قصة يونس عليه السلام
قصص الأنبياء فيها العبر فيها الحِكم فيها المواعظ الله عز وجل لم يذكرها عبثاً بل كما ذكرنا مِراراً أنها للموعظة للإيمان للعبرة معنا في هذه الحلقة قصة نبي من الأنبياء إسمه "يُونُسُ إبْنُ مَتَّى "وسُمي" بِذِ النُّونْ"وما معنى { النُّونْ } إنه الحوت ولهذا أيضا سُمي في القرءان صاحب الحوت ما قصة هذا النبي أرسله الله عز وجل إلى مدينة تُسمى " نَيْنَوَى "في محافظة تُسمى الموصل إلى اليوم هذه المدينة موجودة كان فيها أكثر من مائة ألف إنسان لا يؤمنون بالله عز وجل كلهم مشركون فأرسل الله عز وجل لهم هذا النبي الذي يُسمى" يُونُسُ إبْنُ مَتَّى "يدعوهم إلى الله عز وجل يدعوهم إلى التوحيد أن يعبدوا الله مالكم من إلاه غيره
فهل إستجاب أحد ظل سنوات يدعوهم إلى الله جل وعلا لم يستجب منهم أحد قط لا رجل ولا إمرأة لا صغير ولا كبير لا غني ولا فقير كلهم كفروا بالله عز وجل واستهزأوا بيونس وسخروا منه { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ } ماذا كانوا يقولون له { إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } كلهم أجمعوا على السخرية بيونس عليه الصلاة والسلام وإذائه والإستهزاء به لييأسن إنسان من قومه إذا سمع قصة "يُونُسُ إبْنُ مَتَّى "دعاهم وصبر وتحمل الأذى ما ترك بيتا ما ترك طريقا ما ترك فردا في هذه الأمة إلا ودعاها إلى الله عز وجل ولكنهم أصروا على الكفر بالله وعاندوا واستكبروا الله عز وجل أوحى إلى " يُونُسُ إبْنُ مَتَّى "بعد أن دعاهم إلى الله عز وجل وبعد أن صبر في دعوته إلى الله عز وجل أوحى الله عز وجل إلى يونس أن قومك لن يعيشوا بغير عذاب بعد ثلاثة أيام إذا لم يؤمنوا بالله عز وجل مُهلة لِقومك فقط لِثلاثة أيام
فإما أن يؤمنوا بالله عز وجل وإما أن يَحِلَّ بِهِمُ العذاب { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } فجاء يونس إلى قومه وَذَكَّرَهُمْ بالله قال ياقوم أمْهَلَكُمْ الرب فقط ثلاثة أيام فإما أن تؤمنوا بالله وإما أن يحل بكم ما حل بالأقوام قبلكم إما أن تؤمنوا بالله أو ينزل عليكم عذاب يُهْلِكَكُم جميعا ومع هذا أصروا واستكبروا وعاندوا وقالوا إصنع ما صنعت يا يونس فإننا لن نؤمن بك ولن نصدقك في هذه اللحظات كأن يونس عليه السلام غضب على قومه وَيئِسَ من هدايتهم فخرج مُغضَباً عليهم آسِفاً على ما سَيَحِلُّ عليهم من عذاب
..
فلما خرج يونس عليه السلام من قومه مُغضَباً وترك " نَيْنَوَى " ومن فيها لم يؤمنوا بالله عز وجل شعر قومه بالندم وكأن العذاب سَيَحِلُّ بهم وكأن وعد الله حق وكأنهم بعد ثلاثة أيام سيهلكون فأحسوا بالندم وشعروا بالتوبة فَجَارُوا إلى الله عز وجل فصلوا الحيوانات عن أولادها فزغت ورغت وعلا صِياحها خرج الناس من بيوتهم يجأرون إلى الله عز وجل في نينوى الكل يبكي الكل يستغيث بربه الكل يجأر إلى الله عز وجل حتى لا ينزل العذاب أما أن يكشف الضر ويكشف العذاب إذا نزل إنه الله عز وجل { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } ليس لهم إلا الله { وَيَكْشِفُ السُّوءَ } إنه الله لم يشعر يونس بهذا خرج من قومه وهو غضبان عليهم لكنهم كلهم عن بكرة أبيهم آمنوا بالله عز وجل وأحسوا بالندم وتابوا إلى الله وكشف الله عنهم العذاب لم تؤمن قرية كما آمن قوم يونس في نينوى في محافظة الموصل آمنت القرية كلها
{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } رُفِعَ البلاء ولم ينزل العذاب ومَتَعَهُم الله عز وجل وَقَبِلَ اللهُ توبتهم التوبة لابد فيها من الندم القرية بكت الناس صاحوا توسلوا إلى الله إستغاثوا به آمنوا بالله عز وجل خوفا من العذاب فنجاهم الله عز وجل ونجا قوم يونس وآمنوا كلهم بالله عز وجل
..
