا دين لهم قد تفرقوا على مذاهب شتى وهم يعتقدون في الحجاج ما لا يعتقد في أهل الذمة، قد حيروهم من أعظم غلاتهم التي يستغلونها، ينتهبونهم انتهابا، ويسببون لاستجلاب ما بأيديهم استجلابا، فالحاج معهم لا يزال في غرامة ومؤنة إلى أن ييسر الله رجوعه الى وطنه، ولولا ما تلافى الله به المسلمين في هذه الجهات بصلاح الدين الأيوبي، لكانوا من الظلم في أمر لا ينادى وليده ولا يلين شديده، فإنه رفع ضرائب المكوس عن الحاج، وجعل عوض ذلك مالا وطعاما يأمر بتوصيلهما أمير مكة الشريف مكثر، فمتى أبطأت عنهم تلك الوظيفة المترتبة لهم، عاد هذا الأمير الى ترويع الحجاج وإظهار تثقيفهم بسبب المكوس، واتفق لنا من ذلك أن وصلنا جدة، فأمسكنا بها خلال ما خوطب مكثر، الأمير المذكور، فورد أمره بأن يضمن الحاج بعضهم بعضا، ويدخلوا الى حرم الله، فإن ورد المال والطعام اللذان برسمه من قبل صلاح الدين، وإلا فهو لا يترك ماله قبل الحاج، وهذا لفظه، وكأن حرم الله ميراث بيده، محلل له اكتراؤه من الحاج، فسبحان مغير السنن ومبدلها

    ويرتفع صوت الرحالة الأندلسي ابن جبير ويصبح أكثر مرارة وهو يريد أن يرفع عن كاهل حجاج مكة ثقلا ثقيلا من عسف وجور وفداحة هذه الضرائب، فيقول

    فأحق بلاد الله بأن يطهرها السيف، ويغسل أرجاسها وأدناسها بالدماء المسفوكة في سبيل الله، هذه البلاد الحجازية، لما هم عليه من حل عرى الاسلام، واستحلال أموال الحاج ودمائهم، فمن يعتقد من فقهاء أهل الأندلس إسقاط هذه الفريضة عنهم، فاعتقاده صحيح لهذا السبب. وبما يصنع بالحاج مما لا يرتضيه الله عز وجل، فراكب هذا السبيل راكب خطر ومعتسف غرر، والله قد أوجد الرخصة فيه على غير هذه الحال، فكيف وبيت الله الآن بأيدي أقوام قد اتخذوه معيشة حرام، وجعلوه سببا في استلاب الأموال واستحقاقها من غير حل، ومصادرة الحجاج عليها، وضرب الذلة والمسكنة الدنية عليهم. تلافاها الله عن قريب بتطهير يرفع هذه البدع المجحفة عن المسلمين بسيوف الموحدين أنصار الدين، وحزب الله أولى الحق والصد، والذابين عن حرم الله عز وجل، والغايرين على محارمه، والجادين في إعلاء كلمته وإظهار دعوته ونصر ملته. انتهت رسالة ابن جبير

    * * *

    وفي الموضوع القادم سنورد باقي الاحتجاجات الصادرة من مختلف ملوك وعلماء العالم الاسلامي، والله الموفق

    * * *
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    صورة جماعية لقادة المحمل

    * * *


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    المحمل الشامي
    * * *
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر 710
    عارضة الطاقة :
    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Left_bar_bleue90 / 10090 / 100الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Empty الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -4

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أبريل 03 2011, 10:40

    الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -4

    ----------------------------------------------
    في هذا الموضوع سنتابع عرض المشاكل والأحداث التي تواجه الحجاج المغاربة القدماء في المشرق، ومنها المكوس والضرائب التي يفرضها أهل مكة على قوافل الحج المغربية ومحامل الحج الشرقية

    * * *

    وفيما يلي سنورد باقي الاحتجاجات الصادرة من بعض علماء العالم الإسلامي، ومنها ما رواه المؤرخون من أن أحد علماء الشام غضب غضبا شديدا على فداحة هذه الضرائب، وهو الشيخ علوان الأسدي الحلبي، وكان مقربا من السلطان صلاح الدين الأيوبي، مما جعله مؤهلا لإبلاغه بما يكابد الحجاج في مكة، فقد حج هذا الشيخ ذات مرة، فلما وصل إلى جدة طولب بأداء الضريبة، فأبى أن يسلم لجباة المكوس من الحجاج شيئا، وأراد الرجوع، فلاطفه الجباة، وبعثوا إلى أمير مكة الشريف مكثر بن عيسى يعرضون عليه أمر امتناع الشيخ الحاج عن دفع الضرائب، فأمر أمير مكة بإعفائه من دفع الضرائب، فلما ذهب الشيخ الحاج إلى مكة اجتمع به الأمير، وقدم إليه الاعتذارات لكي يسترضيه، وأخبره أن سبب هذه الضرائب أن العائد من الدخل المادي من وفود الحجاج لا يفي بمطالب الناس ومصالحهم، فكتب الشيخ علوان الأسدي الحلبي إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي، ليبين له مقدار سوء الحالة المادية لدى أهل مكة، وكيف أن أميرها كان مدفوعا إلى بدعة جباية الضرائب من الحجاج بسبب ضعف الدخل، فأمر السلطان صلاح الدين الأيوبي، بإعفاء حجاج مكة من الضرائب، نظير تعويض أمير مكة بالغي دينار وألفي اردب من القمح تدفع لمكة سنويا، وترسل إليه عن طريق المراكب البحرية إلى جدة، كما أقطعه بعض الأراضي في مصر، وقد شمل هذا الإعفاء أيضا المكوس المأخوذة من الحجاج القادمين بحرا من مرسى عيذاب بمصر الى جدة

    وأمام قرار هذا السلطان الصالح، من إعفاء الحجاج من المكوس التي كانت بمثابة الهم الثقيل، والذي رفعه عن كاهلهم، فعم الفرح بهذا الصنيع الأيوبي المبارك جميع حجاج بيت الله الحرام، وكان من ضمن من حضر في هذه المناسبة كبير الحجاج المغاربة، الرحالة الأندلسي ابن جبير الذي عبر عن فرحته بقصيدة توجه فيها لمدح السلطان صلاح الدين الأيوبي فقال

    رفعت مغارم مكس الحجاز * * * بإنعامك الشامل الغامر
    وآمنت ـكناف تلك البلاد * * * فهان السبيل على العابر


    ولم تدم فرحة الحجاج بمكة أكثر من فترة حكم السلطان صلاح الدين الأيوبي، فقد روى المقريزي في كتابه الخطط، أن السلطان عثمان بن صلاح الدين الأيوبي أعاد المكوس إلى حالها وزاد في شناعتها

    * * *

    واستمر الحال على ذلك الى سنة 639 هـ وفيها حج ملك اليمن المنصور نور الدين بن علي بن رسول حجته الثانية، فأبطل جميع المكوس على حجاج مكة، ونشر قراره على لوحة مربعة قبالة الحجر الأسود، وظلت هذه المربعة قائمة إلى أن اقتلعها ابن المسيب والي مكة سنة 646 هـ وأعاد فرض المكوس على حجاج مكة من جديد

    * * *

    وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس الشهير بقاهر المغول، توجه في سنة 667 هـ حاجا إلى بيت الله الحرام في ملابس الإحرامـ، وفي نفسه غيظ من شريف مكة أبي نمي، ومن استهانته به، فلما تقابلا في مكة، حاول أبو نمي استرضاءه، فأشهد على نفسه أمام السلطان ووفده أنه ترك جميع الجبايات التي يأخذها من الحجاج إلى يوم القيامة، إكراما له وتعظيما لمقامه، وخوفا من أن يزيحه عن كرسي إمارة مكة، وهو قاهر المغول في الشام

    * * *

    ولم تدم هذه الحالة أكثر من فترة حكم السلطان الظاهر بيبرس، إذ ذكر الكاتب عبد القادر الأنصاري الجز يري، أن المكوس عادت في عهد السلطان المنصور قلاوون، وأصبحت في حكم المساومات بين أمراء مكة وأمراء قوافل الحج المصري

    * * *

    وقد ظهر في هذه الفترة نوع إضافي آخر من المكوس في مكة، مما زاد في تخوف الحجاج من أداء فريضتهم في طمأنينة، وهي ضريبة التأخير، أي أن من تأخر عن الرحيل من مكة بعد الحج عليه أداء ضريبة إضافية، مما جعل الحجاج يستعجلون الرحيل من مكة قبل استكمال واجباتهم الدينية

    * * *

    ومما زاد الطين بلة أن هذه الضرائب الإضافية ترسل الى مصر بصفتها المركز المالي المسيطر على إدارة الحجاز في ذلك العهد، مما جعل العلامة المقريزي يكتب في كتابه سنة 829 هـ مستغربا من انقلاب الأمور حتى صارت مكة تجبي الأموال لترسلها لمصر، فأين مصير الإعفاءات السابقة، فقال
    فجاء للناس ما لا عهد لهم بمثله، فإن العادة لم تزل من قديم الدهر في الجاهلية والإسلام أن الملوك تحمل الأموال الجزيلة إلى مكة لتفرق في أشرافها ومجاريها، فانعكست الحقائق وصار المال يحمل من مكة ويلزم أشرافها بحمله، ومع ذلك، فمنع التجار أن يسيروا في الأرض يبتغون من فضل الله وكلفوا أن يأتوا إلى القاهرة حتى تؤخذ منهم المكوس على أموالهم