خرج يونس عليه السلام من قومه غاضبا عليهم آسفا عليهم كيف لم يُؤمنوا به وقد دعاهم وقد ذكرهم بالله عز وجل خرج من نينوى متوجها إلى البحر لِيُغادر قومه بعد أن أمهلهم ثلاثة أيام لِينزل عليهم العذاب لم يؤمن به أحد منهم توجه إلى البحر لِيُهاجر في الله عز وجل وفي سبيل الله لِيُبلغ دين الله عز وجل في الأرض إستعجل يونس على قومه ذهب إلى البحر فركب سفينة هذه السفينة إمتلات بالناس وامتلات بالبضائع ركب معهم يونس عليه السلام ليجوبوا البحر دخل البحر معهم فحَلَّ الظلام لما نزل الظلام بدأت الأمواج تتلاطم بدأت الريح تشتد الأمواج السفينة تهتز بدأ الناس يبكون بدأ الناس يصيحون مالذي يحدث مالذي يجري إن السفينة ستغرق بأهلها
خاف الناس وفزع الناس وفيهم نبي الله يونس عليه السلام { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } ركب سفينة مليئة بالناس فاشتدت الأمواج وارتفعت وزادت الريح واهتزت السفينة بأهلها بدأو يُلْقُونُ البضائع شيئا فشيئا حتى لا تغرق السفينة لكنها لا زالت ستغرق في الناس قالوا إذا لابد أن نضحي ببعض الناس لينجوا الآخرون نضحي بمن قالوا لابد أن نلقي واحدا تِلو الآخر نظر الناس في البحر وفي ظلام الليل والظلام حَالِك فإذا بحيتان تجوب البحر من يجرأ أن يرمي نفسه إلا من أراد هلاكها قالوا لابد أن ينزل أحدنا لم يرضى أحد أن ينزل من السفينة أو يُلقي نفسه قالوا إذا لابد لنا من قرعة قُرعة فمن وقعت عليه يبدأ بالنزول الأول فالثاني فالثالث فالرابع هكذا حتى تنجوا السفينة بأهلها وكانت السفينة مليئة فإذا بالقرعة واحد تلوالآخر واحد تلوالآخر
حتى وصل الأمر إلى يونس عليه السلام فوقعت القرعة عليه عَلِم يونس أنه مقصود بدأ بالإستعداد لإلقاء نفسه قالوا له لا يايونس لا يايونس إصبر رأوه رجلا صالحا رجلا صاحب خُلُقٍ سَمْحٍ قالوا لا إنتظر نريد أن نعيد الكرة مرة أخرى فإذا بالقرعة تقع مرة أخرى على من على يونس عليه السلام هذا صعب بل يكاد يستحيل أصلا لكنه وقع في تلك الأيام في ذلك اليوم الذي كان يونس في سفينة ماج البحر ليس لِشيء إلا أن يونس ركب في السفينة الخطأ في اللحظة الخطأ وخرج من قومه في ساعة خاطئة فإذا بيونس عليه السلام تقع القرعة عليه في المرة الثانية فخلع القميص قالوا لا بل إصبر نعيدها المرة الثالثة وفعلا في المرة الثالثة تقع على من على يونس نفسه يالله إنك مقصود يايونس ليس المقصد السفينة بأهلها لا والله بل أنت المقصود يايونس نزع ملابسه ثم رمى نفسه في البحر في ظلمة الليل
{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ } رمى بنفسه يونس عليه السلام في البحر فأوحى الله عز وجل في ذلك الظلام وفي تلك الأمواج أن تسكن هذه الريح وتهدأ الأمواج وتسلم السفينة بأهلها أما يونس أوحى الله عز وجل لحوت في البحر كان ينتظر يونس أن إذهب لهذا النبي أن إذهب إلى هذا الرسول فالْتَقِمْهُ إبْتَلِعْهُ وَلاَ تَخْدُشْ لَهُ لَحْماً ولا تكسر له عظما { فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ } إبْتَلَعَهُ الحوت { فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } فإذا بيونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمة الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر ظن أنه قد مات فإذا به يتحرك داخل بطن الحوت فلما عَلِمَ أنه لازال حيا سَجَدَ لله عز وجل في بطن الحوت وقال رب قال رب سجدت لك في مكان لم يسجد لك أحد مثله لم يسجد أحد من البشر
في مثل هذا المكان إتخذته لك مسجدا { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } ظن يونس عليه السلام ذانون ذا الحوت أن الله عز وجل لن يُضَيِّقَ عيه لن يقدر عليه أي لا يُضَيِّقَ عليه فإذا به في ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت يسمع صوتا ماهذا الصوت يارب ماهذا الصوت وأنا في قاع البحر سمع صوتا غريبا صوتا عجيبا فقال الله عز وجل له يايونس هذا هو تسبيح الأسماك في البحر{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ } في الظلام يسمع تسبيح الأسماك لربها { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } في تلك اللحظة قال يونس لا إله إلا أنت تَذَكَّرَ أعظم كلمة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إعترف يونس بخطأه بتقصيره لأنه إستعجل على قومه ندم يونس وكان رَجَّاعاً إلى ربه جل وعلا وكان كثير التسبيح قال لا إله إلا أنت في ظلام الليل في ظلمات ثلاث في ظلمة حوت وبحر وليل مظلم بهيم فإذا به يقول تلك الكلمات فتصعد الكلمات وتخترق السماء الدنيا ثم الثانية ثم الثالثة إليه يصعد الكلام الطيب حتى وصلت إلى الملائكة عند ربها فسمعت الملائكة تلك الأصوات صوت عبد يقول لا إله إلا أنت
فقالت الملائكة يارب يارب صوت نألفه الصوت نعرفه لكن المكان لا نألفه يخرج من مكان غريب فقال الله عز وجل للملائكة ألا تعرفون صوت من هذا قالت الملائكة لا يارب لا ندري قال إنه صوت عبدي يُونُسُ إْبنُ مَتَّى قالوا يارب ألن تنجيه قال بلى سأنجيه { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
..