    وإتي لأذكر أن الملك المصري المؤيد شيخا، نظر مرة في أيام قدوم الحجاج إلى مصر فرأى من أعلى قلعة الجبل خياما مضروبة بالريدانية خارج القاهرة، فسأل عنها فقيل له : إن العادة أن ينصب ناظر الخاص عند قدوم الحجاج خياما هناك ليجلس فيها مباشرو الخاص وأعوانه حتى يأخذوا مكس ما معهم من البضائع، فقال الملك : والله لقبيح أن يعامل الحاج عند قدومه بهذا، واستدعى بعض أعيان الخاصكية وأمره أن يركب ويسوق حتى يأتي الخيام ويهدمها على رؤوس من فيها، ويضربهم حتى يحملوها وينصرفوا، ففعل المأمور ذلك ولم يتعرض أحد في تلك السنة للحجاج
    وأضاف المقريزي : لعمري لقد سمعت عجائز أهلنا وأنا صغير يقلن عن هذه الظاهرة، أنه ليأتي على الناس زمان يترحمون فيه على فرعون، فبرغم أن سنينا مضت وخلفت حتى أدركت وقوع ما أنذرنا به من قبل، ولله عاقبة الأمور. انتهى كلام المقريزي

    * * *

    وفي الموضوع القادم سنورد باقي الاحتجاجات الصادرة من مختلف ملوك وعلماء العالم الإسلامي، والله الموفق

    * * *

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    حفل وداع المحمل المصري



    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    المحمل المصري

    * * *
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر 710
    عارضة الطاقة :
    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Left_bar_bleue90 / 10090 / 100الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Empty الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -5

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أبريل 03 2011, 10:42

    الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -5
    ----------------------------------------------

    في هذا الموضوع سنتابع عرض المشاكل والأحداث التي تواجه الحجاج المغاربة القدماء في المشرق، ومنها المكوس والضرائب التي يفرضها أهل مكة على قوافل الحج المغربية ومحامل الحج الشرقية
    * * *

    وشهد عام 830 هـ لأول مرة ما يعرف في العصر الحاضر بالازدواج الضريبي، وهو تحصيل الضرائب أكثر من مرة وفي أكثر من مكان واحد

    وقد أعلن حكام مصر والحجاز، بالنداء في أسواق مكة، أن من اشترى بضاعة للتجارة وسافر بها إلى غير القاهرة حل دمه وماله للسلطان بمصر

    وقد جعل هذا القرار السلطاني المتشدد، تجار الشام أن يمروا ببضائعهم على مصر لتؤخذ منهم المكوس، وبعد ذلك يعودوا الى بلادهم بالشام، لتؤخذ منهم مكوس أخرى الخاصة ببلادهم، وهذه سابقة أخرى تضاف الى المغالاة في جباية الضرائب من الحجاج

    وقد حفز حكام مصر بهذا القرار أمراء مكة لزيادة جلب الضرائب من الحجاج بأن جعل لهم نصيبا فيها وهو الثلث والثلثان لمصر، وقد ابتدأ هذا النظام الجبائي سنة 832 هـ

    وقد عم هذا النظام جميع الحجاج سواء المصريين أو غير المصريين، وكذا في مكة أو غير مكة، وشمل التجار والحجاج معا

    * * *

    وقد اصطدم الحجاج المغاربة أيضا بهذا القرار، فنجد عند المقريزي في كتابه السلوك في حوادث سنة 835 هـ أن ركب الحجاج المغاربة قدم الى القاهرة، كما قدم ركب حجاج بلاد التكرور من زنوج أفريقيا أيضا وفيهم بعض ملوكهم، فعوملوا بأسوأ معاملة من التشدد في أخذ المكوس مما جلبوه من النخيل والرقيق والثياب

    * * *

    واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن حل عهد الخلافة العثمانية، فسار خلفاؤها وأمراؤها على نفس التشدد والتعنت في جباية الضرائب على الحجاج، وازداد الضرر على الحجاج المغاربة بالخصوص، حتى بلغت شكاويهم ملك بلادهم وهو السلطان مولاي عبد الله العلوي، وتأخر ركب الحجاج المغربي في تلك السنوات

    * * *

    فقد روى الكاتب الجبرتي في كتابه عجائب الآثار، ضمن ما ذكر في حوادث عام 1149 هـ أن أحد أمراء الحج ويدعى الأمير خليل بك قطامش أنه تقلد الإمارة والصنجقية وطلع بالحج أميرا، ولم يحصل في إمارته على الحجاج راحة، وكذا على غيرهم من أهل المغرب، وكان أتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن، ومنع عوائد العرب، وصادر التجار في أموالهم بطريق الحج، وكان أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود، يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاذين، وكان الأمير عثمان بك ذو الفقار يكرهه ولا تعجبه أحواله، ولما وقع للحجاج ما وقع في إمامه، ووصلت الأخبار إلى السلطان مولاي عبد الله العلوي صاحب المغرب، وتأخر بسبب ذلك الركب المغربي عن الحج في السنة الأخرى، فأرسل سلطان المغرب مولاي عبد الله العلوي رسالة مفتوحة إلى علماء مصر وأكابرهم، ينقم عليهم سكوتهم عن هذا الظلم، ومما ورد فيها

    وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع، وضاقت من أجله الأرض على الخلائق، وتحمل من فيه إيمان لذلك ما ليس بطائق، من تعدي أمير حجكم على عباد الله، وإظهار جرأته على زوار رسول الله، فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعديه الحدود، وبلغ في خبثه الغاية، وجاوز في ظلمه الحد والنهاية، فيالها من مصيبة ما أعظمها، ومن داهية دهماء ما أجسمها، فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يهان أو يضار حجاج بيت الله الحرام، وزائرو نبينا عليه الصلاة السلام، وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك، وأفصح لنا علماء المغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك، فيا للعجب، كيف بعلماء مصر ومن بها من أعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها. انتهت رسالة السلطان

    * * *

    وما كان هذا الخطاب الملكي المغربي المسجوع الكلمات ليغير ويصلح الاعوجاج الذي انتاب بعض أمراء الحج وزاد في تعسفهم في جباية الضرائب، فقام الوزير العثماني محمد باشا راغب، بالقبض على أمير الحج المذكور، وأمر بقتله بعد أن استشرت شروره حتى جأر وضاق منها ملك المغرب، لما حل برعيته المغاربة من شطط أمير الحج

    * * *

    وأثناء الحملة الفرنسية على مصر بقيادة الإمبراطور نابليون بونابرت عام 1798 م، توالى نهب محمل الحجاج المصريين وغيرهم بالحجاز من قبل العربان، وأمام هذه المعضلة، رأت فرنسا أنه قد يستوجب ذلك تدبير الوسائل الكفيلة باكتراء حرس قوي للمحمل المصري له مهابته أمام أطماع العربان والبدو بالحجاز

    * * *

    كما أمر السلطان احمد العثماني لحل مشكلة نهب محامل الحجاج بتخصيص ميزانية تؤدى لعربان وبدو الحجاز ويشتري منهم أمان طريق الحجاج مقابل إتاوة بالملايين كانت تعطى للعربان الذين يشغلون الصحاري التي تقع فيها طرق قوافل الحجاج حتى تجتازها بأمان

    * * *

    وفي الموضوع القادم سنورد وضعية الحجاج عموما في القرن 19 و 20 الميلادي والحلول التي وضعت لحل فظائع النهب والسلب التي يتعرض لها حجاج بيت الله الحرام ، والله الموفق

    * * *

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    وصول المحمل الى الأراضي المقدسة

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    وصول المحمل الى مكة المكرمة

    * * *
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر 710
    عارضة الطاقة :
    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Left_bar_bleue90 / 10090 / 100الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Empty الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -6

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أبريل 03 2011, 10:43

    *

    الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -6

    * * *

    سنتابع في هذا الموضوع عرض المواجهات المختلفة والتي وقعت للحجاج المغاربة سواء بمصر حيث تلتقي المحامل المغاربية كلها في موعد واحد، أو في الأراضي المقدسة

    * * *

    وفيما يتعلق بما وقع للحجاج في صعيد مصر، فقد روى الرحالة الأندلسي ابن جبير، وهو كما نعرف من ضمن حجاج المغرب والأندلس، يصف ما رآه أثناء ذهابه لتأدية فريضة الحج عبر نهر النيل عام 759 هـ فقال : وببلاد الصعيد المعترضة في الطريق، للحجاج والمسافرين، كأخميم وقوص ومنية ابن الخصيب من التعرض لمراكب المسافرين، وتكشفها والبحث عنها، وإدخال الأيدي إلى أوساط التجار، فحصا عما تأبطوه أو احتضنوه من دراهم أو دنانير، ما يقبح سماعه، وتستشفع الأحدوثة عنه، كل ذلك برسم الزكاة، دون مراعاة لمحلها أو ما يدرك النصاب منها

    * * *

    وأضاف ابن جبير مشهدا آخر غاية في الطرافة لاستخلاص الصدق من التجار حيث قال : وربما ألزم المباشرون التجار بالأيمان على ما بأيديهم، وهل عندهم غير ذلك، ويحضرون كتاب الله العزيز ليقع عليه اليمين، فيقف الحجاج بين أيدي هؤلاء المتناولين لها مواقف خزي ومهانة تذكرهم بأيام المكوس في مكة

    * * *

    ويصف ابن جبير الجباة الجامعين للمال بأنهم شرذمة من مردة أعوان الزكاة، وهم يمسكون في أيديهم المسال الطوال ذوات الأنصبة، فيصعدون الى المراكب استكشافا لما فيها، فلا يتركون عكما ولا غرارة إلا ويتخللونها بتلك المسال الملعونة، مخافة أن يكون في تلك الغرارة أو العكم، الذين لا يحتويان سوى الزاد، شيء غيب عليه من بضاعة أو مال

    * * *

    وأمام هذه المشاهد المقرفة، والتي حضرها الرحالة ابن جبير فقال : أن أمراء مكة المكرمة يقومون بأخذ العشور من التجار المسلمين، وكان رأيه في ذلك أن هذا الأمر مخالف للشريعة الاسلامية مما دفعه الى القول بأن لا إسلام إلا بالمغرب

    * * *

    ومن خلافات ركب الحجاج المغربي مع أهل الحجاز، ما حدث في عام 785 هـ في مدينة ينبع بالأراضي الحجازية، فقد نزل أمير ينبع سعد بن أبي الغيث الحسني، على الحجاج المغاربة بوادي العقيق، وطلب منهم أن يعطوه المال، فأمسكه شيخ ركب المغاربة، وربطه من كتفيه بحبل، وأخذ فرسه من تحته، وأخذه ماشيا إلى خيامه، فأتاه جماعة من قبيلته، وقاتلوا المغاربة أشد القتال، وقتل من المغاربة جماعة كثيرة، وخلصوا أمير ينبع من أيديهم

    * * *

    كما وقعت معركة أخرى بين المغاربة وحجاج التكرور الأفارقة من جهة وبين الصعايدة المصريين كان من نتائجها أن خلص منهم المغاربة أموالهم التي نهبها منهم الصعايدة

    * * *

    كما حدثت مصادمات أخرى بين المغاربة والمصريين في القاهرة وذلك في عهد العثمانيين ومنها ما رواه الجبرتي في حوادث سنة 1110 هـ حيث قال

    وفي 14 شوال 1110 هـ كانت واقعة المغاربة من أهل فاس وتونس، وذلك أن من عادتهم أن يحملوا كسوة الكعبة كل سنة للبيت الحرام، ويمرون بها وسط القاهرة، ويمشي المغاربة حاملين جانبا منها للتبرك بها، ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم، فلما رأوا رجلا من أتياع مصطفى كتغدا القازدغلي يدخن الشيشة غير آبه بمن يمر أمامه، فكسروا أنبوبة دخانه وتشاجروا معه وشجوا رأسه، وكان في مقدمتهم طائفة منهم مسلحون وزاد التشاجر واتسعت القضية، وقام عليهم أهل السوق، وحضر أوده باشا البوابة فقبض على أكثرهم ووضعهم في الحديد، وطلع بهم الباشا وأخبروه بالقضية، فأمر بسجنهم بالعرقانة، فاستمروا حتى سافر الحجاج من مصر، ومات منهم جماعة في السجن، ثم أفرج عن الباقين

    * * *

    وروى الجبرتي صدام آخر وقع بين المغاربة وأهل مصر في شهر رمضان عام 1202 هـ، فقال

    أن طائفة من حجاج المغرب نزلوا بشاطئ النيل في بولاق للمبيت هناك، وكان بالقرب من خيامهم عسكر القليونجية من حرس اسماعيل بك، وهم في سمر مع نساء يتعاطون المنكرات من خمر وفحش، فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح، وخصوصا في هذا الشهر رمضان المبارك، أو يبتعدوا عنهم، فضربوا عليهم طبنجات، فثار المغاربة، وهرب القليونجية إلى مراكبهم، فنط المغاربة خلفهم، واشتبكوا معهم، ومسكوا من مسكوه، وذبحوا من ذبحوه، ورموه إلى البحر، وقطعوا حبال المراكب، ورموا صواريها، وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة، وأغلقوا الدكاكين، وقتل من القليونجية نحو العشرين، ومن المغاربة دون ذلك، فلما بلغ رئيسهم اسماعيل بك الخبر اغتاظ لذلك، وأرسل إلى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم، فانتقلوا الى القاهرة، وسكنوا بالخانات، فلما كان ثاني يوم، نزل الأغا والوالي ( وهما أعلى سلطة في القاهرة من قبل العثمانيين) وناديا في الأسواق على الحجاج المغاربة بالخروج من المدينة إلى ناحية العادلية، ولا يقيمون بالبلد، وكل من آواهم يستأهل ما يجرى عليه، فامتنع المغاربة من الخروج، وقالوا : كيف نخرج الى العادلية ونموت عطشا، فذهبت منهم طائفة إلى اسماعيل كتغدا حسن باشا، فأرسل الى اسماعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم، فامتنع ولم يقبل شفاعته، وحلف أن كل من مكث منهم بعد ثلاثة أيام سيقتله، فتجمع المغاربة أحزابا، واشتروا أسلحة، وذهبت منهم طائفة إلى الشيخ العروسي، والشيخ محمد بن الجوهري، وتكلموا مع اسماعيل بك، فنادى عليهم بالأمان

    * * *

    وقد أوضح الجبرتي هنا أن هذه الإصطدامات في العادة لم تكن بين المغاربة والمصريين الأصليين والذين يعرفون بأولاد البلد، بل كانت صداماتهم تقع مع عناصر عسكرية وهي في العادة كانت من العناصر التركية، كما أن المغاربة في ذاك العهد كانوا متشددين في أمور الدين فلم يقبلوا أن تمارس المنكرات أمامهم كتدخين الشيشة والسمر مع النساء، وهم في ما هم من السفر إلى بيت الله الحرام، فكانت هذه الأفعال تستفزهم إلى أقصى حد

    * * *

    وفي الوقت الذي بزغ فيه نجم الحركة الوهابية في الأراضي الحجازية قرر الوهابيون إلغاء الضرائب في مكة، إلا ما كان حقا، وقد أرسلوا لذلك خطابا الى السلطان العثماني في مفتتح القرن 19 الميلادي، أي في عام 1218 هـ الموافق 1803 م، ومع ذلك قام الجباة العثمانيون بمحاسبة ركب الحجاج المصريين ومن ضمنهم حجاج الدول المغاربية، وذلك بأن أمرهم بعدم دخول مدينة القاهرة، والاقامة في ضاحيتها

    * * *

    وفي مطلع القرن 20 الميلادي، أمر العثمانيون الشريف حسين بن علي أمير مكة، أن يفرض على الحجاج ضريبة خط السكك الحديدية الحجازية، لربط الأراضي المقدسة بالشام وتركيا، وتقليل المشاق التي يتعرض لها الحجاج، وقد شدد الشريف حسين على جباية هذه الضريبة على جميع من وطأت قدمه أرض مكة من الحجاج، ولم يسلم من هذا الاجراء حتى أمراء السلطنات اليمنية، مثل عوض بن عمر القعيطي، سلطان المكلا والشحر، وأحمد بك الجمل من أعيان المنصورة، وأحمد بك الضى

    * * *

    وقد أمر الشريف حسين بعدم خروج أحد من الحجاج من مكة حتى تجبى منهم الضريبة كلها، وعلى ذلك حبس الحجاج بمكة بعد تأدية الفريضة سبعة أيام، وكانوا في عجلة من أمرهم لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الشريف حسين منعهم وأمرهم قائلا لهم : مكانكم حتى تدفعوا الضريبة، وقد ذكر من حضر لهذه الحادثة وهو اللواء ابراهيم رفعت باشا، أن بعضا من حجاج المغرب شكا لدولة الوالي حبسهم بمكة، فأرسل معهم مندوبه الى دولة الشريف ليسمح لهم بالخروج، فلما وصلوا إليه نزل عليهم ضربا بالعصى، وإذ ذاك انقض عليهم زبانيته وهم البارودية، فتشتتوا مذعورين ورجعوا بخفي حنين

    * * *

    ويضيف الراوي اللواء المذكور ، أنه بعدما جبى الشريف حسين ضريبة السكة الحديدية من الحجاج داخل مكة، أذن لهم بالخروج، ووضع لهم مصدة أخرى في بداية الطريق الى المدينة، لجباية عائدات الحكومة عن كل جمل خال أو محمل، وبلغ ازدحام الحجاج أشده لأن المحصل في ذلك المكان كان وحيدا بدون مساعدين، وكان بجانبه زبانيته يضربون أي حاج يريد المرور دون الأداء، واستعملوا معهم كل غلظة وقساوة لا تصدر من الوحوش، فضلا عن الأناسي، بل فضلا عن كل مسلم يدين بالاسلام، وكانت الطريق ضيقة لا تسع إلا لجملين بشقادفهما، فتداخلت الأحمال بين الجمال، وتكسرت المحامل والشقادف بفعل الاصطدامات، وسقط الراكبون من أعلى الجمال، وخاصة النساء والعجزة، وتكسرت عظامهم، وفقدت أمتعتهم، وتسمع ولولة النساء وعويل الصبيان واستغاثة الضعفاء ومنازعات الرجال، ولا توجد هناك شرطة ولا حرس لتنظيم المرور، وكل ذلك مغبة حبس الشريف حسين للحجاج، وسوء نظام الجباية

    --------------------------

    يتبع

    * * *
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر 710
    عارضة الطاقة :
    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Left_bar_bleue90 / 10090 / 100الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    الحجاج المغاربة القدماء ومخاطر السفر Empty الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -7

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أبريل 03 2011, 10:45

    الحجاج المغاربة قديما ومعاناتهم -7

    ----------------------------------------------

    * * *

    *

    في هذا الموضوع عرض مفصل لإحدى عمليات النصب التي يقوم بها أفراد من عصابات قبائل العربان بين مكة والمدينة وشمال الحجاز، والتي كان ضحيتها ركب حجاج بيت الله الحرام

    * * *

    وقد رواها أمير الحج إبراهيم رفعت باشا، ويصف فيها تلك الرحلة المهولة والتي وقعت أحداثها في شهر محرم 1326 هـ موافق فبراير 1908 م وتعرف هذه الحادثة باسم حادثة المحمل، وقد كان أمير الحج على رأس هذه القافلة الضخمة من حجاج مصر وحجاج الدول المغاربية الذين كانوا يسيرون مع المحمل المصري في كل موسم حج كما هو معهود، فقال

    سافرنا من المدينة بعد ظهر الأحد 21 محرم سنة 1326 هـ موافق 23 فبراير 1908 م ووصلنا آبار علي بذي الحليفة بعد مسيرة ساعتين، وهناك بتنا، وفي منتصف الساعة العاشرة من ليلة الاثنين قمنا إلى آبار درويش فوصلناها بعد 12 ساعة، استرحنا في واحدة منها وبآبار درويش كان مبيتنا

    وقد اجتمعت بعد الغروب بالشريف علي بن هيازع المعين مأمورا للحج من قبل الشريف، وحضرا اجتماعنا كوماندان الحرس والمقوم، وكان مما قاله مأمور الحج والمقوم الجملة التالية ( أبشرك بأن الطريق ما فيه أحد وأن العربان فاهمين أن طريق الحمل هو طريق ( الطريف ) وأن ذلك بناء على أخبار وصلتهما ) قالها كل منهما على حدة، ثم تبين لنا أن الأمر بخلاف ما زعما، فقر رأينا على أن يؤخذ من الصرة 1000 ريال تكون مع كاتبها الأول ويسير هو والمأمور والمقوم وبعض الضباط أمامنا على مبعدة من ركبنا، وذلك ليمهدوا الطريق، وينزلوا من قمم الجبال من يرون من العربان، ويعطوهم من الألف المكافآت المناسبة، وفي منتصف الساعة 11 سرنا من آبار درويش يتقدمنا من أسفلنا ومن خلفهم صف من العسكر، وبعد مسيرة ساعة ونصف وصلوا مضيقا، وهنالك أطلق العربان الرصاص عليهم من جبلين متقابلين، فتقدم إليهم المأمور والمقوم، واتفقا معهم على 160 ريالا يأخذونها ويسكتون، فصرفت إليهم، وبعد أن سار الركب قليلا أعيد ضرب الرصاص، فأمرنا العسكر بتسلق الجبال لمنع هذا العدوان الذي حدث بعد المكافأة وإذ ذاك حضر رسول من قبل المأمور وأخبرنا أن الذين أطلقوا الرصاص الآن عربان قبيلة ( الرحلة )، أما الذي أطلقوه أولا فعربان ( الردادة )، وما زال إطلاق الرصاص مستمرا وعساكرنا تجاوبهم بطلقات البنادق ومدفع ( كروب ) ومدفع ( مكسيم ). وفي خلال ذلك انضم إلى قبيلة ( الرحلة ) أربع قبائل أخرى كانت قادمة من ينبع، فاشتد الضرب، فأرسل إليهم المأمور واتفق معهم على أداء 400 ريال ويتركون المناوأة، وقد سلم المبلغ إلى غنيمة وعاطر ومشايخ آخرين من قبيلة ( الرحلة ) بعد أن تعهدوا بعدم التعرض، ومسحوا وجوههم كما هي العادة عندهم إذا أرادوا الوفاء بالعهد، ثم اعتلوا الجبال لينزلوا العربان، فانقطع الضرب قليلا، ثم عاد أشد ما يكون، فقابلناه بأشد منه، وما زالت النيران مطلقة من الجانبين حتى تأكدنا من خطر الموقف، إذ لبثنا في مكاننا 5 ساعات ونصفا نتقاذف فيها الرصاص وقد أصيب 7 من جنودنا، لقي أحدهم ربه، وأصيبت امرأة توفيت من فورها، ومات 4 خيول، وأصيب اثنان برءا بعد ذلك، وكذلك أصيب 3 بغال، ومات من الجمال 13 وجرح نحو 20 ولما عجز المأمور عن إنزال العربان، وغاب المقوم محمد أبو حميدي عن الركب من ساعة أن تقدم إلى الأمام، ودنا الغروب، ولا تزال المسافة بيننا وبين آبار عباس بعيدة، فإن بتنا سنبيت على غير ماء، وليس من الماء ما يكفي، ولما أن حصل كل ذلك أشار المأمور بالرجوع لتفاقم الخطب، وارتأيت ما رأى حقنا للدماء، ومحافظة على الأرواح، فعدنا إلى بئر درويش وقت الظهر، وقد اشتد الضرب حينما رأى الأعراب عودة الركب، ولكن العساكر ما فتئت تدافع عنه حتى وصل البئر، وتركنا بمكان الموقعة قسما من العسكر ( بلكا ) يخفر الجرحى والموتى والأشياء التي وقعت حين هرول الجمال لما أن تكاثر الرصاص عليها، وساعة وصلنا إلى البئر وضعنا قوتين على جبلين حاكمين على مقام الركب، وقد وجدنا طائفة من العربان محتلة جبلا خلف ذلك الجبلين، وأطلقوا علينا بعض الرصاص، ولكن لم يصيبونا بسوء، ولما رأوا قوتنا أمامهم كفوا عن الضرب، وقد لبثنا في مقامنا هذا ساعة وثلثا حتى تكامل اجتماع الركب كله، وبعد ذلك تباحثت مع المأمور والكومندان في المبيت بهذا المكان، فقر رأينا على مغادرته إلى المدينة، فغادرناه إليها في الساعة 8 نهارا وحينما كنا ببئر درويش أرسلنا مع رسول كتابا إلى محافظ المدينة، قصصنا عليه فيه ما كان من العربان، وأخبرناه بأنا راجعون إلى المدينة، وفي ذلك الحين علمنا أننا لو كنا اجتزنا المضيق الذي حصل فيه الضرب لوجدنا أمامنا 5 قوى أخرى من عربان ( الأحامدة ) كانت تستعد لمشاكستنا بالطريق، وتأكدنا من ذلك بما رواه العربان لنا بعد عودتنا إلى المدينة، فإنهم قالوا : إن عربان الأحامدة كانوا محتشدين لنا في المضايق التي بين ( الجديدة ) و( بئر عباس ) وعلمنا أن العربان والأحامدة الذين اعتدوا على الركب كانوا يعتقدون أن دولة المشير كاظم باشا المنوط به إنشاء السكة الحديدية الحجازية مختف بصحبتنا، وأنهم من أجل ذلك نقموا علينا، وكاظم باشا هذا هو الذي خرج من المدينة في ذي الحجة قاصدا تخطيط السكة الحديدية بين المدينة ورابغ، ولما سار يومين اعترضه العربان، وأطلقوا عليه الرصاص، فقتلوا من جنده الذي يبلغ 1506 عسكري، وجرحوا 22، فعاد إلى المدينة لما رأى من فداحة الخط، لأن العرب حانقون عليه من أجل همه بتخطيط تلك السكة التي يظنون أن في إنشائها قطع أرزاقهم وتسليط الإفرنج، ولاسيما الألمان على بلادهم، وحنقوا علينا لما ظنوا اختفاء المشير بصحبتنا

    * * *

    ولم تمر حادثة المحمل هذه بسلام في القاهرة، فقد تناولتها الصحافة المصرية بالنقد، وتشكلت لجنتان بوزارة الداخلية للتحقيق في أسباب ونتائج هذا الحادث وبعد أن هدأت الأمور علقت الأسباب على شماعة عدم إبلاغ المسئولين في الحجاز واستشارتهم في أي السبل الآمنة يسير فيها المحمل المصري، وكأنما المحمل المصري كان يسافر إلى الأراضي الحجازية لأول مرة، وكأنما رجاله يجهلون أخلاق من يتعرضون لهم بالسلاح في مفاوز الصحراء

    وكأنما نسيت لجنة التحقيق طبائع تلك الفئة التي تقتات على دماء من لا يدفع

    ألم يقل هؤلاء الذئاب البشرية في صلافة ( نحن نضرب الكف ونأخذ أجرته ) وكأنما أذى العباد عندهم هوى مما يعشقونه

    * * *

    لقد ذكر لنا الأديب يحيى حقي في كتابه ( كناسة الدكان ) عبارة تلخص كل ذلك الرعب الذي تعرضت له قوافل المحمل المصري عبر تاريخ سيره في طريقه، فقال : كانت تروى لنا ونحن ونحن أطفال حكايات من مخاطر الطريق يشيب لها الشعر، فإذا كان هكذا رد الفعل لمن سمع فما البال بمن رأى، وهل الله عز وجل لا يرى أحدا


    ---------------------------------

    المصدر : كتاب المحمل للأستاذ حلمي

    * * *

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27 2024, 23:07